الإدانة التي أطلقها العونيون في مواقع التواصل الاجتماعي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، لا يمكن النظر اليها على أنها موقف سياديّ، ولا حتى كتصويب إعلامي بغرض الإحراج وحشد "السياديين"، بقدر ما تبدو صراخاً يسبق أي تسوية سياسية بدأت تتبلور لانتخاب رئيس للجمهورية، ويكون فيها الفريق العوني خارج الصفقة.
والتوصّل الى هذا الاعتقاد، ناتج حكماً عن افتعال حدث، لا يُعفى أي طرف سياسي في لبنان من الانخراط فيه. فسفراء الدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر) الذي بدأوا جولتهم السياسية الجديدة لكسر الجمود في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، من مقر إقامة رئيس مجلس النواب، وسيستكملونه بقاءات سياسية وحزبية، يتواصلون مع معظم الافرقاء في البلاد، ويعقدون لقاءات مع الجميع، بمن فيهم "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل. وعليه، فإن الإدانة التي وُجهت الى بري، لا يُنظر اليها الا من زاوية اختلاق أزمة بغرض إحداث ضوضاء إعلامية.
ومع أن الحديث عن "السيادة" والاستقلالية اللبنانية هو مادة شيقة وجذابة وتلعب على وتر الجمهور اللبناني، إلا أن ملفات كل الاطراف بلقاءات مع السفراء وفتح الآذان لتسويات الخارج، تقوّض أي ادانة موجهة من طرف الى آخر. يجمع السقف اللبناني كل الاطراف في غرفة واحدة، لا يختلف فيها حزب عن آخر، ولا يتخطى أي طرف السقف المسموح للآخر. العلاقة مع السفراء والتعامل معهم، يشبهان أي سلوك سياسي وإداري آخر في بلاد المحاصصة والتوازنات. لا يُمنح طرف أكثر من غريمه، ولا يُحرم فريق أكثر من مناوئه. الحصص، كما الانصياع والرفض، على مقاس الجميع بما يتناسب مع الاحجام، بما يمنع الدانة، ويمنع ادعاءات الوطنية لفريق دون آخر.
من هنا، جاءت ردود جمهور "حركة أمل" ومناصري بري على تغريدة القيادي في "التيار الوطني الحر" جاد أبو جودة الذي كتب: "من مشاهداتِ كيانٍ عمرُه قرنٌ وثلاثة اعوام، واستقلال تجاوز الثمانين، انّ رئيس مجلس نوابه يستضيف سفراء خمس دول اجنبية للبحث في اختيار رئيس جمهورية #لبنان الحر السيد المستقل المنتصر على اسرائيل، بدلاً من أن يترأس جلسة نيابية متواصلة ينتخب خلالها ممثلو الشعب رئيس الدولة".
جاء الرد من مدير الاخبار في "أن بي أن" علي نور الدين بالقول: "لعل أصحاب ذاكرة "السمكة السيادية البرتقالية" نسوا أو تناسوا كيف وشوا على أبناء بلدهم في الكونغرس الأميركي وكيف استصدروا القرارات الدولية ضد سيادة بلدهم وكيف وصل "عمادهم" الى قصر بعبدا بعدما غادره هارباً عبر السفارة الفرنسية...ثمّ يحدثونك عن السيادة".
والحال إن الإدانة بهذا الشكل، فشلت في تحويل الملف الى قضية سيادية، كونها لم تتجاوز مساحة جمهور "التيار" الذي ينتقد بري، إنطلاقاً من خلفية سياسية، وهو العارف بأن إفقاد بعض جلسات الانتخاب نصابه القانوني، شارك فيه بعض نواب التيار أيضاً، ودفع رئيسه باتجاه اختيار اسم ثالث يتوافق عليه الاأفرقاء. لكن افتعال هذا الحدث، يعني أن نتائج لقاء سفراء الخماسية، لم يطرحوا الاسم الثالث، والتزموا بالحديث عن المواصفات، مما لا يقطع الطريق على رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهما منافسا باسيل، كما لا ينتزع من بري دعوته لعقد حوارات، ولو اتخذت شكلاً جديداً على شكل حوارات ثنائية أو ثلاثية، في ظل رفض المشاركة في طاولة حوار واحدة.
لو كانت نتائج اللقاء مختلفة بما تشتهي رياح "التيار"، لما تجدد النقاش في الملف السيادي، وذلك في ظل تريث من قبل الجميع ريثما تنتهي حرب غزة، وتالياً تنتهي حرب جنوب لبنان. فأي نقاش دولي حول الرئاسة في ظل الحرب، سيصبّ في صالح "حزب الله" ومرشحه، أما الاستمهال فيعني شراء الوقت، وإعادة عقارب النقاش الى ما قبل 7 أكتوبر، وعندها، لكل حادث حديث.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها