الخميس 2024/01/25

آخر تحديث: 22:07 (بيروت)

بعد الدحدوح وعزايزة...صحافيو غزة يؤكدون: التغطية مستمرة

الخميس 2024/01/25
بعد الدحدوح وعزايزة...صحافيو غزة يؤكدون: التغطية مستمرة
معتزّ عزايزة ووائل الدحدوح (سوشيال ميديا)
increase حجم الخط decrease
بعد أكثر من مئة يوم على العدوان الإسرائيلي، أثار خروج عدد من الصحافيين الفلسطينيين اضطرارياً من قطاع غزة، تفاعلاً في السوشال ميديا، جمع بين شكر وامتنان لهؤلاء الصحافيين، وبين التساؤل عمّن بقي من صحافيين مؤثرين في القطاع لمواصلة نقل صورة ما يجري. وكان من أبرز الخارجين من غزة، وائل الدحدوح ومعتز عزايزة. 

ولأن القصة لم تنتهِ، أجمعت مشاركات في مواقع التواصل على أنّ الصحافيين الخارجين من غزة سيواصلون مهمتهم، وبمسؤولية أكبر. ناهيك عن أنه في المحصلة، لا يُمكن إغماض العين عن حقيقة أنّ الصحافي الغزّي هو بحد ذاته قصة إنسانية مؤلمة، فكثير منهم استشهدت عائلاتهم، ودُمّرت منازلهم، وعايشوا أوجاعاً تفوق قدرة الإنسان، لكنهم لم يوقفوا التغطية. 

وهنا، يقول صحافيون فلسطينيون من غزة لـ"المدن": "وجعنا باستشهاد عائلاتنا جراء القصف الإسرائيلي ألزمنا، نفسياً وعقلياً ووجدانياً، على مواصلة التغطية من دون توقف".

مع ذلك، ما زال صحافيون كُثر يواصلون التغطية في القطاع، وينقلون يوميات العدوان الإسرائيلي رغم شراسته، واستهدافهم الذي أسفر منذ أكثر من 3 أشهر عن استشهاد أكثر من 119 صحافياً وناشطاً.

ومع تحول كثير من الناشطين إلى العمل كصحافيين خلال الحرب الحالية، لم تتمكن "المدن" من إحصاء العدد الكلّي للذين يقومون بتغطية الحرب، لكن يُقدر عدد الصحافيين الإجمالي في القطاع بنحو 1400، غير أنّ عدد الناقلين لمجريات الحرب، عملياً، يتجاوز هذا الرقم.

"الحرب الأعنف" على الصحافيين
ولفهم مجمل المخاطر والتحديات التي يواجهها الصحافي الغزّي في الحرب طيلة 16 أسبوعاً، لا بد من مقارنة ما يجري خلال العدوان الحالي مع حروب سابقة. وهنا، يؤكد مدير عام وكالة "سوا" الفلسطينية العاملة في القطاع، حكمت يوسف، أنّ ظروف عمل الصحافي في حرب غزة الحالية مختلفة عما كانت عليه في الحروب السابقة، وقد تجلى ذلك منذ الدقيقة الأولى.

وأوضح يوسف لـ"المدن" أن مدينة غزة كانت تُعد مركز التجمع الصحافي، لكن منذ إخلاء شمالي القطاع، اضطر كثير من الصحافيين إلى النزوح باتجاه وسط القطاع وجنوبه؛ ما أدى إلى تشتيت مواقعهم، وتقييد قدرتهم على الوصول إلى المعلومات الكاملة في الوقت المناسب، ومن مصادرها الرسمية والعينية. وأكد يوسف أن الصحافيين موجودون في القطاع ويمارسون عملهم حتى الآن، رغم القصف وخطورة الوضع، واستشهاد عدد قياسي منهم، واصفاً الحرب الإسرائيلية بالأعنف على الصحافيين، أسوة بالمواطنين.

وأشار يوسف إلى أن جيش الاحتلال كان في الحروب السابقة يسمح بدخول صحافيين أجانب، وضرب حرب 2014 مثالاً، فقال إنه في تلك الحرب دخل نحو 73 صحافياً أجنبياً إلى غزة، وعملوا مع المؤسسة الإعلامية الفلسطينية "سوا" الموصوفة بـ"المستقلة". وأفاد الصحافي يوسف أنه في تلك الحرب، دأب المراسلون الأجانب على إعداد تقاريرهم بناء على أخبار ومعلومات من مصادر فلسطينية كانت "سوا" توفرها لهم. وتابع يوسف: "في تلك الحرب، نقل الصحافيون الأجانب الصورة من غزة بشكل أكثر موضوعية".

أما في هذه الحرب، فقد قررت إسرائيل منذ اللحظة الأولى لعدوانها، عزل القطاع إعلامياً، إذ منعت دخول أي مراسل أجنبي إلى غزة، ورغم تواصل بعض الصحافيين الغربيين مع مصادر صحافية فلسطينية، إلا أن عدم وجود مراسلين أجانب في ميدان غزة حال دون وصولهم إلى مزيد من الحقائق الموثقة، لنقلها إلى العالم.

وتبرز إشكالية أخرى في وصول المعلومة من غزة إلى وسائل الإعلام الأجنبية، وفق إفادات صحافية من القطاع لـ"المدن"، ألا وهي أن كثيراً من الصحافيين الغزّيين لا يُجيدون اللغة الإنكليزية، ولا يكتبون في صحف ومدونات أجنبية، وهذا شكل تحدياً أمام تعزيز تأثير الرواية الفلسطينية في الرأي العام الغربي، لمواجهة بعض التضليل الغربي، والإسرائيلي، بشأن وقائع الحرب الجارية.

نزوح وتهديد.. وقتل
وأكدت مصادر صحافية في غزة لـ"المدن" أنه في الحروب السابقة عندما كانوا في مراكزهم ومكاتبهم، واظبوا على تفريغ بعض الزملاء لإنتاج قصص إنسانية في وقت الحرب؛ لتشكل ضغطاً على المجتمع الدولي لإنهاء الحرب. بيد أن النزوح المستمر للصحافيين بفعل الحرب المستعرة، أسوة بكافة مواطنين القطاع، قلل إنتاج القصص الإنسانية، وأثّر كثيراً في نقل كامل الصورة، فهناك آلاف بل ملايين القصص الإنسانية في غزة بحاجة إلى تسليط الضوء عليها، لكنها غابت أمام زخم النّقل الحدثي الذي فرضته قسوة الحرب، وتفاصيلها الكثيرة.

وبدت إسرائيل وكأنها "تعلمت من دروس الحروب السابقة"، حينما كانت الصحافة الفلسطينية تشكل ضغطاً لإنهاء الحرب، عبر كشفها تفاصيل العدوان الإسرائيلي، فقررت أن تضع الصحافيين في أجندة الاستهدافات لمحاولة إخفاء عدد كبير من المجازر المُرتكبة، وبدأت حربها بتهديد الصحافيين هاتفياً لثنيهم عن العمل، ووقف نشر الأخبار والقصص عن المجازر بحق الأطفال ومجمل المدنيين، ما يؤشر إلى أن قتل الصحافيين عمل ممنهج؛ لسببين: عزل غزة عن العالم، وكتم الرواية الفلسطينية بشأن الإبادة.

يُضاف إلى ذلك كله، تحدٍ آخر يكمن في قطع الاحتلال للاتصالات والانترنت، الأمر الذي صعّب وصول الصحافيين إلى شهود العيان، ومصادر المعلومات، وتعطل الكثير من العمل الصحافي نتيجة الانقطاعات المستمرة. لكنّ الصحافيين الغزيين بحثوا باستمرار عن بدائل لنقل الصورة، ولم تستطع إسرائيل قطع الاتصالات بشكل نهائي؛ لأسباب ظرفية متعددة.

الصحافي.. "مقاتل مُستهدَف"
وقال الإعلامي من داخل الخط الأخضر، أحمد سلامة، لـ"المدن" إنّ الإعلام العبري تجنّد إلى جانب الرواية العسكرية الإسرائيلية، حتى في تبرير قتل الصحافيين الفلسطينيين، تارة عبر الزعم بانتمائهم إلى فصائل فلسطينية، وتارة أخرى باتهامهم بـ"التحريض".

وعكس الإعلام العبري حالة إجماع إسرائيلية في عدم الاكتراث بأي صورة تخرج من غزة بشأن الإبادة، تحت عنوان "فليُحرق الفلسطينيون جميعاً".

بدوره، فسّر المتخصص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، العقلية المحرّكة لعدوان إسرائيل على الصحافيين الفلسطينيين، وأوضح لـ"المدن" أنّها تتعامل وفق قاعدة أن الصحافة الفلسطينية تصوغ "رواية عدوّة"، وترى أن الصحافي الفلسطيني مقاتل عدوّ، وتتعامل مع الكاميرا والميكروفون والمعلومة كـ"سلاح خطير".

ولأنّ المعركة الميدانية ترافقها حرب إعلامية ونفسية، يرى شديد أن الاحتلال يحاول السيطرة على مصادر المعلومات لصناعة الرأي العام، ليس فقط داخل المجتمع الإسرائيلي، وإنما أيضاً لدى "بيئة أعداء إسرائيل". وأراد الاحتلال، أيضاً، خلق صورة لترهيب وإخافة العرب والفلسطينيين، بقوله إنه يستهدف الكل وبلا محددات، علّه يحقق "ردعاً نفسياً"!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها