الأحد 2023/09/03

آخر تحديث: 19:21 (بيروت)

عنصرية إسرائيل تستدعي نقاشاً دُرزياً.. عن الهوية والولاء!

الأحد 2023/09/03
عنصرية إسرائيل تستدعي نقاشاً دُرزياً.. عن الهوية والولاء!
قانون "كامينتس" العنصري خلق أزمة سكن (نيويورك تايمز)
increase حجم الخط decrease
 
 
يبدو أن التحولات المتسارعة التي تشهدها إسرائيل أخيراً قد شكلت دافعاً لتلفزيون "مكان" العبري؛ كي يبث تقارير مُطوّلة عن الطائفة الدرزية داخل الخط الأخضر، إيذاناً بتضرر ما أسماه "ولاء أبناء الطائفة" للدولة العبرية.

تغيّر "الانتماء"
"تحولات في الانتماءات".. عنوان غير مألوف عن دروز فلسطين في الإعلام العبري منذ نشوء دولة الاحتلال عام 1948، فطالما ادعى الاحتلال حسم مسألة انتزاعه للطائفة عن سياقها الفلسطيني والعربي، عبر إقامة ما يشبه "عقداً طويلاً"، أنتج ولاء مشايخ بارزين في الطائفة، مما عزز انخراط الدروز في التجنيد في جيش الاحتلال وشرطته، مقارنة بغيرهم من الفلسطينيين، بالرغم من مناهضة دروز آخرين لفكرة التجنيد أصلاً.

وأضاء تقرير "مكان" العبري على تغيرات في "الانتماء"؛ بفعل أزمات متعددة يواجهها أبناء الطائفة الدرزية مع إسرائيل، وعلى رأسها قضية السكن، حيث يعانون أسوة بالفلسطينيين، من هدم لمنازلهم وإجبارهم على دفع غرامات مالية باهظة؛ بسبب قانون "كامينتس" العنصري ضد البناء الفلسطيني بأراضي 48.

"إسرائيل خانت الدروز"

وأجرى التقرير لقاءات مع دروز بأعمار وفئات متعددة، فقال الناشط الدرزي صالح أبو ركن إنه أقام خيمة احتجاج في بلدة دالية الكرمل منذ أشهر ليس تعبيرا عن مظلومية الدروز، بل غضبا من"خيانة إسرائيل للدروز وإنكارها المعروف"، رغم وقوفهم معها لسنوات مضت، وقتالهم معها في مختلف تشكيلاتها العسكرية. وهنا، تحدث شاب درزي عن تلقيه قراراً إسرائيلياً بهدم منزله قبل نحو سنة إلى جانب تغريمه مبلغاً قدره 100 ألف دولار. 

ورصد التقرير الإسرائيلي تداعيات عملية ملاحقة البناء الدرزي بفعل قانون إسرائيلي حوّل جميع الفلسطينيين، بمن فيهم الدروز، إلى "مخالفين"،  ما أضر اجتماعياً واقتصادياً بهم.
تعمّدَ التقرير الإسرائيلي أن يعقد مقارنة بين الأمس واليوم، بالنسبة للدروز، وبين جيل الآباء وجيل الأبناء، عبر استجلاء مواقفهم بشأن قضايا متعددة، أبرزها "هويتهم إسرائيلية.. أم عربية؟"، ومرورا بتغير نظرتهم إلى التجنيد في جيش الاحتلال.. إذ يقول شاب درزي إنه بعد إنتهاء خدمته بالجيش، تجند في الشرطة الإسرائيلية، لكنّه استقال من منصبه بعد مرور سنة على أحداث حي "الشيخ جراح" المقدسي، وحينها أدرك بأن الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي كان يقف بقربه في خضم تلك الأحداث سيفعل الشيء نفسه ضد الدروز. وعبّر هذا الشاب عن أسفه على كل لحظة تواجد فيها كشرطي في الشيخ جراح.

صراع "هوية"
ويواصل التقرير العبري استطلاع حجم التغيرات الحاصلة في تفكير الجيل الدرزي الجديد من مسألة التجنيد في جيش الاحتلال بفعل القوانين والإجراءات الإسرائيلية، حيث ذكرت الشابة الدرزية رزان أبو شاهين، بعدما صدر قرار إسرائيلي بهدم منزلها، بأنّ ما تفكر به عند الإنجاب هو: "هل سيخدم مولودها في الجيش الإسرائيلي أم لا؟".. أنا لست واثقة من ذلك". 

ولعلّ ما قالته روان يعكس مزاجاً عاماً للمجتمع الدرزي، فعشرات النساء توجهن بتحذير إلى القيادة الدرزية، ومفاده أنه في حال عدم حل مشكلة البناء، فإنهن سيمنعن الرجال الدروز من الخدمة بالجيش، وهو تغير لافت، بمنظور تقرير "مكان" العبري. في حين حاولت ناشطة درزية أخرى أن تُذكّر الإسرائيليين بأن "الدروز وقفوا إلى جانب اليهود قبل نشوء إسرائيل وبعده، ومطلوب منها أن تقف مع مطالبهم". 

السؤال الأبرز الذي يراود فئات درزية متعددة الآن هو ما عبرت عنه أصوات شبابية، ومفاده: "لماذا أخدم في الجيش وعندما أخرج منه أصبح عربياً قذراً بمنظورهم؟!".

جدال درزي.. بين جيلين!

وتوقف التلفزيون الإسرائيلي عند نقاش بين جيلي الأبناء والآباء في مؤسسة "التحضير العسكري"، وهو نقاش عدَّه التقرير فرصة "لفحص ما يشعر به الشبان الدروز حيال هويتهم". وهنا، يبرز تباين داخل الجيل الدرزي الجديد بشأن الهوية، فمنهم من واصل اعتبار نفسه "إسرائيليا" حتى لو أغضبته إسرائيل، وآخر وصف نفسه "عربياً إسرائيلياً"، وثالثاً أبدى رغبته بالهجرة بعيداً من الشرق الأوسط.

ورصد التقرير حديثاً درزياً مشحوناً بين جيل اليوم وجيل الأمس، بشأن أسئلة ملحة حيال الهوية والنظرة إلى إسرائيل، لكن مقدم التقرير خلص إلى إدراج ما يجري في سياق جدال درزي يدور حول هوية إسرائيلية تزعزعت وبين هوية درزية عربية تعززت جرّاء وقائع وأحداث مر بها المجتمع الدرزي بالسنوات الأخيرة.

واستذكر تقرير "مكان" فترة سبعينيات القرن الماضي حينما التقى مشايخ دروز برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، وكأنها محاولة من التقرير لعقد مفارقة بين جيل سياسي إسرائيلي انتهج "مصالحة مع الدروز لاستمالة ولائهم" وبين جيل سياسي إسرائيلي جديد يمثله اليمين المتطرف يتسبب ب"فوضى الولاءات"، ويعزل إسرائيل أكثر، ويضر بقضية التجنيد و"كفاءة" جيشها.

العنصرية.. منهجية إسرائيلية

والحال أن إسرائيل لم تتغير، بل تجلّى وجهها الاستعماري أكثر أمام من ظن للحظة أنه ربح ثمن الولاء لها، فبالنهاية هي مشروع استعماري قائم على العنصرية، مبني على ضمان تفوق اليهودي الغربي، في مقابل نظرة دونية تجاه الآخرين. 

هي أشبه بحالة إدراك متأخرة توصل إليها أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، وقد دلّ عليها التقرير باستعراض تحذيرات درزية من الذهاب إلى "الهاوية" في حال عدم الاستجابة لمطالبهم. ويقول أحدهم: "مكانة الدروز بإسرائيل تتآكل، ونحن بركان يثور.. وتفجره مسألة وقت". وحذرت امرأة درزية من أن "الدرزي يقاتل بأسنانه حينما تُمس حقوقه".  

كما أشار تقرير "مكان" إلى مفارقة بين قرية ساجور الدرزية في الجليل ومستوطنة إسرائيلية تقع بالقرب منها، فالأخيرة تتمتع بالخدمات وحرية البناء، خلافا للبلدة الدرزية، وهي مفارقة تصعّد غضب الدروز.

الدروز و"عقبة الاندماج"
في الجزء الثاني، خاض تقرير "مكان" في الواقع الاجتماعي والديني للطائفة الدرزية، فكان عنوانه "بين الحداثة والتقليد، ما هي التغيرات التي تشهدها الطائفة الدرزية؟".. وبدا سؤالاً إسرائيلياً انتهازياً هدفه اتهام الدروز أنفسهم بالمسؤولية عن عنصرية الاحتلال ضدهم، ملمحاً إلى أنهم "لم يندمجوا في إسرائيل كما يجب".

وبالغ التقرير في تضخيم الفجوة داخل المجتمع الدرزي، باستعراض النظرة تجاه دور المرأة في المجال العام، ومدى الانفتاح على الآخرين، في حين تبرز فتيات درزيات في السوشال ميديا للتعريف بالطائفة الدرزية عبر مقاطع فيديو قصيرة، وهو ما أغضب رجال دين دروز، وسط "قلقهم من التطور والاندماج"، بنفس درجة قلقهم من قضية البناء والسكن، بحسب التقرير الإسرائيلي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها