الأحد 2023/09/17

آخر تحديث: 19:23 (بيروت)

وثائق أكتوبر الإسرائيلية: حرب 1973 "أبيض وأسود".. وفرصة أميركية!

الأحد 2023/09/17
وثائق أكتوبر الإسرائيلية: حرب 1973 "أبيض وأسود".. وفرصة أميركية!
increase حجم الخط decrease
  
روجت إسرائيل إعلامياً لكشفها أخيراً عن أرشيف حرب أكتوبر عام 1973، لمجرد إفراجها عن آلاف الوثائق والتسجيلات الصوتية والفيديوهات والمراسلات، باعتبار أنها تروي أسرار الحرب بمناسبة اقتراب ذكراها الخمسين.

لكن الحقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكشف كل شيء، وهو ما ظهر في استخدام بعض الصحف العبرية لمصطلح "الإفراج عن أرشيف ضخم" وليس "كل الأرشيف"؛ لأنّ تل أبيب لا تكشف وثائق تشكل ضرراً تكتيكياً واستراتيجياً لها، فهي أرادت في المحصلة أن تطوي صفحة أرشيف تلك الموقعة كي تُسكت أصواتاً طالما ألحت على كشفها، لا أكثر، مع توظيف بعضها في سبيل دعاية سياسية وأمنية تخدمها.

خلاف أميركي- إسرائيلي 
مع ذلك، يبدو أنّ ما بقي في أدراج الأرشيف هو ما يكمل الرواية، وتحديداً ما تعلق بخلافات أميركية إسرائيلية فجرتها حرب أكتوبر، نتيجة تباين مقاربة الطرفين في كيفية استغلال الحدث، فإسرائيل أرادت أن تحسم المعركة بفرض تفوقها العسكري في المنطقة بناء على الدعم العسكري الأميركي، في حين أصرت الولايات المتحدة على استثمار الحرب كفرصة سياسية واستراتيجية لصياغة مرحلة جديدة في الشرق الأوسط والعالم، على صعيد توازنات القوى والأحلاف..فكانت "أسابيع مؤلمة لتل أبيب"، وفق تعبير ساسة ومؤرخين إسرائيليين.

وقد كشفت مراجعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خلال أسابيع حرب أكتوبر وما بعدها، مستوى الضغوط الأميركية على الدولة العبرية، لدرجة التهديد بفك الإرتباط عنها، وهو ما عدّه الخبير الإسرائيلي في شؤون العلاقة الأميركية- الإسرائيلية، البروفيسور أبراهام بن تسيفي، تهديداً تكتيكياً لأميركا لفرض "إخراج لحرب أكتوبر وفق هندستها".

لا هزيمة ولا نصر!
وبحسب ما ورد في كتاب بن تسيفي، سيُنشر لاحقاً، وأوردت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية حقبة أكتوبر فيه، فإن "التحدي الوجودي" الذي واجهته حكومة غولدا مائير فجأة، كانت إدارة نيكسون الأميركية، رغم أنّ الأخيرة زودت إسرائيل دعماً عسكرياً كبيراً في سياق عملية الجسر الجوي "نيكل غراس"، بموازاة شبكة أمنية دبلوماسية في مواجهة الهجوم المصري والسوري، بالترافق مع تهديدات الكرملين المتصاعدة حينها.. فواشنطن أمدت إسرائيل بعتاد يحميها من الهزيمة، لكن لا يمكنها من نصر يتسبب بتضييع الفرصة الأميركية "الثمينة".

اللافت أن واشنطن حرصت على  تزويد إسرائيل باستبدال كامل لأنظمة الأسلحة التي تضررت بالمعركة، ولكن من دون تغيير ميزان القوى العام على الجبهة المصرية.

والحال أنّ الوثائق كشفت بعد خمسة عقود نظرة أعمق بشأن علاقات الطرفين بعد حرب أكتوبر، إذ عكست "صورة أكثر تعقيداً وعدائية بكثير"، وفق توصيف "إسرائيل اليوم" اليمينية المقربة من رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو. وبناء على الأرشيف، فإن مفتاح فهم الصورة، بمنظور إسرائيل، يتجلى في تعيين هنري كيسنجر وزيراً لخارجية الولايات المتحدة قبل أسابيع من اندلاع الحرب، إلى جانب دوره كمستشار للأمن القومي، ما مكنه من قيادة الجهود الدبلوماسية خلال الحرب وبعدها، بهدف استبعاد الاتحاد السوفياتي من الانخراط في منطقة الشرق الأوسط.

"نهاية متوازنة" للحرب
ووفق الوثائق، فإن غرق الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بفضيحة "ووتر غيت" قد سمح لكيسنجر بهوامش واسعة من المناورة وحرية العمل، بلا قيود رئاسية أو الكونغرس تقريباً. وبضربة واحدة، أصبح الوزير الجديد المهندس الحصري للاستراتيجية الأميركية، في حين كانت أحداث حرب أكتوبر الدرامية بالنسبة له حافزًا للتنفيذ العملي لوجهات نظره السياسية عالمياً وإقليمياً، إذ أن كسينجر رأى أن وضعاً جديداً قد نشأ في أعقاب انفجار السادس من أكتوبر الكبير؛ لكونه اعتقد أن نافذة فرصة جديدة قد فتحت لخلق توازن قوى إقليمي وعالمي مختلف تماماً، عبر جر مصر لمرحلة تصالحية مع واشنطن وإبعادها عن معسكر الاتحاد السوفياتي، انطلاقا من "نهاية متوازنة" لحرب أكتوبر.

في النتيجة، نجح كيسنجر، عبر ضغوطه "الهائلة" على حكومة مائير، في إنهاء تطويق القوات الإسرائيلية للجيش المصري الثالث المحاصر على الضفة الشرقية لقناة السويس، فواشنطن لم ترغب بسيناريو "استسلام القوات المصرية"؛ لأنه يعني هزيمتها، ما يعيق الجهود الرامية إلى تحويل الحرب إلى رافعة للمفاوضات الإسرائيلية المصرية بوساطة وتوجيهات الراعي الأميركي.. ما يعني أنه أراد نهاية تمهد لاتفاق سلام بين القاهرة وتل أبيب، وهو ما حدث فعلاً في كامب ديفيد عام 1979.

صورة كيسنجر.. ذروة الأزمة
لم تنتهِ أزمة العلاقة الأميركية- الإسرائيلية بتوقف الحرب، بل بلغت ذروتها في ربيع عام 1975 عندما هددت واشنطن بإنهاء التحالف مع إسرائيل وإعادة تقييمه، مجبرة إياها على تقديم "تنازلات"، ويقول الكاتب الإسرائيلي بن تسيفي إن الولايات المتحدة حاولت أن تظهر للرئيس المصري الأسبق أنور السادات أنها قادرة على فرض إرادتها على إسرائيل. وفعلياً، برز كيسنجر كشخصية أميركية أجبر تل أبيب على "الاستسلام" أمام الإرادة الأميركية، وهي الخلاصة الأوضح في ما جاء في السردية الإسرائيلية لحقبة أكتوبر وما تلاها.

وخلص كتاب بن تسيفي إلى وصف العلاقة الأميركية- الإسرائيلية بالمعقدة، إذ أرادت واشنطن التقارب من مصر من دون المساس بالمبادئ الأساسية للتحالف مع إسرائيل. وهنا، نشأت صورة كيسنجر من استراتيجيته أثناء الحرب، كدبلوماسي "ماهر ومتطور نجح في تحديد الفرص بسرعة، وسط ساحة معقدة وفوضوية".

أكتوبر.. بعيون صحافي إسرائيلي
أظهرت صور وثقها الصحافي الإسرائيلي شبتاي تال في جبهة القتال مع مصر، عمره حينها 35 عاماً، ما وصفها بـ"كآبة" خيمت على الجنود والضباط الإسرائيليين في الحرب، وخاصة بأيامها الأولى، فكان اللونان الطاغيان في الجبهة "أبيض وأسود"، والجنود الإسرائيليون يُقتلون. ووصف تال الذي بات عمره اليوم 85 عاماً، حجم الفوضى في الجيش بالأيام الأولى للحرب، بفعل عدم استيعابهم لما يحدث.  وقال تال إنه سمع صرخات جندي إسرائيلي في جبهة القتال ضد مصر، وهو يستغيث عبر جهاز اللاسلكي، مطالباً أرييل شارون قائد مجموعة ألوية رقم 143 في سيناء، بـ"إخراجهم فوراً".

كما روى تال مشاهد لتنكيل القوات الإسرائيلية بالجنود المصريين الأسرى لـ"إذلالهم"، مضيفاً أن المشهد "أوجع قلبه"، وتابع: "متأكد من أن جنودنا الأسرى لم يبدوا مضطهدين مثلهم".

ووثقت صورة مجموعة من الجنود الإسرائيليين في الجبهة المصرية وهم يلتفون حول الصحافي شبتاي لالتقاط صورة لهم، علّها تُنشر في الصحافة العبرية، للتأكيد لعائلاتهم أنهم "على قيد الحياة"؛ نظراً لاستحالة الاتصال بعائلاتهم أو البعث برسائل لها  خلال أيام الحرب، بحسب شبتاي تال.
شارون
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها