الثلاثاء 2023/08/29

آخر تحديث: 19:45 (بيروت)

حين يهدد نور حجار السِّلم الأهلي

الثلاثاء 2023/08/29
حين يهدد نور حجار السِّلم الأهلي
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي عطلت دعوى قضائية بمخاصمة الدولة، إجراءات محاكمة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، صدر أمر قضائي بتوقيف الممثل الكوميدي نور حجار الذي خضع للتحقيق ثلاث مرات خلال أربعة ايام، بسبب نكات يطلقها في مسرح.


ليس التزامن سوريالياً، بقدر ما يشير الى هشاشة السلطات اللبنانية، والعراقيل التي تفرضها الاعتبارات السياسية، والمواد القانونية التي تتيح تعطيل محاكمة، فيما تضع ممثلين كوميديين خلف القضبان، بمعزل عن كل الذرائع التي لا يمكن أن تبرر حبس فنان أطلق نكتة قبل خمس سنوات، وتجري محاكمته على اساسها بمواد متصلة بتهديد السلم الأهلي.


والهشاشة تلك ليست جديدة. هي صورة واقعية عن لبنان "الهشّ" الذي تعايش مع الفساد والافلات من العقاب في الجرائم الكبرى، ويرتعب من نكتة، أو تغريدة، صوناً لـ"السِّلم الأهلي". يتوسع مفهوم "الهشاشة" الى القلق. يختلق سياسيوه معركة وهمية، ويعطونها انطباع الخروج عن السيطرة، فيما تتحرك المؤسسات لاحتواء الموقف، وتسجيل الانجازات. 

قد يرى كثيرون أن توقيف نور الحجار إنجاز يُحسب للمؤسسة القضائية، كونها هدأت من روع مجموعات تزعزع إيمانها إثر نكتة مجتزأة، تبين في ما بعد أنها تنقل واقعاً شعبياً. لا تهم مدلولاتها، ولا سياقها، بقدر ما تهتم الجموع لمحاسبة الجاني. كيف؟ بإخضاع نور لثلاث تحقيقات. كان أولها لدى الشرطة العسكرية للوقوف عند نكتة متصلة بالجيش، أما ثالثها فأُنجِز في المباحث الجنائية. 


ماذا سيقول نور في التحقيق؟ هل سيعترف بالاستحواذ على أموال المودعين اللبنانيين أو صرفها لتمويل الدولة وتغطية عجزها؟ هل سيعترف بهدر 19 مليار دولار، خلال ثلاث سنوات، على قطاع الكهرباء؟ هل سيقرّ بمسؤوليته عن التراخي مع هادري المال العام؟ هل سيقول إنه مذنب، لأنه تسبب في مقتل أبرياء جراء اطلاق الرصاص الطائش؟

ليس بين تلك التهم ما يمكن نسبه لحجّار. قال نكتة. استفز جموع المؤمنين الذي طالبوا باستجوابه، وانتهت القضية عند هذا الحدّ. لا دليل على تورطه في ارتكاب جرائم كبيرة. يمكن أن يعتذر، كتسوية، لتهدئة غضب الناس. لكن استجوابه، بالتزامن مع عرقلة محاكمة سلامة، لن يعطي القضاء اللبناني سمعة حسنة. 

نور حجار، واحد من كثيرين تم استجوابهم في سنوات سابقة بسبب تغريدة، أو مقال رأي، أو مدونة في مواقع التواصل. لا يستأهل هذا الجزع، ولا القلق على السلم الأهلي. إذا كان اساء فعلاً، في عالمه المسرحي، فإنه تعرض لإساءات مقابلة في مواقع التواصل. يندرج القولان في إطار حرية الرأي والتعبير. 


ثلاث تحقيقات.. وغضب
بدأ انتقاد نور حجار، الأسبوع الماضي، بعدما انتشر في "إكس" ("تويتر" سابقاً) مقطع فيديو من أحد عروضه يسخر فيه من الأوضاع الاقتصادية لجنود الجيش اللبناني التي دفعت الكثيرين منهم للعمل سائقين في خدمات توصيل الطلبات.

أدّى ذلك إلى استدعاء الشرطة العسكرية لحجار، الجمعة الماضي، وإخضاعه لتحقيق استمرّ إحدى عشرة ساعة، قبل أن يطلق سراحه، من دون إغلاق الملف.

كذلك، استدعي المسؤولون عن مسرح أوكوورد، الذي استضاف عرض حجار، ومثلوا بدورهم، أمس الاثنين، أمام الشرطة العسكرية.

وزادت الأمور سوءاً بالنسبة للكوميدي، الأحد الماضي، بعد انتشار مقطعٍ من عرضٍ آخر له يتطرق فيه إلى سورٍ من القرآن الكريم.

وأثارت المقاطع غضب عددٍ من الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن كلام حجار "يمسّ بمقدسات المسلمين" و"يستهزئ بآيات القرآن الكريم". وتقدم القاضي الشرعي الشيخ وائل شبارو، أمس الاثنين، بإخبار ضد حجار أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بتهمة "استهزائه بآيات من القرآن الكريم"، وكذلك ضدّ منصة "سينيموز" التي تعرض الحلقة، وتمّ تحويله بلاغه إلى مكتب الجرائم المعلوماتية للتحقيق.

وتواصلت البلاغات بحقّ حجار، اليوم الثلاثاء، بعدما تقدمت دار الفتوى، ممثلة بالشيخ أمين الكردي، بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضدّ الكوميدي، يتهمه فيه بارتكاب "جرائم تمسّ الدين الإسلامي" و"بإثارة النعرات الدينية والطائفية" و"الاستهزاء بالقرآن الكريم والنيل من الوحدة الوطنية".

ودعا الكردي في بيانٍ رسمي إلى "إجراء المقتضى القانوني اللازم بحقّ نور حجار"، الذي "يتناول القرآن الكريم بطريقة ساخرة ومشينة في مقاطعه المسرحية... ويعرّض السلم الأهلي للمخاطر".

وفي وقتٍ لاحق من اليوم الثلاثاء، أوقف حجار بقرار من النائب العام التمييزي غسّان عويدات، ونقل إلى قسم المباحث الجنائية في وزارة العدل للتحقيق.

وإثر انتشار الخبر، تداعى ناشطون للاعتصام أمام قصر العدل للمطالبة بالإفراج عن حجار، وعبّر الكثيرون عن غضبهم من قرار توقيفه، معتبرين أنّ ما يجري محاولة للقمع والحدّ من حرية التعبير. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها