الخميس 2023/08/24

آخر تحديث: 19:21 (بيروت)

لبنان تغيّر: قمع المثليين تحت سقف الدولة

الخميس 2023/08/24
لبنان تغيّر: قمع المثليين تحت سقف الدولة
من اعتصام لمثليي الجنس في بيروت في العام 2017 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
حتى العام الماضي، كان الناشطون الحقوقيون الدوليون يتحدثون عن أن لبنان، بلد آمن، الى حدّ ما، لمثليي الجنس، ويتخطى بلدان الشرق الاوسط بهذه الميزة. لطالما تجنبت السلطات المساس بأماكنهم، أو تقييد حركتهم، وكانت تتعاطى مع أي تعدّ عليهم على أنه تعدٍّ فردي يعاقب عليه القانون. 
ولبنان، البلد المتنوع، تتضارب فيه القوانين غير المعدلة مع الممارسة الحقيقية المنبثقة من منظومة اجتماعية وثقافية يفترض أنها حامية لحقوق الافراد. كانت حركة المثليين غير معقدة، كذلك اجتماع المثليين في أماكن سهر خاصة، منذ ملهى الـ"أسيد" الذي كان اشتهر في مطلع العقد الماضي، الى مواقع سهر أخرى...
 

لكن هذا الواقع، تغير بدءاً من العام الماضي. أُخرجت النصوص القانونية المقيدة لحركة المثليين، وتبدل مزاج الناس الذي ترافق مع تحريض سياسي وديني، فلم يعد الاعتقاد بـ"الحقوق الفردية" و"حرية حركة الأفراد" و"احترام الخصوصية" و"احترام الخيارات الشخصية"، قائماً. بات العنف سبيلاً للقمع، وهو ما حصل في مار مخايل ليل الأربعاء – الخميس. 

ليل الأربعاء، هاجمت مجموعة "جنود الرب" مقهى صغيراً يجتمع فيه المثليون في منطقة مار مخايل في الأشرفية. كان المقهى ينظم "Drag show". اقتحمت مجموعة "جنود الرب" المقهى وأوسعت الحاضرين ضرباً، قبل أن تصل دورية لقوى الامن الداخلي أخرجت أفراد المجموعة من المقهى، وأخرجت بعض الحاضرين وضربت طوقاً أمنياً لحماية الساهرين.
 

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات من المنطقة، وكانت بمثابة ضخ خبري لتأمين حماية للأفراد الساهرين. نجحت الى حد بعيد في تفتح نقاش جديد حول "قمع الأفراد"، و"قمع الفئات المهمشة"، و"عصابة جنود الرب"، وتأييد مقابل لفعل الاعتداء على هؤلاء، حسبما ورد في بعض التغريدات، وصولاً إلى توجيه التحيات لهم.
 

والحال إن النقاش المنقسم بين مؤيد ومعارض، ينتقص الى أمر واقع في لبنان، قائم على الشيء ونقيضه، حيث تغض الدولة النظر، وفي الوقت نفسه تبيح المحظور وتتدخل عند الحاجة. وكما فعلت في وقت سابق، حين أتاحت حرية الأفراد المثليين بالتجمع غير العلني، رغم مواد قانونية تجرّم المثلية الجنسية، لم تتدخل لتجريم "جنود الربط، حتى الآن، ولم يصدر موقف حازم مما جرى، وذلك منعاً لتسجيل موقف يغذي الانقسام اللبناني حول الملف. 


والدولة المؤيدة بأكثرية برلمانها لتشريع يجرم المثلية، تهاب الضغوط الدولية، وتتجنب الاحراج مع مراجعيها من الدول الداعمة للحقوق الفردية. وفي الوقت نفسه، هي عاجزة عن مواجهة غالبية الأحزاب والقوى النافذة التي تدعم الهجوم على المثليين. لذلك، بدا ظهور المليشيات والعصابات، مثل "جنود الرب"، ضمن السياق "الطبيعي" لهذا الانفصام في الدولة، طالما أن جنود الرب متسلحون بمواقف القوى النافذة، مما حولها الى مجموعات عنفية تتحرك بغطاء غير معلن، يجري انتقاده على القطعة، بما يحفظ ماء وجه السياسيين، ولا يمنع "جنود الرب" أو أي مجموعة أخرى عن إعادة الجولة العنفية في مكان آخر وموقع آخر وزمان مختلف.

علماً أن السياسيين، حتى لو كانوا معارضين لهجوم مشابه، لا يعلنون مواقفهم منعاً لاستغلال أي موقف من قبل الغالبية المتدينة والمتمسكة بالتقاليد، لمحاسبتهم في الانتخابات المقبلة.
 

وفق القانون، يجب أن تُحاكم مجموعة "جنود الرب" بتهمة تشكيل عصابة تقوم تحت ستار "حماية المجتمع" بأعمال ينتج عنها الحض على النزاع بين مختلف عناصر الأمة وهو أمر يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وهي جرائم منصوص عليها في المواد ٣٢٧ و٣١٨ و٣٢٩ و٣٣٥ و٣٣٦ من قانون العقوبات، وهو ما لم يحصل حتى الآن. 


ووفق التعاليم الدينية، يجب أن يتوقف التحريض على الكراهية والعنف، وهي دعوة البابا فرنسيس قبل يومين، حينما جدد النداء "للتوقف عن استغلال الأديان للتحريض على الكراهية والعنف والتطرف والتعصب، والتوقف عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والنفي والإرهاب والقمع". 

وسط ذلك كله، لا يبدو التوقف عن التحريض على المثليين ممكناً. دخل لبنان دوامة المزايدة في فترة الفراغ وتحلل الدولة وتشظيها طائفياً ومناطقياً وسياسياً، وهو ما يجعل لبنان مكاناً غير آمن للمثليين على الإطلاق. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها