الخميس 2023/08/17

آخر تحديث: 16:13 (بيروت)

صاحب المولّد يتحكم بساعتي البيولوجية أيضاً

الخميس 2023/08/17
صاحب المولّد يتحكم بساعتي البيولوجية أيضاً
اللوحة للفنان البلجيكي ليون سبيليآرت
increase حجم الخط decrease
صوت أذان الفجر، أصوات أفكاري، أم صمت المكيف الهوائي؟
تفاؤلي، تشاؤمي، أو ما بينهما؟
انعدام الأمان، الفرص الضائعة، أم الإحساس بالغضب؟
الوجع المتسلل الى أطرافي، شعري الطويل الذي يزيد من ثقل رأسي، أو اللامبالاة المستجدة في نفسي؟

أحاول منذ مدّة تحديد السبب الرئيسي الذي يوقظني من نومي. أصحو رغم نعاسي. تتسلل يدي إلى هاتفي، أحاول مراراً أن أكتفي بالنظر الى الساعة، حتماً هي الرابعة فجراً أو بعدها بقليل، فهذا موعد استراحة مولد الكهرباء. عليّ أن أنتظر حتى الساعة السادسة قبل أن يعود التيار لساعة. سأدخل في سباق مع النوم. فإما أن أعود إلى أحضانه قبل انقطاع الكهرباء مجدداً، أو أني سأخسر الفرصة، وسأبدأ نهاري مرهقة من قلّة النوم، وسيمضي اليوم ويتراكم التعب بسبب تكرار المشهد يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد آخر.

ساعتي البيولوجية باتت مرتبطة بنمط الحياة الذي يسمح به صاحب المولد الكهربائي. أذكر العام الماضي والذي سبقه، أن التقنين كان أكثر حدة، فكان موعد نومي أيضاً مرتبطاً بموعد التقنين. لا يقتصر الأمر على حرارة الطقس وضرورة الاستفادة من نعمة مكيّف الهواء، فالتقنين شتاءً لا يقل مرارة في ليالي الشتاء الطويلة والمضجرة، فضلًا عن أن هدير الرعد يزرع في نفسي خوفاً لا يمكنني التغلب عليه.

هل هو، إذاً، التيار الكهربائي الذي يتلاعب بساعات نومي؟ يبدو الأمر أعمق من ذلك، وإلا لما اجتاحتني كل هذه الأفكار، خصوصاً المتعلقة بالعمر؟ هناك من يربط بين قلّة النوم والتقدّم في السن. لا مهلاً، لست عجوزاً، فأنا لا أزال في الثانية والثلاثين من عمري، أضف إليها بضع سنوات خبرة. قد يكون السبب إذاً سنوات الخبرة هذه. حِمل هذه السنوات ثقيل، ازدادت خلالها المسؤوليات وكبُرت الإحباطات وتوالت خيبات الأمل. أعتقد أن هناك رابطاً أساسياً بين الليل والأفكار غير المشعّة، كي لا نظلمها ونصفها بالداكنة والقاتمة.

الليل رومانسي بالاختيار، لا بأن يفرض نفسه عليك، أن تستيقظ على فكرة جميلة أو من حلم يجابي، يختلف تماماً عن ايقاظك بقوّة حرارة الطقس المتسللة الى الغرفة بعد وقت قليل من توقف المكيّف.

ظلم، فشفقة، فغضب… هذه المشاعر التي تتملكني متى استيقظت، لأواجه الحظ التعس بانعدام الراحة. بالطبع، عليّ أن أشعر بالامتنان لأني اتمتع بساعات تغذية أطول مما يتوافر لآخرين، لكن من حقي ألا أكون ممتنة لما هو أقل ممّا أستحق. وعليه، قررتُ أخيراً ألاّ أهادن أو أقتنع أو أقبل بما هو أقل. لم أعد أريد أن أروِّض غضبي، فالغضب هو سبيلي الوحيد الى تحقيق ما أريد، وكل ما أريده هو ألاّ أشعر بالشفقة على نفسي، فهذا هو الشعور الأسوأ.

لستُ من رومانسيي مشاهدة شروق الشمس، ولا أحب زقزقة العصافير في الصباح الباكر. يبدو لي صوتها أقرب إلى إشكال عصيّ على الحلّ، وكأن كلاً منها يصدح في مسابقة لأجمل تغريدة. لكن، حتى هواة النوع، ليستمتعوا بهذه الصدحات الصباحية، يفترض أولاً أن يكونوا قد ناموا ملء عيونهم، لا أن يمرّروا الساعات بين الرابعة والسادسة فجراً في عراك مع اسئلة وجودية كالتي طرحها إيليا ابو ماضي في قصيدة "لستُ أدري"، ولم يخفف غناؤها بصوت عبد الحليم حافظ من وقعها. 

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لستُ أدري، لو لم أكتب هذه السطور ما الذي كنت سأفعله في وقت الأرق المهدور، عندما تكون نعِساً لدرجة عدم القدرة على ترك الفِراش، وأفكارك يقظة وحاضرة الى درجة استحالة النوم. وما الأرق سوى إثبات بأن النوم يحميني من كمّ كبير من الأصوات المزعجة، أولها... صوت أفكاري! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها