الجمعة 2023/07/21

آخر تحديث: 15:32 (بيروت)

كلب شارد يرأف بالطفولة...دون "البشر"

الجمعة 2023/07/21
كلب شارد يرأف بالطفولة...دون "البشر"
(غيتي)
increase حجم الخط decrease
أغمضتُ عينيّ على خبر اغتصاب ابن السنوات العشر في إحدى قرى عكار، وفتحتهما في الصباح الباكر على خبر العثور على رضيعين، من المرجح أنهما توأم ذكَر وأنثى، في كرتونة تحت جسر نهر ابراهيم. وقبل ساعات معدودة وُجدت رضيعة أخرى في كيس يجره كلب شارد، شاء القدر أن يرأف بها قبل أن تسوّل له غريزته نهشها. أمّا الطفلة لين طالب فلم تنجُ لأن من نهشها محسوب على فئة "البشر".

تربة لين لم تجف بعد من دماء براءتها التي سُفِكَت على يد جدّها، قبل أيام، بجريمة اغتصاب متكرر، مريعة، كانت والدتها فيها شيطان أخرس شاهد على هولها. وردة لروح لين وعينيها البريئتين، على أمل أن يلقى من هتك طفولتها أقصى العذابات وأن يحيا ليختبر الألم الذي زرعه في جسدها.

وما بين الاغتصاب والاغتصاب، انتشر فيديو لصاحبة حضانة تقوم بتعنيف أطفال لم يتعدوا الشهور والسنوات الأولى من حياتهم، عبر ضربهم وإجبارهم على الأكل والتوجه لهم بألفاظ نابية... ومَن يعلم إن كان هناك ما لم تلتقطه الكاميرا، إذ أن الفيديو لم ينتشر الا بعد خلاف بين المعتدية المعنِّفة وعاملة في حضانتها، أما قبل ذلك فكانت تمارس عنفها بحق هؤلاء الأطفال من دون حسيب أو رقيب.

أخبار وأخبار وفيديوهات تنتشر بسرعة البرق مُلاحقة مَن يحاول الهروب من وجعها ورعبها، في كل تطبيقات الهواتف الذكية.

الهرب من هذه الأخبار شبه مستحيل، تجد نفسك في سباق مع الفيديوهات التي في بعض الأحيان لا تطلب الضغط عليها لمشاهدتها وإنما تبث نفسها بنفسها بمجرد المرور عليها. قراءة الخبر أقل وقعاً من مشاهدة الصور والفيديوهات، لمخلوقات بريئة عاجزة أمام هول ما يُرتكب في أجسادها وأرواحها.

أفكار سوداء عن الوتيرة الفعلية التي ترتكب بها هذه الجرائم، وماذا عن تلك التي ترتكب بصمت، في ظلام الانترنت، بعيداً من مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تكتم هنا أو هناك. ما يصل إلينا، حالات صارخة بعنفها يصعب التغاضي عنها، فتنتشر، في حين تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن خمسة أطفال يتم رميهم في الشوارع اللبنانية أسبوعياً، وذلك من دون احتساب أطفال الشوارع والمتسولين الذين تعج بهم الطرق، وقوداً للاتجار بالبشر والأعضاء فضلاً عن العنف والاغتصاب.

محاولة الهروب من تفاصيل هذه الجرائم، تأتي بشكل غرائزي في محاولة لحماية النفس من وقع مثل هذه الأخبار على الدماغ، الذي يأبى إلا أن يعيد على صاحبه هَول ما جمّع من معلومات عن هذه القضايا، مراراً وتكراراً، ويردد ابتهالات وأدعية لتعافي مَن بقي على قيد الحياة من هؤلاء الأطفال من جهة، وألاّ نشهد على حالات أخرى من جهة أخرى. العنف المرتكب في حق هؤلاء الأطفال يدفع بأكثرنا وعياً إلى الوقوع في فخ الدعوة لتطبيق عقوبة الإعدام، ويدفع بنا إلى تمنّي سيناريوهات للمجرمين والمُجرمات لا تقل عنفاً عما جَنوه في حق هؤلاء الأطفال. فهذا العنف تجاه قليلي الحيلة، ينمّي الشعور بالغضب والظلم والرغبة بفي الإقتصاص من المجرمين بطريقة تذيقهم فظاعة ما ارتكبوه، قبل أن نتنبه إلى أن تمنياتنا هذه تسحبنا من نسانيتنا إلى مصاف هؤلاء القَتَلة، لكن كيف لنا أن نعبّر عن سخطنا إذا لم نقرنه بما يستحقه هؤلاء من عقاب.

آراء ونقاشات وفيديوهات تناقش فداحة هذه الأخبار التي تكشف براثن الأزمة الاجتماعية التي نعيشها. التنظير في هذه القضايا يحمل وجوهاً متعددة، وإن كان لا يختلف إثنان على فظاعتها، إلا أن الرأي العام الافتراضي بشكل خاص، خبير عليم بكل شيء، والغالبية الساحقة تضع نفسها في موقع مَن يُنتظَر تعليقه على مثل هذه الأحداث، فتُدلي بدلوها.. كيفما اتفق! وقد ظهر ذلك جليا في قضية التعنيف في الحضانة، عندما طالعتنا ثُلّة من المشاهير تُنظّر على الأم التي تضع طفلها في الحضانة من أجل الحفاظ على هامش من استقلاليتها وعملها، فرُشِقت النساء العاملات وغير العاملات من اللواتي يستعنّ بالحضانات، بوابل من الاتهامات المجحفة، إلى حد ربما يصل بالمتلقي إلى الخلط بين الأم التي وضعت طفلها في الحضانة وتلك التي تستّرت على جريمة اغتصاب طفلتها!

القاعدة تقول بأن يكون الأطفال آمنين أينما حلّوا، في منازلهم وحضاناتهم ومع أهلهم، والاستثناء المُدان بالمطلق هو الجرائم المرتكبة في حقهم، أينما وُجدوا.. فكيف إن حصلت في الدوائر الضيقة التي من المفترض ان تكون ملاذهم الأول والحضن الحامي لهم؟!

أنا التي تكاد لا تفلتر شيئاً ممّا تقوله أمام ابنتها، اذ أني على قناعة بأن ذلك يساهم في إلمامها بطبيعة الحياة، ما يخفّف من صدمتها بها عندما تكبر.. أنا نفسي أتجنب نقاش هذه الجرائم في أحاديثي اليومية، خصوصاً في حضور ابنتي. ولا أششارك صور الأطفال وأخبارهم الموجعة في صفحاتي، خوفاً من أن تراها ابنتي وأضطر إلى تفسير ما حصل.. كيف أشرح لها كل هذا الشر؟ وكيف، إن فعلت، أتفادى زرع الخوف المُزمن والقلق في نفسها؟

أعترف ان الابتعاد عن هذه الأخبار فيه شيء من الأنانية، والكثير من الجُبن. لم أقوَ على مشاهدة فيديوهات مجرمة الحضانة، ولم أستطع تأمل صورة لين طالب لوقت طويل، خشية أن تسكن مخيلتي ملامحُها البريئة. سامحيني يا لين.

طفلا الكرتونة أطلق عليهما الأب مجدي علاوي إسمَي إيلي وإيليان، وبديا آمنَيْن بين يديه، على أمل أن يرأف بهما القدر وتكون هذه الكرتونة أسوأ ما يمكن أن يتعرّضا له في حياتهما. والرضيعة التي أنقذها أحد المارة بالصدفة، من كلب يسحب الكيس الذي غلّف جسدها الطري، فوددتُ لو أني أستطيع حضانتها، فأغدق عليها ما أستطيع من حنان وأمومة حُرِمت منها... على الأقل حتى يشتدّ عودها. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها