السبت 2023/05/20

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

"أرشيف إسرائيل" صندوق أسود.. ماذا يخفي؟!

السبت 2023/05/20
"أرشيف إسرائيل" صندوق أسود.. ماذا يخفي؟!
نكبة 1948 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
عملت إسرائيل طوال تاريخها على حجب ملايين المستندات وإخفائها عن الرأي العام العربي والدولي، وحتى عن الإسرائيليين أنفسهم، لأن تلك المعلومات والوثائق المخفية كفيلة بإعادة كتابة التاريخ الحقيقي والموثق للقضية الفلسطينية، ما يشكل رعباً حقيقياً لدولة الاحتلال لكونه ينسف أساس دعايتها المزعومة طوال 75 عاماً من إقامتها عنوة على أرض فلسطين.

ويشكل موضوع الأرشيف بالنسبة لدولة الاحتلال "صندوقاً أسود"، من شأن الكشف عنه تفجير ملفات أغلقت، وكشف معلومات لا يعلمها الفلسطينيون ولا العرب والرأي العام الدولي، حتى اللحظة، بشأن تفاصيل ما جرى، لأن المعلومات المتوافرة قليلة جداً أو محرفة أو منقوصة في ما يتعلق بهول التخطيط والتنسيق والتنفيذ، مروراً بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، وما سبق ذلك وما تلاه.

نقاش إسرائيلي علني
والحال أن النقاش الإسرائيلي بشأن "الأرشيف" مستمر منذ عقود، غير أن الأصوات تعالت في السنوات الأخيرة للمطالبة بكشفه للرأي العام، وبرز معهد "عكيفوت" لبحث الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حينما أكد قبل أكثر من عام أن الحكومة الإسرائيلية تمنع نشر وثائق حساسة متعلقة بنكبة الفلسطينيين وجرائم الحرب التي اقترفت بحقهم، مثل مجزرة دير ياسين وكفر قاسم وغيرها.


لكن القضية نوقشت على الملأ، للمرة الأولى، ضمن جلسة نظمتها لجنة مختصة في الكنيست مؤخراً، حضرتها مسؤولة "أرشيف الدولة" روتي إبرموفتش، وعدد من الباحثين المعنيين، لإيجاد الحلول، لأن إخفاء الأرشيف من قبل الجيش والمخابرات يُعدّ مخالفاً للقانون الإسرائيلي نفسه الذي يضمن وصول المعلومات إلى الإسرائيليين، خصوصاً أنه لا "مانع أمنياً" لمواصلة جعله "طي الكتمان" بعد مرور سنوات طويلة، ما يؤشر إلى دوافع سياسية ودعائية بحتة تقف خلف السرية.

14 مليون مستند!
وعليه، تقدمت جهات حقوقية وبحثية وأكاديمية إسرائيلية، وفلسطينية أيضاً، بطلب رسمي بضرورة الإفراج الفوري عن ملفات الأرشيف، علماً أن تقديرات وسائل الإعلام العبرية تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات (الموساد والشاباك) استولت على أكثر من 14 مليون مستند في إطار الأرشيف، لكنها حاولت التضليل بنسبة الملفات التي تم فتحها للعامة، وقالت أن نحو 51 ألف ملف سُمح بنشرها، وأن 86% من الأرشيف بقي غير متاح للجمهور والمؤرخين.


وشكك أكاديميون إسرائيليون في نسبة الملفات المكشوفة، وشددوا على أن ما تم الإفراج عنه هو أقل من 0.5 بالمئة! وفي حين ادعى القائمون على الأرشيف أن 86% من ملفاته سرية ويحظر فتحها، قالت مراكز بحثية إسرائيلية إن نسبة الملفات المخفية أعلى من ذلك وتصل إلى 97%.

ذريعة تقنية لمنع كتابة "تاريخ حقيقي"!
اللافت أن المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تحاول التضليل بشأن الأسباب التي تدفعها إلى إخفاء الأرشيف، فتتحدث مرة عن مسوغات أمنية ومرة أخرى عن أسباب تقنية. وزعمت مسؤولة الأرشيف روتي إبرموفتش أن "كثيراً من الملفات الأرشيفية يحتاج إلى فحص يدَوي، ما يعني الحاجة إلى وقت طويل". وقالت أن الملفات لم تُفتح لأنه "لا وجود لقوى عاملة لمراجعتها يدوياً"، مشيرة إلى أن الأمر بحاجة إلى نحو 800 موظف، وهذا لم يتوافر، بحسبها.


لكن باحثين إسرائيليين وفلسطينيين دحضوا المزاعم التقنية، وأكدت المؤرخة الفلسطينية في جامعة هامبورغ في كاليفورنيا، لينا دلاشة، أن عدم فتح الملفات للعامة، يعود إلى قرار سياسي متعمّد لدى إسرائيل، بهدف التغطية على أحداث ومجازر وقعت بحق الفلسطينيين. وأشارت دلاشة في حديث للتلفزيون العبري الرسمي إلى أنه ليس صدفة أن نسبة قليلة جداً من ملفات الأرشيف متاحة. معتبرة أنه من دون الأرشيف من الصعب كتابة "تاريخ حقيقي وموثق".

وفي العام 2017، جعل مسؤولو الأرشيف الإسرائيلي إمكانية الوصول إلى الملفات المفرج عنها عبر الانترنت، بدلاً من الحاجة إلى الحضور الشخصي إلى مركز الأرشيف. والإشكالية هي عدم عثور المؤرخين والباحثين في الشبكة العنكبوتية على ما يجيبهم على تساؤلاتهم، لأن الإشكالية ليس في حاجة الملفات إلى فحص يدوي "أعمق" قبل كشفها ونشرها في الانترنت، وإنما هو ادعاء "أمن إسرائيل وصورتها أمام العالم"، حسبما أفادت مراكز بحثية متخصصة بينها إسرائيلية.

وكان باحثون إسرائيليون توجهوا قبل سنوات بطلب إلى المحكمة "العليا" لتمكينهم من الحصول على معلومات بشأن مجزرة دير ياسين وغيرها، باعتبار أن "القانون يتيح ذلك".

مضمونه؟
ويتحدث الأرشيف الذي تستولي عليه إسرائيل، عن كل شيء، وهو يشمل حتى الأرشيف المسروق من الفلسطينيين والعرب، وربما من جهات غربية. ويغطي حقبة طويلة لا تقتصر على سنوات النكبة وما بعدها، بل يشمل عقوداً سابقة. ويلقي الضوء على تحالفات ومراسلات، وكيفية صناعة قرارات ميدانية وسياسية، خصوصاً ما يتعلق بكيفية صناعة القرار بشأن اقتراف مجازر في قرى وبلدات فلسطينية، مروراً باتخاذ قادة العصابات الصهيونية قراراً بفتح ممر واحد للسكان الفلسطينيين كي يغادروا، قسراً، بلداتهم التي تعرضت للقتل والتدمير.


ويخفي الأرشيف مشاهدات لم تُروَ عن هول القتل والتهجير الذي تعرض له الفلسطينيون العام 1948، وتفصيلات أخرى عن مجزرة دير ياسين وكفر قاسم، وفترة الحكم العسكري الذي تعرضه له فلسطينيو-48 في أعقاب تأسيس دولة الاحتلال، وما سبقها من مرحلة انتقالية بين الانتداب البريطاني لفلسطين وإقامة إسرائيل، ومسائل كثيرة.

اختفاء أطفال يهود اليمن؟
وأشار مؤرخون إسرائيليون إلى أن بعض ملفات الأرشيف السرية تتحدث عن كواليس قضية اختفاء أطفال يهود اليمن ممن هاجروا إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، فور وصول عائلاتهم مطار بن غوريون، ضمن "عملية بساط الريح".


وتمحورت القضية حول اتهامات بإعطاء الأطفال الرضع أو بيعهم ليهود أشكناز ناجين من الهولوكوست، ضمن عملية منهجية سرية، لكن الحقيقة كاملة بقيت مخفية في ثنايا الملفات السرية.

وفي المحصلة، تتعامل إسرائيل مع الأرشيف كما لو أنه "شيفرة" لوجودها وبقائها! فهي تعلم أن كشفه سيقلب معركة الرواية رأساً على عقب، كما سيتسبب بهزة كبيرة عابرة للحدود تطاول عواصم غربية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها