الثلاثاء 2023/05/16

آخر تحديث: 23:03 (بيروت)

هشام شربتجي... عاشَ وحلم ومات

الثلاثاء 2023/05/16
هشام شربتجي... عاشَ وحلم ومات
بدأ مشوار الإخراج التلفزيوني مع الفنان ياسر العظمة في "مرايا" العام 1982
increase حجم الخط decrease
رحل اليوم المخرج السوري، هشام شربتجي، عن عمر يناهز 75 عاماً، بعد معاناة استمرت لمدة عامين إثر إصابته بجلطة دماغية، أبعدته من حياته الطبيعية. 

رحل شربتجي عن عالمنا تاركاً لنا إرثاً قيماً من الأعمال الدرامية التي غيّرت صناعة الدراما في سوريا، ورصيداً من الأعمال الكوميدية التي ما زالت حاضرة اليوم في ذاكرة الجمهور وترسم الضحكة على وجوههم. رحل "شيخ الكار".

(مع ابنته المخرجة رشا شربتجي)

في السبعينيات، سافر شربتجي إلى مصر للدراسة في معهد "إمبابة للطيران"، لكن الحرب كانت قد دمّرت المعهد، فتحولت وجهة شربتجي إلى المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وهناك درس النقد المسرحي هناك وحصل على درجة ماجستير. لم يعمل في المسرح، إلا أنه كان ينتمي إليه بشكلٍ كبير، فكان يعرّف عن نفسه في مقابلاته التلفزيونية بـ"ابن المسرح الذي قتله الإنتاج التلفزيوني".

عندما عاد شربتجي إلى سوريا، عمل في إذاعة دمشق كمخرج إذاعي، برفقة الإعلامي والمذيع نذير عقيل، ومن ثم أقنعه الممثل ياسرالعظمة بالانتقال إلى الإخراج التلفزيوني بمشروعه "مرايا"، ليُخرج الأجزاء الأربعة الأولى من السلسلة، بين العامين 1982 و1988. 

(مع فريق عمل "مرايا")

نجحت تجارب شربتجي الأولى، إلا أن أسلوبه الخاص في الكوميديا لم تتضح ملامحه قبل سلسلة "عائلة النجوم". ففي هذه السلسلة التي امتدت على أربعة أجزاء (1994-1998)، ترك الفنان الراحل بصمة خاصة به، شكلت ثورة في تاريخ الكوميديا السورية، فالكوميديا معه بدأت تتبنى فرضيات وحكايات بعيدة من الواقع ولا تنتمي لقوانينه الفيزيائية، رغم اعتماده على شخصيات قادمة من رحم الشارع السوري وتتحدث بلغته العامية السلسة. هكذا نجد الممثلين في سلسلة "عائلة النجوم" يحملون القنابل وينفجرون، يتدحرجون ويطيرون، بمشاهد كوميدية فاقعة لا تشبه سوى مطاردات "توم آند جيري".

فعلياً لقد جاول شربتجي خلق عوالم درامية تضاهي الكوميديا فيها، أفلام كرتون، التي لم يكن شيء سواها من قبله قادراً على خلق الضحكات على وجوه الجمهور. وفي سبيل الوصول لذلك العالم، استخدم الموسيقى التصويرية الحادة والمشوهة التي ترافق كل حركة وكل تفصيل، بالإضافة إلى تصميمات الأزياء الفاقعة للشخصيات التي تحولهم إلى شخصيات كرتونية، وخصوصاً في المشاهد التي ترتدي فيها العائلة بيجامات موحدة. 

وعلى الرغم من هيمنة الكوميديا، إلا أنه لا يفقد قيمته الدرامية، فشربتجي استخدم كوميدياه الفاقعة لتمرير رسائل اجتماعية وسياسية مهمة للغاية. ففي إحدى حلقات "عيلة سبع نجوم"، تحمل عنوان "سرهم في تنكة الزبالة"، يصور لنا شربتجي كيف يفحص عناصر الشرطة سلال المهملات، وكيف تراقب الدولة كل نَفَس يتنفسه المواطن؛ التحقيقات تبدأ بسبب عثور الشرطي بشكل متكرر على بقايا "فراريج" (دجاج مشوي) في سلة الزبالة، وهو أمر لا يتناسب مع دخل المواطن السوري! إضافةً إلى أن الجزء ذاته ينتقد قضية زواج القاصرات وتعدد الزوجات وسوء الخدمات الصحية والإسعافية في سوريا، والعديد من القضايا المجتمعية التي كانت تشغل الشارع السوري في تلك الفترة الزمنية.


واهتم شربتجي بشكل كبير بالموسيقى والأغاني الشعبية، فهي جزء لا يتجزأ من مسلسلاته الأولى، ابتداءً من "مرايا" ومروراً بـ"بناء 22" وحتى سلسلة "النجوم"، فلكل جزء منه أغنية خاصة إضافةً للعديد من الأغاني التي تمر في سياق درامي، وعلق منها الكثير في الذاكرة، مثل "زيء ميء" من "البناء 22"، وأغنية "ياهويدلك" التي يتشارك في أدائها أبطال "عيلة سبع نجوم". 


وفي سلسلة "عائلة النجوم" أيضاً يتضح تأثر هشام شربتجي بالدراما الإذاعية، ففي غالبية المشاهد يعتمد على أداء الممثلين وسردهم للحكايات المتخيلة لإضافة متعة تعجز عنها إمكاناته المحدودة بالصورة.

رغم القاعدة الشعبية والجماهيرية التي حققتها سلسلة "عيلة النجوم" عند عرضها، إلا أن النقاد لم يتقبلوا ما قدمه شربتجي حينها، رغم أهميته، واتهموه بالتهريج والإساءة للكوميديا السورية، وادعوا بأنه كان يعطي الممثلين حبوباً مهلوسة كي يؤدوا أدوارهم! إضافة إلى انتقادات وسباب جارح؛ الأمر الذي دفع شربتجي إلى إيقاف السلسلة بعد الجزء الرابع منها، "عيلة 8 نجوم".

ولم يتوقف شربتجي عن إخراج الكوميديا. ففي التسعينات أيضاً، شارك النجم أيمن زيدان في عدد من الأعمال، أهمها: "يوميات جميل وهناء"، "بطل من هذا الزمان" و"أنت عمري"، التي كانت تحدد بوصلة الكوميديا السورية في التسعينيات. بالإضافة لتقديمه مسلسل "أحلام أبو الهنا" مع النجم دريد لحام، الذي خرج بهذا المسلسل من عباءة شخصية "غوار" وتمكن من تقديم أفضل مسلسلاته تحت قيادة هشام شربتجي. 


وفي هذه الأعمال كانت هوية شربتجي واضحة، رغم اختلاف النجوم، فهو يعتمد في الكوميديا بشكل أساسي على التغريب، وبلغ أعلى مستوياته بمسلسلات أيمن زيدان الذي يجيد الخروج عن الدور ومخاطبة الجمهور بشكل مباشر للتعليق على ما حدث.  

لم يُخرج شربتجي أي عمل سينمائي؛ الأمر الذي جعل النقاد في سوريا ينتقصون من قيمته الفنية، بسبب محدودية النقد والنظرة الدونية في سوريا إلى الدراما التلفزيونية. لكن هذا الهجوم الذي استمر لعقود، لم يجعل شربتجي يخوض تجارب لا تشبهه كما فعل الآخرون، وظل واثقاً في نفسه ليؤكد خلال تصريحاته أن أهميته كمخرج تتجلى في قدرته على رسم الابتسامة على وجوه المشاهدين، وأن الفن هدفه الأساسي هو تقديم المتعة والترفيه، ولذلك لم يغير طريقه. 

لكن في المقابل، أخرج شربتجي العديد من الأعمال الدرامية، التي لا تقارن جودتها بأعماله الكوميدية. فالكوميديا التي يصنعها هشام شربتجي هي علامة مسجلة، وكانت مرغوبة خارج سوريا كما في داخلها، وقد نقلها إلى الخليج بإخراجه الجزء 16 من مسلسل "طاش ما طاش".

توقف هشام شربتجي عن العمل العام 2017، خاتماً مسيرته الفنية بعمل كوميدي بعنوان "أزمة عائلية"؛ العمل لاقى الكثير من الانتقادات حينها، ولم يعجب جمهوره الذي ترقب عودته طويلاً. وفي آخر ظهور إعلامي له في برنامج "بيت القصيد"، طلب منه الإعلامي اللبناني زاهي وهبي أن يختصر حياته في جملة، فقال: "هشام شربتجي..عاش، حلم، ومات".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها