الإثنين 2023/05/15

آخر تحديث: 15:25 (بيروت)

الجولاني "حامياً للأقليات" في إدلب.. بعدما غيّر "هيئته"

الإثنين 2023/05/15
الجولاني "حامياً للأقليات" في إدلب.. بعدما غيّر "هيئته"
صلاة عيد الفطر في استاد إدلب الرياضي الذي افتتحته "حكومة الإنقاذ" العام 2022 بعد إقفال دام 10 سنوات (غيتي)
increase حجم الخط decrease
على مدى السنوات العشر الماضية، وُصم زعيم جماعة متمردة تحكم معظم شمال غربي سوريا، بسمعة سيئة من خلال تبنيه التفجيرات الدموية والتهديد بالانتقام من القوات "الصليبية" الغربية وإرسال الشرطة الدينية الإسلامية لقمع النساء اللواتي يُعتقد أنهن يرتدين ملابس غير محتشمة.

لكن الرجل المعروف باسم أبو محمد الجولاني يحاول جاهداً في الآونة الأخيرة أن ينأى بجماعته "هيئة تحرير الشام" عن أصول تنظيم "القاعدة"، وأن ينشر رسالة التعددية والتسامح الديني. وكجزء من تبديد الصورة النمطية عن الجماعة وإلباسها ثوباً جديداً، قام الجولاني بقمع الفصائل المتطرفة وحل "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، أقيم مؤخراً قداس في كنيسة كانت مغلقة منذ فترة طويلة في محافظة إدلب، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وقال الجولاني أمام حشد من القادة الدينيين والمحليين أنه لا ينبغي فرض الشريعة الإسلامية بالقوة. وأضاف: "لا نريد أن يصبح المجتمع منافقاً. يصلي الناس عندما يروننا ويتركون الصلاة بمجرد أن نرحل"، مشيراً إلى المملكة العربية السعودية التي خففت ضوابطها الاجتماعية في السنوات الأخيرة بعد عقود من حكم إسلامي صارم.

ويأتي التحول في خطاب الهيئة المتطرفة فيما تزداد عزلة جماعة الجولاني. فالدول التي دعمت المتمردين في الانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية، تعيد العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد. وتراجعت السعودية، العدو السابق للأسد، عن مسارها السابق وقادت سلسلة تحركات أدت إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، بعد 12 عاماً من العزلة الإقليمية.

حتى تركيا، الداعم الرئيسي المتبقي لجماعات المعارضة المسلحة في سوريا، أشارت إلى تحول مشابه. فالأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية التركي بنظيره السوري في موسكو، في أول اجتماع من نوعه منذ العام 2011. وحضر الاجتماع وزيرا خارجية روسيا وإيران، حليفا الأسد الرئيسيان. ويمثل الاجتماع خطوة مهمة نحو استعادة دمشق وأنقرة العلاقات، حتى مع بقاء وجود القوات التركية في شمال غربي سوريا نقطة شائكة.

في الوقت ذاته، تعتبر الولايات المتحدة "هيئة تحرير الشام" جماعة إرهابية وعرضت 10 ملايين دولار مكافأة مقابل الادلاء بأي معلومات عن مكان وجود الجولاني. كما تصنفها الأمم المتحدة على أنها منظمة إرهابية. وفي وقت سابق من أيار/مايو، فرضت الولايات المتحدة وتركيا عقوبات مشتركة على شخصين زُعم أنهما جمعا أموالاً للجماعات المتشددة، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام".

وبرز الجولاني في الأشهر الأولى من الانتفاضة السورية العام 2011، عندما أصبح زعيم فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، المعروف في ذلك الوقت باسم "جبهة النصرة". وتوافد متشددون ومسؤولون كبار من "القاعدة" الذي أسسه أسامة بن لادن على قاعدة عمليات الجماعة في شمال سوريا، حيث قُتل العديد منهم لاحقاً في ضربات أميركية.

وفي تموز/يوليو 2016، غيرت "جبهة النصرة" اسمها إلى "جبهة فتح الشام" وقالت أنها قطعت علاقاتها مع "القاعدة"، في ما اعتبره الكثيرون محاولة لتحسين صورتها، ثم اندمجت الجبهة مع مجموعات أخرى وأصبحت "هيئة تحرير الشام".

خلال تلك الفترة، أظهر الجولاني وجهه علناً للمرة الأولى، وغيّر أسلوبه في اللباس من عمائم وأردية بيضاء إلى قمصان وسراويل. وطارد مقاتلوه مسلحي تنظيم "داعش" الذين فروا إلى إدلب بعد هزيمتهم وشن حملة على "حراس الدين"، وهي جماعة مسلحة أخرى تضم أعضاء متشددين في "القاعدة" انفصلوا عن "هيئة تحرير الشام".

لكن التغيير في الصورة العامة للجولاني لم يؤثر في كثيرين، بما في ذلك الحكومة الأميركية. وتُظهر التدوينات في وسائل التواصل الاجتماعي من حسابات برنامج مكافآت العدالة التابع للحكومة الأميركية، صورة للجولاني مرتدياً قميصاً أزرق وسترة زرقاء داكنة مع تسمية توضيحية باللغة العربية تقول: "مرحباً أيها الوسيم الجولاني. قميص رائع. يمكنك تغيير زيك لكنك ستظل إرهابياً دائماً. لا تنس مكافأة 10 ملايين دولار".

وفي العام 2017، أنشأت "هيئة تحرير الشام" "حكومة الإنقاذ" لإدارة الشؤون اليومية في المنطقة. في البداية حاولت فرض تفسير صارم للشريعة الإسلامية. وتم تكليف الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالتأكد من تغطية النساء أجسادهن، مع إظهار وجوههن وأيديهن فقط. وكان أعضاؤها يجبرون المتاجر على الإغلاق أيام الجمعة حتى يتمكن الناس من حضور الصلاة. تم حظر تشغيل الموسيقى، كما تم حظر تدخين النارجيلة في الأماكن العامة.

وفي آذار/مارس 2020، توصلت روسيا وتركيا اللتان تدعمان الجماعات المتنافسة في الصراع، إلى هدنة. منذ ذلك الحين، شهد شمال غربي سوريا، الخاضع لسيطرة المعارضة، هدوءاً نسبياً، وركزت "هيئة تحرير الشام" جهودها على قمع فلول "داعش" والجماعات الجهادية الأخرى.

وقالت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير صدر مطلع العام الجاري، أن الهيئة "تطورت ونأت بنفسها عن الجهاد العالمي"، علماً أن الهيئة بدأت تقدم نفسها على أنها مدافعة عن الأقليات في الشمال الغربي الذي يغلب على سكانه العرب السنّة. وفي آذار/مارس، قتل أعضاء جماعة مسلحة مدعومة من تركيا بالرصاص، أربعة رجال أكراد في بلدة جنديرس أثناء قيامهم بإشعال النار احتفالاً بالعام الكردي الجديد. والتقى الجولاني بأهالي الضحايا وسكان أكراد آخرين في المنطقة ووعد بالانتقام من الجناة.

في مقابلة صحافية العام 2021، وصف الجولاني تصنيف جماعته كإرهابية بأنه "غير عادل" و"سياسي" وقال أنه بينما انتقد السياسات الغربية في المنطقة "لم نقل إننا نريد محاربتها". وذكر الجولاني أن ارتباطه بـ"القاعدة" انتهى، وأن جماعته كانت "تعارض تنفيذ عمليات خارج سوريا" حتى في الماضي.

وعقبت وزارة الخارجية الأميركية في بيان بأن الجولاني مازال مصنفاً إرهابياً وإنها لا تعلق على المداولات المحتملة بشأن تغيير مثل هذه التصنيفات. وأفاد آرون لوند، الباحث في مركز "سينشري إنترناشونال" للأبحاث، أنه يعتقد أنه من غير المرجح أن تزيل الولايات المتحدة "هيئة تحرير الشام" والجولاني من قائمتها للإرهاب. وأضاف: "بقدر ما أستطيع أن أقول، مازالت الحكومة الأميركية قلقة بصدق بشأن روابط الجماعة بالجهادية العالمية".

في السياق، رأى وائل علوان، الباحث في مركز "جسور" للدراسات ومقره تركيا، أن الجولاني يحاول إظهار أنه يسيطر على إدلب ليضمن لنفسه مكاناً في سوريا بمجرد انتهاء الصراع. فيما قال عاصم زيدان، الناشط الذي تتابع جماعته انتهاكات الهيئة، أن التصنيف المستمر للإرهاب يمثل ضربة لصورة الجولاني الذاتية. وأضاف: "بعد تشكيل حكومة الإنقاذ والوزارات، يعتبر الجولاني نفسه الآن رئيساً للدولة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها