الأحد 2023/05/14

آخر تحديث: 21:15 (بيروت)

إسرائيل تفتعل فتنة بين "الجهاد" و"حماس"

الأحد 2023/05/14
إسرائيل تفتعل فتنة بين "الجهاد" و"حماس"
increase حجم الخط decrease
ليس جديداً أن تمارس دولة الاحتلال دعاية مُوجّهة عند كل معركة عسكرية تشنها ضد الفلسطينيين أو العرب، فهذا أمر معتاد عليه منذ نشوئها.. لكنّ الجديد في معركة غزة الأخيرة أن الدعاية بدت وكأنها هدف أول وأخير للمعركة، فهي ليست مُجرّد وسيلة لخدمة عدوانها، كما جرت عليه العادة، بل جاءت المعركة لتخدمَ البروباغندا لا العكس، وهو ما بدا لافتاً من خلال تتبع الدعاية ووتيرتها المكثفة، وماهية المنهجية التي اتبعها الإعلام العبري بإيعاز من أجهزة الأمن الإسرائيلية طوال خمسة أيام من المعركة، وحتى بعد انتهائها.

"استقطاب" بين "ثُنائية" المقاومة!
البروباغندا هدفت إلى تقسيم المقاومة ومحاولة خلق استقطاب فلسطيني أكثر حدة مما سبق بين "ثُنائية" داخل جسم المقاومة الفلسطينية، ما يحقق غاية إسرائيلية مزدوجة، فمن جهة تُوجّه ضربات عسكرية لـ"الجهاد"، ومن جهة أخرى تسعى لإلحاق ضرر معنوي كبير بكل من حركتي "الجهاد" و"حماس" عبر القول إن "سرايا القدس تخوض المعركة، مرة أخرى، وحيدة بلا مساندة من حماس"، بموازاة الادعاء أن خلافاً يدور بينهما من وراء الكواليس حول جدوى المعركة، وطريقة الرد على اغتيال أول ثلاثة من قيادات "الجهاد" العسكريين.

وفي محاولة لتحقيق ذلك، اعتمدت الماكينة الدعائية الإسرائيلية أكثر من أسلوب لدق الأسفين بين "حماس" و"الجهاد" وإذكاء المناكفة بينهما، وتوسيعها لتشمل أطيافاً واسعة من الشارع الفلسطيني، حيث قام تلفزيون "مكان" العبري في خضم المعركة بنشر ما وصفها تسجيلات حصل عليها حصراً، لمكالمات هاتفية لعناصر من "حماس"، وتحديداً ذراعها العسكري حول عدم نية الحركة الانضمام إلى المعركة الأخيرة.

من خلال تتبع التسجيل، تبدو بصمات جهاز "الشاباك" الإسرائيلي خلف إرساله لـ"مكان"، ويُلاحظ أن المتحدثين لشخصيات مجهولة وعادية، وهي ليست صانعة قرار في "القسام"، حتى لو تم الافتراض أنهم ينتمون إليها، كما أنه يبدو مجتزءاً، وكذلك الحال للتسجيل المزعوم لأحد نشطاء "سرايا القدس" الذي أظهره غاضباً هو الآخر بسبب عدم مشاركة "حماس"، وفق مزاعم الدعاية الإسرائيلية. ناهيك عن صعوبة تحديد توقيت التسجيل المزعوم، تقنياً وسردياً.

تسجيلات بلا معنى!

ولعلّ اهتمام التلفزيون العبري بنشر تسجيلات مزعومة لجدل حمساوي-جهادي على مستوى نشطاء عاديين، يدعو إلى السؤال: ماذا يجعل الإعلام العبري منشغلاً بتسجيلات من هذا النوع بدلاً من تركيزه على مواكبة تطورات المعركة؟، ألم يجد الأمن الإسرائيلي تسجيلات لمستويات أكبر في الحركتين لخدمة مآربه الدعائية أكثر؟!.. ألا يُؤشر انشغاله بها إلى إدراك إسرائيل، ضمناً، أن معركتها العسكرية ليست رادعة فتبحث عن طرق أخرى، حتى لو كانت مُجرّد "قال وقيل"؟!

لمجرد الإجابة على التساؤلات سالفة الذكر، يُستدل أن الأمن الإسرائيلي بحاجة إلى أي شيء، حتى لو اقتصر على تسجيلات بلا معنى حقيقي، ولأي كان، في حال الافتراض جدلاً أنها فعلاً لنشطاء من حماس.. بهدف تقسيم المقاومة وضرب حاضنتها الشعبية.

وحتى بعد انتهاء جولة القتال، أفاقت وسائل الإعلام العبرية صباح الأحد، لتقرب المجهر من كلمة أمين عام حركة "الجهاد" زياد النخالة، فور إعلان التهدئة، حيث شكر فيها إيران وحزب الله ومصر، من دون ذكر إسم "حماس"، ما اعتبرته "دليلا" على حمله على حماس؛ بسبب عدم مشاركتها في القتال.

في  حين راحت محطات تلفزة عبرية إلى استضافة محللين ليجيبوا على سؤال مفاده: "هل امتناع حماس عن المشاركة في جولة القتال مؤشر على براغماتيتها واعتدالها مقارنة بما سبق؟"..وهو سؤال انتهازي يقصد تقسيم المقاومة وتصعيد الجدال داخلها وتجاهها، لـ"تشويه صورتها" في الشارع الفلسطيني، على نحو يحقق "صورة النصر" الذي يبحث عنها الاحتلال، للتغطية على إخفاقه في تحقيق "الردع المأمول"، رغم ضرباته ل"الجهاد" وقادتها.

 الحال أن الاحتلال يحاول دوماً أن يخلق استقطاباً فلسطينياً (ثنائياً) لتجييره لصالحه، فبينما يعززه بين الثنائي (فتح وحماس) في عموم الأراضي الفلسطينية، نجده وقد بذل جهدا لتعزيزه بين ثنائي المقاومة (حماس والجهاد).

انضباط العناصر؟
رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحماس، وسام عفيفة، قال لـ"المدن"، إن الدعاية الرامية لتقسيم المقاومة هي مسألة أساسية في السلوك السياسي والإعلامي الإسرائيلي، مشيراً إلى أن قيادة الحركتين حرصت على لجم المناكفة بين نشطاء كل منهما، وهو ما أكدته "حالة الانضباط" في جولة القتال الأخيرة، حتى في السوشال ميديا، لقطع الطريق على مآرب الاحتلال، على حدّ تعبيره.

طريقة الاغتيال..دعائية؟
اللافت أيضا في دعاية الاحتلال، أنه سعى خلال القتال أن يوظف تحديده المقصود والمتعمد للشقق السكنية في العمارات، لتكون مكاناً لاغتيال قادة "سرايا القدس"، وليس أي مكان آخر، وذلك في محاولة منه لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، كما أكدت ذلك مصادر "المدن" من "الجهاد" و"حماس"، معتبرة أن "الأخطر في الاغتيالات كانت الطريقة المشهدية والمكان، وليس الاغتيال بحد ذاته". 

مع العلم، أن التركيز على العمارات والشقق السكنية في الحروب هي منهجية يتبناها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي لأكثر من سبب، ومعروف عنه أنه صاحب هذه النظرية منذ زمن، وأخذ يطبقها منذ توليه منصبه كلما حانت الفرصة.

معركة على "صورة الانتصار"!
إذن، تركزت وقائع المعركة على "صورة الانتصار"، وهذا ما اشار إليه أيضاً محلل الشؤون العسكرية في "مكان"، إيال عاليما، مشيراً إلى أنّه بناء على تجربة الماضي، فإنه بالرغم من تمكن إسرائيل من اغتيال ستة من قادة "السرايا"، فإن نجاعة ذلك في ردع "الجهاد" تبقى محدودة، كونها سرعان ما تستعيد أنفاسها بعد المعركة.

وبحسب إفادة عاليما الإذاعية التي رصدتها "المدن"، فإن الرسالة الرئيسية لجولة القتال ليست تحديداً لـ"الجهاد"، بقدر أنها موجهة لإيران؛ على خلفية "جهودها للربط بين الجبهات وخاصة بين الضفة وغزة".

لكن ثمة قراءات إعلامية إسرائيلية تعتقد أنه بالرغم من "إثبات الجيش الإسرائيلي تفوقه التكنولوجي والاستخباري والقتالي"، إلا أنه لم يحسم الإجابة بشأن قدرته على التفريق بين جبهتي الضفة والقدس من ناحية، وغزة من ناحية ثانية.

ولعلّ الاختبار الأول أمام سؤال الإعلام العبري سيكون حينما تحين ساعة الصفر لمسيرة الأعلام التي ينظمها المستوطنون في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها