الإثنين 2023/03/13

آخر تحديث: 22:17 (بيروت)

الإتفاق الإيراني السعودي.. في غرفة الأخبار

الإثنين 2023/03/13
الإتفاق الإيراني السعودي.. في غرفة الأخبار
increase حجم الخط decrease
في غرفة الأخبار، لم يكن خبر الاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية، خبراً عادياً. ضجّ الخبر العاجل في أروقة الغرفة ليغيّر جدولة العناوين والمواضيع المقررة مسبقاً في نشراتنا وبرامجنا.

ليس خبراً عادياً. حوّل بوصلة الأحاديث بين الزملاء في غرفة التحرير باتجاه تحليلات وتساؤلات نطرحها عما ستكون انعكاساته على المنطقة والعالم. ولا ينتقص فتح الصين لفصل جديد من فصول إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. 

بهذه العبارات يمكن تلخيص المرحلة الجيوسياسية والاقتصادية التي تنتظر الشرق الأوسط. لا تفاؤل ولا تشاؤم. على الأرجح إنها لحظة ترقب مفصلية. فبعدما كانت الولايات المتحدة هي الوسيط المهيمن على مفاتيح العلاقات في المنطقة لعقود، ظهرت الصين فجأة كلاعب قوي قادر على قلب موازين القوى ليس كمنافس اقتصادي فحسب بالنسبة للولايات المتحدة، إنما كمنافس جيوسياسي رئيسي.

للحدث الدبلوماسي أهميته وانعكاساته وكذلك له مسبباته، وللصورة التي تصدرت الأخبار والصحف وجمعت الجانبين الخصمين لسنوات طويلة تتوسطهما الصين، دلالاتها ورمزيتها.

في الشكل، أرادت الصين وبالتزامن مع إعلان ولاية ثالثة للرئيس شي جين بينغ، أن تعكس مكانتها الجديدة وتظهر للعالم الرؤية التي تروّجها عن نفسها بأنها قوة سلام عالمية، ربما تريد تقديم صورة معاكسة للولايات المتحدة، التي تُتهم بأنها عرّابة الصراعات والحروب في المنطقة. إذ أعلنت بكين سابقًا مبادرة سلام لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وهي اليوم الوسيط الذي حقق انجازاً دبلوماسياً في العلاقة بين السعودية وإيران.

ما حققته الصين على مستوى المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران، لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد سلسلة محاولات قامت بها بكين لإصلاح العلاقة.

ففي مارس آذار/مارس 2017، أعلنت الصين استعدادها للتوسط بين الجانبين في مبادرة جاءت على لسان وزير الخارجية الصينية آنذاك وانغ يي، قبيل زيارة قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين. تلتها زيارة الرئيس الصيني شي جي بينغ إلى الرياض في كانون الاول/ديسمبر الماضي وزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين الشهر الماضي أيضاً.

لسنوات طويلة اختزلت الصين علاقتها مع الشرق الأوسط في الشؤون التجارية، لكن يبدو أن التطورات الأخيرة في المنطقة والعالم كانت فرصة استغلتها بكين لدخول الساحة السياسية بهدوء بعد غرق روسيا، الطامحة لعالم متعدد الأقطاب، في حربها مع أوكرانيا. 

ليس ذلك فحسب، بل إن الولايات المتحدة تركت فراغاً دبلوماسياً منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه. فهي لا يمكن أن تكون وسيطاً في مثل هذه الصفقة في ظل غياب علاقاتها مع طهران من جهة، والتراجع الملحوظ في العلاقة مع الرياض خلافاً لما كانت عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من جهة أخرى.

مما لا شك فيه أن هذا الحدث يشكل موقفاً حرجاً لإدارة بايدن إلا أن واشنطن لم تبالغ في رد فعلها على هذا الحدث، بل على العكس رحب البيت الأبيض علنًا بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ولم يعرب عن قلق صريح بشأن دور بكين في إعادة العلاقات بينهما. 

لكن في السر، أشار مساعدو بايدن إلى أنه "ليس مؤشراً على اختراق كبير"، مستهزئين من الاقتراحات بأن الصفقة تشير إلى "تآكل في النفوذ الأميركي في المنطقة". 

بالفعل، من السابق لأوانه القول إن هذا الارتباط سينعكس بنتائج ايجابية إذ ما زال من غير الواضح إلى أي مدى سيذهب التقارب السعودي الايراني واقعياً. 

بعد عقود من المنافسة لا يمثل قرار إعادة فتح السفارات التي أُغلقت في عام 2016 سوى خطوة أولى. وهذا لا يعني أن الجانبين وضعوا جانباً كل خلافاتهما العميقة والباطنية. وربما تنتظر الإدارة الأميركية اللحظة المناسبة مراهنةً على انتهاك ايران شروط الاتفاق مع السعودية، لتثبت مجدداً أن بكين، على الرغم من تأثيرها الاقتصادي والدبلوماسي الآن، هي شريك غير موثوق به لضمان أمن المنطقة.

هل ستنجح الصين في أن تكون القوة العظمى الجديدة في المنطقة؟ ليس بالضرورة، بل الأكيد أنها لاعب مهم لا يمكن تجاهله. فإن اللحظة هي لحظة ترقب فحسب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها