الإثنين 2023/02/27

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

سعد لمجرّد… وما أدراك ما القبول!

الإثنين 2023/02/27
سعد لمجرّد… وما أدراك ما القبول!
تتحّد الكواكب والقارات للنَّيل من شهرة النجم المغربي (غيتي)
increase حجم الخط decrease

أدخَلَ التباعد الاجتماعي في عصر كورونا، الطمأنينة إلى نفسي. وأخيراً، الحلم بأن أكون مُسيّجة بمساحة خاصة لا يحق لأحد تخطي حدودها، أصبح حقيقة. تباعُد اجتماعي، يقي من التلامس غير المرغوب فيه، ومن تبادل القُبَل، ومن اقتحام الحيز الخاص. هذا الحيز الذي يبدو هشّاً أمام طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تُحدِّد نظرة الآخرين.

والمسافة حسّاسة. على المرأة أن تنتبه، إن ابتعدت عن الداني، فهذا ربما يعني أنها غير اجتماعية. وإذا حجّمت خطوته فهي démodée. وإذا أبقت على سماحة وجهها ورحابة صدرها، إذن هي موضوع قابل… وما أدراك ما القبول! تحديداً، ما الذي أدخلها إلى غرفته بالفندق؟ هل كانت ذاهبة للمسجد؟ ألَم تعلم ما كان ينتظرها؟

لا. لم تكن تعلم، لأنها ببساطة التقته بإرادتها، وذهبت معه بإرادتها، وجلست معه بإرادتها، وعلى الأرجح أنها رغبت فيه وتخيلته وتمنت أن تمارس الجنس معه، وعندما أبدى فعل عنف ما، غيَّّرَت رأيها، فقدت حماسها ورغبتها، وقالت: لا. أعربت عن عدم إرادتها بممارسة الجنس. رفضت… وما أدراك ما الرفض!

هل يحق لها الرفض في ساعة الشهوة؟ هل يحق لها الانسحاب من موقف لم تجد نفسها مرتاحة فيه؟ وكيف لها أن تتراجع بعدما رغِب فيها؟ هو المطرب المشهور والنجم الشاب.

مؤامرة على النجم المَغربي الساطع في فضاء العالم العربي، هو سعد لمجرّد. تتحّد الكواكب والقارات من أجل النَّيل من شهرته. لقد كرّست هذه المجرّات قوتها في ليلة ليلاء في باريس، وأرسلت له، العام 2016، الصبية الأولى لاغتصابها. وفي العام 2018، صبية أخرى لتتهمه أيضاً بالاغتصاب، وصرخات من هنا وهناك عن ارتكابات خلّفها صاحب الوجه البشوش، علامات في أجساد النساء اللواتي أكّدن أنهن يرفعن أصوات ضحايا أخريات أيضاً.

في معظم قوانين العالم، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وعندما يقول القضاء كلمته يُكرَّسُ مُرتكباً أو بريئاً، بحسب الحكم الصادر بحقه. وإذا ما سلّمنا جدلاً بأن المغني المغربي سعد لمجرّد كان بريئاً حتى صباح 24 شباط/فبراير الجاري، فإنه بات مُداناً، بَعدَ ظُهر اليوم نفسه، بحُكم من القضاء الفرنسي الذي حكم بسجنه ست سنوات لارتكابه جُرم اغتصاب فتاة.

نحن العرب، نحبّ الأجانب. نحب الكثير من مناحي حياتهم. لكننا لا نحب قوانينهم. لا نحب نظرتهم لحقوق الإنسان بشكل عام، ولا نظرتهم لحقوق المرأة بشكل خاص. هذه القوانين والنظريات تربكنا، تضرب مُسلَّماتنا. كيف يمكن لقانون أن يمنع اغتصاب شابة دخلت بكامل إرادتها إلى غرفة الفندق، ثم بدّلت رأيها ولم تُرِد ممارسة الجنس؟ ألم تسمع هذه الشابة بمقولة "دخول الحمام مش زي خروجه؟".

ونحن أيضاً، كجماهير بمشاعر جيّاشة، علينا حتماً الانتصار للفنان العربي. إذ أننا كعرب مع "ابن عمنا على الغريب"، مُغتصِباً كان أو مُعنِّفاً. كشفت قضية سعد لمجرّد الستار عن هشاشتنا في نظر أنفسنا، فقد اعتدنا الارتكابات بحقنا، الواحدة تلو الأخرى.. حتى بات فعل الاغتصاب مبرَّراً، والنطق بالحُكم مشكوكاً في أمره.

تعيش المرأة رهينة في عالمنا. رهينة مفاهيم التضحية، التحمّل، الصبر، العيب والشرف، فتبدأ بالتنازل عن حقوقها، الحق تلو الآخر. أقل الحقوق تصبح مُكتَسبات، والاحترام والرقي في التعامل مع المرأة، مِنّة. ألاّ تُستباح أو تُستغَلّ، نعمة يجب أن تشكر المانح عليها.

كشفت قضية لمجرّد عن الدونية التي يُنظر بها إلى ضحايا الاغتصاب. يبدو مقبولاً عدم التعاطف مع الضحية في بعض الأحيان، لكن ما لا يتحمله عقل هو التبرير للمُعتدي. تضامُن بعض الفنانين والاعلاميين والمؤثرين في الرأي، مع سعد لمجرّد، يبدو عصيّاً على التصديق، الاّ أنه يلقي الضوء، وإن بشكل غير مباشر، على القوانين المُجرِّمة للعنف الأسري والاغتصاب والعنف ضد المرأة.

في كانون الأول/ديسمبر الماضي، صدحت أصوات مُعارضة لإحياء لمجرّد حفلة في بيروت، وقبلها انتقادات لاذعة لإليسا التي أصدرت أغنية مع متحرّش.. كل هذه الأصوات جوبِهت بأنها غير مُحبّة للفن وضد الانفتاح على الآخر وبأنها نسوية سمجة.

في وطن عربي، ما زالت غالبية بلاده تعتبر حقوق المرأة رفاهية، وما زالت الغالبية الساحقة من نسائه تعاني القوانين المجحفة في الأحوال الشخصية، والتمييز الجندري، وانعدام فرص المساواة.. ليس مُستغرباً أن يرى البعض الحُكم القضائي على لمجرّد مؤامرة. مؤامرة لن نسمح لها بالتسلل إلى قضائنا ولا قوانينا. لن نسمح لها الإقرار بحيّز المرأة الخاص وبحقّها في الرفض والقبول.. لن نسمح لها بالنَّيل من تعاطفنا مع فنان لامع، كل جريمته أنه "رجُل.. واستَحلى"!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها