الأربعاء 2023/11/01

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

إلغاء "محكمة المطبوعات".. البحث عن بدائل وضمانات للناشرين

الأربعاء 2023/11/01
إلغاء "محكمة المطبوعات".. البحث عن بدائل وضمانات للناشرين
أبرز الضمانات المطلوبة: الامتناع عن التوقيف الاحتياطي مهما كانت المحكمة التي ستنظر في القضية (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
اقتراح الغاء محكمة المطبوعات، الوارد في نقاشات لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب، لمسودّة قانون الاعلام الجديدة، يحيي هواجس اللبنانيين من أن تقوّض "البدائل" المقترحة حرية الرأي والتعبير، أو تعمّق أزمة الحريات في بلاد تدهورت فيها حرية الصحافة خلال السنوات الماضية الى المرتبة 130 عالمياً في العام 2022، بعدما كانت 107 في العام 2021، حسب مؤشر "مراسلون بلا حدود". 

ومثار الخوف ينطلق من كون محكمة المطبوعات، قانوناً، هي الجهة المخولة تطبيق أحكام قانون المطبوعات وأحكام القانون الخاص بالبث التلفزيوني والإذاعي. خلال السنوات الماضية، ومع تزايد استدعاءات الصحافيين والناشطين في مواقع التواصل الى المحاكم الجزائية والنيابات العامة و"مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية" التابع لقوى الامن الداخلي، و"المباحث الجنائية"، لطالما واجه الحقوقيون تلك الاستدعاءات، مشددين على أن محكمة المطبوعات هي المرجع الصالح للبت بدعاوى تُرفع ضد الصحافيين والناشطين في قضايا النشر، وأن الصحافي والناشر في المواقع الالكترونية، (وهي وسيلة نشر متاحة للرأي والوثائق الاستقصائية)، لا يمثل أمام ضابطة عدلية، بل يمثل، حصراً، أمام قاضٍ بحضور محامٍ، وتبتّ محكمة المطبوعات بالأحكام. 

تعريف محكمة المطبوعات

محكمة المطبوعات
وتعدّ "محكمة المطبوعات" غرفة من محاكم الاستئناف، موجودة في المحافظات، ومؤلفة من 3 قضاة: رئيس للمحكمة، ومستشارَين اثنين. تشير المحامية والباحثة الحقوقية رنا صاغية، الى انه وفق القانون، "تعود صلاحية النظر بالجرائم التي ترتكب بواسطة المطبوعات، الى محكمة المطبوعات حصراً"، لافتة في حديث لـ"المدن" الى انه وفق القانون الحالي المعمول به، "إذا كانت الدعوى بحاجة الى تحقيق قضائي، فإن قاضي التحقيق يقوم به ويحيل القضية الى محكمة المطبوعات ضمن مهل معينة ومحددة بالقانون". 

وترى صاغية أن المشرّع، حين أنشأ محكمة المطبوعات، "كان يحرص على ألا تذهب قضايا المطبوعات والنشر الى النيابات العاملة والضابطة العدلية، وبالتالي كان يفكر في حصرها في المطبوعات مراعاة للصحافيين وإرسالها الى التحقيق في حال كانت هناك ضرورة" لذلك.

ضم "المرئي والمسموع"
مع مرور الوقت واتساع مجالات النشر، بات "قانون المطبوعات" مرجعاً للأحكام في سائر قضايا النشر، فقد أكد قانون "الاعلام المرئي والمسموع"، أن "قانون المطبوعات" يطبق على الجرائم التي ترتكب عبر "الاعلام المرئي والمسموع". 

لكن هذه الصلاحيات، لم تصل الى مستوى ضم قضايا النشر اليها إلا بعد سنوات، رغم التحولات التدريجية. ففي العام 2012، نصت محكمة الاستئناف الجزائية في جبل لبنان على أنه "من اختصاص محكمة المطبوعات، البت بجرائم المطبوعات اي الادعاء على المدير المسؤول وكاتب المقال، او ما يقابلها في المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة"، واضافت: "لكن ليس القدح والذم المدعى بهما من شخص طبيعي او معنوي، إذ يبقى أمر البت بهما من اختصاص المحاكم العادية". لكن أخيراً، حسمت محكمة التمييز الجدل واعتبرت ان قانون المطبوعات يطبق على المواقع اﻻلكترونية، اذا استوفت شكل المطبوعة الصحافية اﻻخبارية، وتحال قضاياها الى محكمة المطبوعات.

بذلك، اقتصر دورها على النظر في دعاوى النشر الصحافي، وحُسم عدم اختصاصها في ملفات النشر الالكتروني والتعبير عن الرأي في مواقع التواصل، وهو واحد من التحديات التي تواجه هذه المحكمة، حسبما تقول صاغية، موضحة أن أولى التحديات باختصاصاتها "تمثل في انتشار وسائل اعلام جديدة مثل السوشيال ميديا والمدونات والمواقع الالكترونية، أي الانترنت بأكمله"، ولم تستطع النقاشات الاثبات بأن الأفعال المرتكبة بوسائل النشر الجديدة هي من اختصاصها للنظر فيها.

تحول هذا الملف الى مادة انتقاد لمحكمة المطبوعات، وتفاعل بالتزامن مع بحث البرلمان في مشاريع القوانين لقانون الاعلام الذي عُدّلت مسوداته، منذ العام 2008، وصولاً الى اقتراحات بإلغاء "محكمة المطبوعات". 

وتشير صاغية الى أن الأصول الموضوعة بقانون المطبوعات لم تطبق. تقول: "مبدعون كُثُر كانوا يقدموا الشكاوى الى النيابات العامة التي كانت تنظر بها، او تحيلها الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، او تقدم مباشرة امام النيابة العامة التمييزية، في وقت يفترض أن تحقق النيابات العامة التمييزية بالجرائم الخطيرة وليس بالقدح والذم، لترضي هذا المدعي أو ذاك من أصحاب النفوذ". وتضيف: "المطبوعات لم تكن بالضرورة تنظر في تلك القضايا، على العكس، شهدنا جرجرة للصحافي وغير الصحافي، أي شخص يعبر عن رأيه ويثير ازعاج أصحاب النفوذ، وكأن العقوبة الفورية تحصل بالجرجرة والتخويف والجلسات المستمرة".

مخيبر وصاغية

مادة سجال
على أن إلغاء "المطبوعات" ليس مقترحاً جديداً، بل كان النائب السابق والمشرّع غسان مخيبر، أول من نادى به في ملاحظاته التي وضعها، بالتعاون مع "مؤسسة مهارات" في العام 2011، على قاعدة "خضوع الرقابة على المطبوعات للمحاكم العادية على أن تكون أحكامها قابلة للمراجعة العادية وغير العادية". 

وكان هذا الاقتراح يوازيه اقتراح آخر تمثل في تعديل تسمية "محكمة المطبوعات" إلى "المحكمة الناظرة بقضايا الإعلام والتعبير"، وتوسيع صلاحياتها حتى يدخل في اختصاصها الإعلامي النظر في قضايا العامل في مؤسسة مرئية أو مسموعة والكاتب والمسرحي والشاعر والسينمائي والمغنّي وسائر الفنانين والفنّيين، وتالياً توفير الحماية القانونية والقضائية لهؤلاء.

وعلى مدى السنوات وتعدد المسودات، تعددت المقترحات بدورها وخرجت عن مقاصدها، حيث اقتُرح في العام 2021 إلغاء "المطبوعات"، وتفعيل نظام التنظيم الذاتي ومنح نقابة المحررين بعض الصلاحيات المتعلقة بالأداء المهني للصحافيين، وذلك استناداً الى النظام الداخلي في نقابة محرري الصحافة الذي يتيح، في أقصى إجراءاته العقابية بحق المخالفين، سحب بطاقة العمل مؤقتاً من المخالفين، وهو على أي حال ليس مطبقاً منذ سنوات رغم وجوده في النصوص، كما أن ليس كل الصحافيين مسجلين كأعضاء في النقابة.. 

لكن المشرّع والحقوقي غسان مخيبر يصف اقتراحاً مشابهاً بـ"الهرطقة"، قائلاً لـ"المدن": "هي هرطقة قانونية.. لا شيء يحل محل السلطة القضائية للفصل بالمخالفات، لا سيما بالقضايا المتصلة بحرية إبداء الرأي والتعبير". 

حقوق الصحافيين والمحاكمات العادلة
انطلق مخيبر في اقتراحه من أن الاساس هو حماية حرية الرأي والتعبير. والى جانب رفضه الكامل لعقوبة السجن، يؤكد في الوقت نفسه أنه لا يجوز التوقيف الاحتياطي في جرائم الإعلام التي تتم بواسطة وسائل النشر، كما يمنع توقيف أي صحافي أو ناشر إذا غرد عبر حسابه الخاص أو نشر تعليقاً في صفحته الخاصة في مواقع التواصل أو في أي مؤسسة اعلامية الكترونية، كما يرفض استدعاء الاعلاميين والصحافيين الى مراكز التحقيق. 

أما المعيار الثاني فيقوم على فكرة أن المحاكم الخاصة لا تتفق بالضرورة مع مبادئ المحاكمات العادلة، بالنظر الى أن محكمة المطبوعات هي استئنافية، بينما يمكن أن يؤثر اختيار القضاة في مدى استقلاليتهم. ويشير الى ان العودة الى المبادئ العامة في أصول المحاكم، يؤدي الى إيلاء الصلاحية لكل المحاكم ولا تُحصر في واحدة، متل كل القضايا التي تؤمن حياد القضاة. ويشير الى ان العودة الى الأصول، يؤدي الى محاكمات على 3 درجات: ابتدائية واستئنافية وتمييزية، مجدداً تأكيده أن قضايا الرأي "لا تخضع للسجن الاحتياطي ولا لعقوبات السجن، وتقتصر على التعويض" في أقصى الحالات.

اختصاص القضاة
هذه المبادئ، لم تُكرس في الممارسة، لأن قضاة المحكمة يجب أن يكونوا على دراية بالموضوع وليسوا متخصصين فقط بقانون المطبوعات كمعرفة قانونية. وتشير صاغية الى انه "يجب أن يكون القضاة متخصصين في حرية التعبير ووظيفة الاعلام في المجتمع، وأيضاً في القانون الدولي كيف ينظر الى حرية التعبير وواجب المجتمع بمكافحة الفساد، وهو أمر لم نكن نراه كثيراً الا بشكل ضئيل جداً في محكمة المطبوعات، باستثناء بعض التحولات الايجابية خلال العامين الأخيرين". 

وأمام هذه الوقائع، لا ترى صاغية مخاطر في إلغاء هذه المحكمة. تقول: "لا مشكلة في تحويل القضايا الى القضاء العادي طالما ان الضمانات موجودة في قانون المطبوعات، والضمانات التي سنطالب بها لاحقاً، مثل الامتناع عن التوقيف الاحتياطي مهما كانت المحكمة التي ستنظر في القضية"، وبالتالي فإن النقاش حول ما إذا كان بقاء المحكمة أو إلغاؤها سيكون انتصاراً أو انكساراً لحرية التعبير، "يليهنا عن القضية الأهم وهي التعديلات في قانون المطبوعات". 

المبادئ.. لا شكل المحاكم
هذا المبدأ، يدفع المشرّع مخيبر للتأكيد ان أمام المشرعين في لجنة الإدارة والعدل في البرلمان، "إما الإبقاء على محكمة المطبوعات وتطوير عملها بجرائم الرأي، بحيث لا يخضع أي صحافي او غيره ينشر رأياً او معلومة بوسائل الاعلام التقليدي او في وسائط التواصل الاجتماعي للتوقيف الاحتياطي أو السجن"... وإما "إحالة الصلاحية الى المحاكم العدلية وفق الأصول المعمول بها في المحاكم مثل أي جريمة او مخالفة أو جنحة أخرى بحسب طبيعتها، حيث تخضع للمحاكم الثلاث" في اشارة الى الابتدائية ثم الاستئنافية ثم التمييزية، لضمان حقوق المتقاضين.

تطوير قانون المطبوعات
وبمعزل عن النقاشات التي تحدث عنها رئيس لجنة الاعلام والاتصالات، النائب ابراهيم الموسوي، في حزيران/يونيو الماضي، حول مقترح إلغاء محكمة المطبوعات، ثمة إلحاح على تطوير قانون المطبوعات نفسه الذي ترى صاغية أن "هناك ثغرات ومشاكل فيه".

على ضفة النص، ترى أن اللغط الأول يكمن في اعتبار أن قانون المطبوعات للصحافيين، في وقت يجب أن يكون "لأي شخص يستخدم وسائل النشر المحددة بالقانون للتعبير عن رأيه، وليس الصحافيون وحدهم، بالتالي الجميع مستفيد من قانون المطبوعات، وهذا ما يجعلنا نفكر في ثغرة أخرى في القانون".

أما بالحديث عن تعريف الصحافيين والمطبوعة، فتقول صاغية: "لا شيء في القانون يعطي الضمانة للصحافي بالمصادر الصحافية وحق الصحافي في عدم نشر ما يعاكس قناعاته". وتضيف: "الاساس هو الضمانات للصحافيين، ونطالب بضمانات أخرى لهم، فإذا كان هناك عزم على الابقاء على محكمة المطبوعات، سنطالب بأن يكون القضاة متخصصين وتذهب الدعاوى مباشرة وحصراً الى محكمة المطبوعات، ولا يذهب الصحافيون الى أماكن أخرى كنوع من العقوبة"، مشددة على ان "اي توسع في حماية حق التعبير يفيد الصحافيين وغيرهم"، لافتة الى بنود "من المفترض تكون حافزاً اضافياً لحماية الصحافيين هي غير موجودة ويجب أن نطالب بها".
________________
(*) يُنشر هذا التقرير ضمن برنامج زمالة "مشروع إصلاح الاعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان"، الذي تنفذه "مؤسسة مهارات" بدعم من الاتحاد الاوروبي. هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الاوروبي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها