الخميس 2023/10/19

آخر تحديث: 20:38 (بيروت)

هجرة نحو "تلغرام" إثر تضييق "ميتا" على محتوى غزة

الخميس 2023/10/19
هجرة نحو "تلغرام" إثر تضييق "ميتا" على محتوى غزة
(رويترز)
increase حجم الخط decrease
وسائل التواصل الاجتماعي، هي الملاذ الأخير للشعوب المناصرة للقضية الفلسطينية حول العالم، على قاعدة أن "أضعف الإيمان" هو رفض ما يتعرض له أهالي قطاع غزة من مجازر وإبادة جماعية على يد اسرائيل، ولو كان رفضاً "افتراضياً". 

"سياسات الاستخدام" للمنصات الاجتماعية وفي طليعتها فايسبوك وانستغرام المملوكتان من "ميتا"، كانت حائلاً دون هذا الدعم الافتراضي لشهداء غزة، وحالت دون وصول اصوات الفلسطينيين المحاصرين في القطاع الذين ينشدون الاستغاثة، في تضييق غير مسبوق على المحتوى الداعم لغزة، آخره ما أعلنته الشركة الاربعاء عن حصر التعليقات المتعلقة بحرب غزة بفئة الأصدقاء، تحت حجة محاربة "ميتا" لـ"خطاب الكراهية". 

لكن خلف تلك الحجة، يُمسي الخطاب الداعم للمدنيين العزّل، خطاباً داعماً لحركة حماس، المصنفة إرهابية أميركياً. ولأنه لا مهرب من سلاح وسائل التواصل طالما أن الطرف الاسرائيلي ومؤيديه يستخدمون السلاح عينه، وكي لا تسود رواية واحدة، وكي تسمع اصوات المستغيثين في غزة، كانت "هجرة" غير مسبوقة إلى "تلغرام" لناشطين ومتابعين و"محاصرين" في غزة منذ بداية الحرب، التي دخلت اسبوعها الثاني، وذلك هروباً من خوارزميات وقيود "ميتا".

يأتي هذا النزوح إلى منصة "تلغرام"، روسية المنشأ، في وقت يدخل قانون الخدمات الرقمية  للإتحاد الأوروبي قيد التنفيذ، ويرى السواد الأعظم من وسائل الإعلام الغربية، اسرائيل "ضحية"، لتغطى حرب غزة بعين واحدة، وهو ما يجعل منصات التواصل أمام امتحان جدي لمدى "حياديتها" وحرية المستخدمين فيها، ووقوفها على مسافة واحدة منهم جميعاً. 

الانحياز ليس جديداً 
سياسات "ميتا" المعروفة بـ"إرشادات المجتمع" و"سياسات الاستخدام" والتي تضبط عبر "الخوارزميات" المحتوى وفق معايير "ميتا"، تتضمن التصنيف الأميركي للمنظمات  الإرهابية، أي أنها تعتبر حركة "حماس" التي تعتبر حركة مقاومة في قطاع غزة، وهي اليوم الطرف المباشر في الصراع مع اسرائيل في القطاع، منظمة إرهابية.

لكن هذا التصنيف تخطى "حماس"، ليضيق على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية. ففايسبوك أطلق غرفة عمليات لترصد المحتوى بالعربية والعبرية المتعلق بالحرب الدائرة، وهو ما لمسه المتابعون العرب بشدة بتقييد غير مسبوق لمحتواهم الرافض للمجازر الاسرائيلية، فلجأوا الى التحايل على الخوارزميات بالكتابة بلغة عربية غير منقطة، أو بكتابة عبارات تدعم اسرائيل للتمويه، على أن يترافق بقية المنشور برأيهم الحقيقي ضدها.

وقد تتحجج شركة فايسبوك اليوم بتهديد الاتحاد الاوروبي بغرامات باهظة في حال عدم التقيد بقانونه الجديد لناحية سياسات ضبط المحتوى، لكن انحياز "ميتا" لصالح اسرائيل ليس جديداً.

في السياق، يشير خبير السلامة الرقمية عبد قطايا في حديثه لـ"المدن"، إلى أن إسكات "ميتا" للأصوات الفلسطينية موثق في فترة أحداث حي الشيخ جراح، فبضغط من شركات لبنانية عربية وعالمية على ميتا، أجرت شركة مستقلة (BSR) دراسة، أقرت فيها بأن فايسبوك مارست تضييقات على المستخدمين الفلسطينيين حينها مما قلّص قدرتهم في مشاركة المعلومات حول تجاربهم فور حدوثها. 

وإذ أعلنت "ميتا" صراحة في بيان تصنيفها لـ"حماس" ضمن لائحة الافراد والمجموعات الخطرة، علماً أنها لم تشارك لائحتها للمجموعات الارهابية سابقاً "كي لا يؤثر ذلك في السلامة والأمن" وفق سرديتها، فيأتي إعلانها علانية عن تصنيفها لـ"حماس" اليوم كتمهيد لسياستها في فترة الحرب، والتي كانت جد متحيزة ضد الداعمين لقطاع غزة. 

التمييز ضد المنطقة عموماً والفلسطينيين خصوصاً، والذي لا يمكن تغطيته بحجة محاربة خطاب الكراهية، يستدلّ عليه قطايا "من خلال السماح العام الماضي لأوكرانيا بنشر خطابها للدعوة لقتل الروس، لكن عندما تصل الحرب إلى المنطقة العربية، يصبح التضامن الإنساني ضد مجازر اسرائيل، خطاب كراهية، وهذا ليس مستغربا على ميتا، التي كشف تحقيق للجزيرة منذ فترة، استهدافها للمحتوى العربي والفلسطيني في منصات التواصل الاجتماعي بضغط من اللوبيات الإسرائيلية".

"تلغرام" ليس حلاً
ساعدت أصول منصة "تلغرام" الروسية على عدم التقيد بالسياسات الأميركية، لجهة عدم تبني لوائح لمجموعات إرهابية. فأبقى مثلا على حسابات "حماس" والمجموعات العسكرية التابعة لها في قطاع غزة، مبرراً ذلك بحق النشر والوصول للمعلومة، وتفرده بالإبقاء على هذه الحسابات بين بقية المنصات، جعل متابعة هذه الحسابات لديه تتضاعف بشكل غير مسبوق اليوم سيما مع اشتداد حرب غزة.

لكن أهم ما في المنصة، كان عدم تقييدها لمحتوى المتابعين والمستخدمين، سواء للفلسطينيين المحاصرين الذين ينقلون ما يتعرضون له من انتهاكات في القطاع، أو ناشطين داعمين للقضية أو حتى قنوات إخبارية. 

وتزيد تقنيات "تلغرام" وسهولة عرضه لـ"القنوات" أو Channels والوصول للخبر فيه، وهي ميزة يتمتع بها وبدأت "ميتا" مؤخراً بمحاكاتها في "واتساب"، تزيد من اعتباره بديلًا مثالياً لاستقاء المعلومات من الفلسطينيين في غزة، والصحافيين الذين ينقلون الخبر، وكذلك امكانية إدانة المتابعين لاسرائيل دونما بذل جهد الالتفاف على الخوارزميات كما مستخدمي شركة "ميتا".

من جهته، يؤكد قطايا أن سهولة استخدام "تلغرام"، هوّنت "الهجرة" إليه في حرب غزة، فالناس بدأت تتذمر من سياسات "ميتا"، وهي تسعى في هذا الظرف لمتابعة الحسابات بلا قيود وللنشر بلا التعرض لحذف محتواها، أو بذل جهود مضاعفة بالتحايل على خوارزميات منصة "ميتا" لدعم غزة، والحال نفسه للمدنيين المحاصرين في غزة والعاملين في الصحافة فيها، والذين لا يمتلكون ترف الوقت للتلهي بالنشر بأسلوب لا تلتقطه خوارزميات "ميتا".

قطايا لا ينكر في المقابل أن تطبيق "تلغرام" متساهل بشكل يجعله بالفعل لا يسيطر على  صفحات لمنظمات ارهابية أو أخرى داعمة لخطاب الكراهية من الجانب الاسرائيلي، أو تلك التي تروج للأخبار الكاذبة والمضللة عموماً، وذلك حتى لدى مراجعته وتقديم الشكاوى. ويستنتج بأن "تلغرام" ليس الحل النهائي، ليس فقط لكونه غير محميّ كفاية وهناك تسريبات عن بيع داتا فيه لجهات حكومية، بل أيضاً، لأنه من حق المستخدمين أن يعرضوا وجهة نظرهم بالقضايا في المنصات جميعها، ويرفضوا تقييد خطابهم، ويقدموا شكاوى لدى ميتا لحجبها محتواهم.

أبعد من نقل الخبر
أما إنشاء منصة عربية ذات معايير مناصرة للقضية الفلسطينية، فكذلك ليست حلاً نهائياً برأيه. ويسأل: "ما الهدف من إنشاء منصة لن يدخلها إلا الجمهور نفسه، بينما المطلوب هو الوصول للجمهور الآخر لصناعة الفرق المرجو والضغط المبتغى؟".

وتقف منصات التواصل اليوم عند مفترق طرق لناحية موثوقيتها بالنسبة لمستخدميها، ومع أنّ ميتا و"أخواتها" من المنصات تتلطى خلف قانون الاتحاد الاوروبي للخدمات الرقمية اليوم، وتحت مبرر أنها "منصات" وليست "صانعة للخبر"، لكن لا مهرب من الاعتراف اليوم بأن تأثيرها في الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي بات يشكل جزءاً من الدعاية وتشكيل الرأي العالمي المتحيز لاسرائيل، ودوماً على حساب مدنيي غزة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها