الأربعاء 2022/08/31

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

"خبز وملح" بين فرنجية وإعلاميين.. مَن يخرق "أخلاق المهنة"؟

الأربعاء 2022/08/31
"خبز وملح" بين فرنجية وإعلاميين.. مَن يخرق "أخلاق المهنة"؟
إعلاميون على مأدبة فرنجية (تويتر)
increase حجم الخط decrease
الأبعاد السياسية والاعتبارات الاجتماعية، التي وردت ضمن نقاشات حول لقاء إعلاميين لبنانيين مع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، لم تأخذ في الاعتبار مسألة أصول المهنة التي تخضع كالعادة لآراء مختلفة، ويذهب كثيرون الى تبرير الفعل، ضمن اعتبارات شخصية تُعطى للاجتهاد المهني. 

وليست المشكلة في لقاء الإعلاميين مع زعيم سياسي، مرشح لرئاسة الجمهورية. بل فتح اللقاء شهية غالبية المشاركين، على مدحه عبر وسائل التواصل، ليوظَّف هذا المديح في بازار الدعاية له كمرشح رئاسي.

كلمات مثل "رجولية" و"صدق" و"أخلاقيات"، قالها إعلاميون شاركوا في مأدبة إهدن، في وصف فرنجية، ليطعن زملاء آخرون في الأخلاقيات المهنية لهؤلاء، ليعود النقاش حول الخيط الرفيع الفاصل بين عمل الصحافي وعلاقاته، ويُساءل تجاوز أخلاقيات المهنة أو مدونات السلوك.


خطأ مسلكي
"خطأ مسلكي مهني مخيف"، وقد يراجع، حتى الإعلاميين المشاركين فيه، أنفسهم لاحقاً. هكذا تصف أستاذة التواصل السياسي والنوع الاجتماعي في جامعة سيدة اللويزة، ربى حلو، مأدبة فرنجية. إذ "بمجرد نشر صور لهم في مكان خاص، ونشر رأي سياسي حوله عبر مواقع التواصل، في ملف تقع حوله تجاذبات سياسية، يكونون قد عرّضوا أنفسهم للمساءلة أمام الناس، والمساءلة هنا تأتي بمعنى حق النقد".

وعلى عكس "الشتيمة غير المسموحة"، تقول حلو: "من حقنا انتقاد هؤلاء الإعلاميين، الذين يفترض بهم مساءلة السياسيين عبر تغطية إخبارية متوازنة، مهنية، منصفة ومحايدة، فيما تصبح هذه المعايير كلها ملغاة، في حالة المشاركة في مآدب مع السياسيين في إطار ما يسمّى بالصداقة، ويجري نشرها"، وتسأل: "ماذا يضمن لنا مثلاً أن يغطي الصحافي الذي تقاسم مع السياسي الخبز والملح، الأخبار المتعلقة به بطريقة محايدة؟".

وتنطلق حلو في تساؤلاتها من "مدونات السلوك" التي تحكم تنظيم المهنة، والتي تخضع لأخلاقيات مهنية، فتقول للإعلامي هذا سلوك جائز وهذا غير جائز. وبرأيها "لا يجوز أن يغطي الصحافي أخبار السياسي عندما يجتمع معه على مأدبة في إطار "الصداقة" التي تحثه على التغطية من بوابة التحيز... وهي مآدب يمكن وضعها في خانة الرشوة". وفي السياق، تسأل: "في أي إطار أتى الغداء مع فرنجية؟ وإذا كانت مأدبة عمل، هل تم إطلاع مؤسسات هؤلاء الإعلاميين على فحواها، ما يزيل عنهم هذا الخطأ المهني؟".


أزمة مؤسساتية
وتضع الحلو جزءاً من المسؤولية على المؤسسات الإعلامية التي يغيب عنها التنظيم الداخلي لأخلاقيات المهنة، من دون أن تبرر لصحافيين وإعلاميين في لبنان، خرقهم لتلك الأخلاقيات بحجة بغياب مدونة سلوك في مؤسساتهم، لا سيما أنّ "هناك مدونات سلوك أخرى جاءت كحاجة لتنظيم المهنة ويمكنهم العودة إليها في سلوكياتهم المهنية". 

وعن الشعرة التي تفصل بين حرية التعبير، وهي "شيء مقدس"، وبين تجاوز أخلاقيات المهنة، ترى أن الحرية تأتي في إطار المهنية. أما الوقوع في الخطأ، فهو وارد، والصحافي يتعلم من خبرته، وللمؤسسة دور كذلك في تدريب صحافييها وإعلامييها.

وإذ تلفت إلى استحضار أخلاقيات المهنة "غبّ الطلب"، تعتبر أنّ وضع الجسم الإعلامي المنحدر اليوم "ما هو إلا انعكاس لوضع البلد ككل، ما يحول السلطة الرابعة في لبنان إلى سلطة خاضعة، إذ بدلاً من أن يبتعد الصحافي عن صداقة السياسيين، نراه صديقاً لهم".

المشكلة ليست في المأدبة
الكاتب السياسي ورئيس تحرير نشرة الأخبار في LBCI، جان فغالي، يعتبر في حديث لـ"المدن" أن هذا النوع من اللقاءات على مآدب غداء أو عشاء "يحصل في لبنان كل يوم تقريبا ًوأكثر من مرة في اليوم"، معتبرا أنّ الضجة التي حصلت على هامش مأدبة فرنجية، "مفتعلة"، بدليل أنّ "معظم الذين هاجموا هذا اللقاء هم من تيار سياسي على خصومة مع فرنجية، ومن بينهم إعلاميون هاجموا إعلاميين من التيار نفسه". 

والمشكلة ليست في المأدبة في حد ذاتها، بالنسبة لهذا التيار، بل في الجهة التي أقامت المأدبة، بحسب فغالي الذي يذكّر بأن "رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، أقام أكثر من مأدبة لإعلاميين، سواء في اللقلوق أو البترون، ولم تحصل ضجة كالتي حصلت حول مأدبة فرنجية". ويعتبر أن المشكلة الحقيقية هي في مكان آخر، وتكمن في أنّ بعض الإعلاميين، يطبّلون ويزمّرون لسياسي، أو يهاجمونه، وذلك بمأدبة ومن دون مأدبة، لكن لا ننسى المثل الشعبي القائل: طَعمي التمّ بتستحي العين".


الحالة الإعلامية في لبنان
وفي معرض ربط هذه السلوكيات بالحالة الإعلامية اللبنانية، يفند فغالي أسباباً ثلاثة تمهد لتجاوز الصحافي أخلاقيات المهنة، فيقول: "في كل دول العالم المتقدم، هناك أخلاقيات إعلامية وتعريف واضح لها، لكن لا تعريف واحداً لأخلاقيات مهنة الإعلام في لبنان، ما يجعل الصحافي يتحرر من هذا المصطلح، ويستنسب منه ما يراه مناسباً، وصولاً إلى تحرر البعض كلياً مما يسمى أخلاقيات اعلامية".

كما أنّ الأخلاقيات الإعلامية، في رأيه، تنبع من الشخص نفسه، "فالصحافي الملتزم بالقيم الإعلامية، تعكس كتاباته تلك الأخلاقيات بدرجة كبيرة، على عكس كتابات غير الملتزم بها".  أما المستوى الثالث، بحسب فغالي، فهو القوانين مرعية الإجراء، وهي "نظرية" في جزء كبير منها، أما التطبيقي منها فقديم جداً، مشدداً على أن "المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الصحافي في ما يتعلق بتحديد أخلاقيات المهنة الإعلامية".

سياسات المؤسسات أولاً
ولا يغفل فغالي سياسة كل مؤسسة إعلامية. في BBC مثلاً، يُمنع الصحافيون من الإدلاء بآرائهم عبر مواقع التواصل، منعاً للتحيز. لكنّ التعبير عن الرأي شيء، والتصرف بعكس سياسة الوسيلة شيء آخر، وهذه سياسة نراها في "واشنطن بوست" و"لوموند" وغيرها، والمثل الصارخ لبنانياً هو ما حصل أخيراً مع الصحافي رضوان عقيل، وما صدر عن جريدة "النهار" حوله.

والسياسيون هم مصادر سرية لمعلومات الصحافي في كثير من الأوقات، فنسأل فغالي عن حدود العلاقة بين السياسي والصحافي، فيجيب: "لا وسيلة إعلامية تمارس القمع على نفسها والعاملين فيها، فهي كلما كانت حرة، كلما تنوعت مصادر معلوماتها".

أما في لبنان، فلا فصل بين الفوضى والحرية. فبعض الصحافيين قد يؤلف الأخبار وينسبها إلى مصادر معينة، فيستخدم العاملون مؤسساتهم لمهاجمة خصومهم بالسياسة، ويقحمون تلك المؤسسات بتهمة فبركة الأخبار وغيرها... من هنا، تقتضي المهنية التفاهم مع رئيس التحرير، ليس للكشف عن مصدر المعلومة، بل للتأكيد على مصداقيتها.

فقدان الصحافي لمصداقيته
الإعلاميون والصحافيون، يتخرجون من جامعات تدربهم على أخلاقيات المهنة. تقول الأستاذة الباحثة في الجامعة اللبنانية في علوم الإعلام والاتصال، الدكتورة مي العبدالله، إن هناك ثوابت في أخلاقيات المهنة لا يمكن الحياد عنها، وفي طليعتها المصداقية والموضوعية...

و"المسؤولية المجتمعية" تفرض على الإعلامي الحد الأدنى من الاعتدال في مواقفه، وعدم الانحياز لجهة دون أخرى، فمواقفه تؤثر في المجتمع، وفي قيم الناس وأخلاقياتهم، من هنا خطورة هذا التأثير وأهميته.

هذه الصورة وجب احترامها والتنبه لها، في رأي العبدلله. فمع تنظيم المهنة عالمياً، صارت لها مواثيق شرف وقواعد وقوانين وهيئات رقابية وجامعات تعلّم أصولها، وتمنع الإعلامي من التصرف كأي شخص آخر، فهو موضع انتقاد الجميع، لا سيما في زمن السوشال ميديا، ما يتطلب منه تحكيم عقله في مواقفه والتحصن بالثقافة، لا الانجرار لانفعالاته وعواطفه، فهو يؤثر في مجتمعه ويُحاسب على كل خطوة يخطوها، خصوصاً في تغطية الأخبار المتعلقة بالشأن السياسي.

أما تحيّز الإعلامي/ة، "فيجعلنا نصنفه وفق انتماء معين، ويفقده صفة الإعلامي ليصبح موظفاً لدى السياسي الذي يتحكم في الوسيلة الإعلامية، فيفقد مصداقيته، بينما الإعلامي الصحيح هو الدقيق في معلوماته، والذي يبني مواقفه بالحكمة والمعرفة والحقيقة، وليس بالانجرار للعواطف والإشاعة وعدم الدقة، وإلا فقَدَ دوره".


إعلام "غير أخلاقي" 
عندما تغيب القوانين ويغيب النظام العام، تصبح مسؤولية وسائل الاعلام إيجاد ميثاق داخلي لتنظيم المهنة، في رأي العبدلله، ما يحتم مسؤوليتين: الأولى على الإعلامي نفسه من خلال الرقابة الذاتية، والثانية على أصحاب المؤسسات الذين يفرضون ميثاقاً داخلياً يعممونه على العاملين في هذه المؤسسات، في ظل غياب الدولة وجهاتها الرقابية.

أما في ظل غياب إعلام حر وتكريس حالة "الفوضى" لبنانياً، فمن الطبيعي أن تتوقع إعلاماً غير أخلاقي، لا سيما مع امتلاك المؤسسات الإعلامية من قِبل سياسيين لديهم مصالحهم التي لا تلتقي مع مصالح الناس، ولا يعبأون بإعلام يوصل الحقيقة للناس، بل يحكّمون مصلحتهم الخاصة على حساب العامة.

في الحلول
على مستوى الحلول، يرى فغالي أن المطلوب "ورشة طويلة عريضة"، فالمهنة توسعت وتشعبت كثيراً منذ وضع قانون الإعلام العام 1994 حتى اليوم. فيما تلفت الدكتورة عبدالله إلى "أننا عملنا ونعمل على قانون إعلام يلبي التحديات لا سيما دخول الميديا الجديدة في هذه المهنة، وهناك حاجة ماسّة إلى وسائل إعلام موضوعية لا يكون السياسيون مموليها، ما قد يتطلب عودة للاعتماد على الإعلانات والتمويل من قبل ممولين لا مصالح سياسية لديهم".

الحلو بدورها، ترى أنّ تنظيم هذه المهنة يجب أن يأتي من الصحافيين أنفسهم، فهم الذين يعرفون أساسيات هذه المهنة، ليترافق ذلك مع تنظيم ذاتي لوسائل الاعلام ينبع من المؤسسة وصحافييها، وهو ما يساعد السلطة الرابعة في التحرر من "خضوعها".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها