الجمعة 2022/06/03

آخر تحديث: 15:58 (بيروت)

تيم حسن يهنّئ جوني ديب.. فكيف نصدق الناجيات؟

الجمعة 2022/06/03
تيم حسن يهنّئ جوني ديب.. فكيف نصدق الناجيات؟
تيم حسن وجوني ديب
increase حجم الخط decrease
بدا ملفتاً حجم المتابعة العربية لقضية جوني ديب وآمبر هيرد، والتي انتصر فيها ديب في النهاية بعدما تبين للمحكمة كذب ادعاءات هيرد بشأن العنف الذي زعمت أن ديب مارسه ضدها.

المتابعة العربية للقضية لم تأت فقط بسبب شهرة طرفي الادعاء فيها، بل لأنها قضية تطرح العديد من الأسئلة تمس قضايا العنف المنزلي والتحرش والاغتصاب. فمنذ انطلاق حملة "me_too" في الولايات المتحدة، والتي نشرت خلالها نساء تعرضن للتحرش قصصهن، ظهر خلاف حول من هي الجهة التي تحدد ما إذا كانت المرأة قد تعرضت فعلاً للتحرش؟ أو ما إذا كانت تدعي ذلك للحصول على مكاسب مالية أو لكسب الشهرة أو لتدمير رجل معين؟ ثم ما هي الحدود الفاصلة بين التحرش وبين الغزل؟ المزاعم نفسها قد تنطبق على العنف المنزلي وعلى قضايا الاعتداء الجنسي.

انتصار ديب في القضية على هيرد، احتفى به العديد من الرجال في العالم العربي في مواقع التواصل، معتبرين أنه انتصار للقضاء على العديد من النساء اللواتي يسعين لنيل الشهرة أو المال أو الانتقام من الرجال. جزء من هؤلاء المحتفين بانتصار ديب، مجموعة من المشاهير العرب الذين ربما يرون أنفسهم هدفاً لنساء يسعين لاستغلالهم، مشاهير مثل تيم حسن ومحمد هنيدي سارعوا إلى تهنئة جوني ديب بانتصاره.


صودف توقيت قضية ديب وهيرد مع ظهور قضية تحرش في لبنان، حيث قامت الضحية زينب الديراني بنشر قصة تعرضها للتحرش من قِبَل أحد العاملين في المجال الاعلامي ومع جمعيات حقوقية في المجتمع المدني، قام باستدراجها إلى منزله وتحرش بها جسدياً، فتيات أخريات سارعن إلى نشر مواقف مشابهة تعرضن لها من قبل الشخص نفسه. سرعان ما أقدمت الجمعيات التي ينتسب إليها المتحرش "ح.م." إلى طرده، وأصدقاؤه في مواقع التواصل قاموا بحظره، أشخاص آخرون قاموا بحظر ومقاطعة أي شخص يبدي تعاطفه مع مهدي وذلك تحت شعار "نصدق الناجيات" ولا داعي لأي أدلة أو براهين، ما وصفه البعض بالإعدام الاجتماعي للشاب.

بعيداً من أضواء مواقع التواصل الاجتماعي، كان النقاش دائراً، بين الرجال بشكل خاص، حول ما هي العقوبة العادلة للتحرش؟ ومن هي الجهة المخولة تحديد المذنب والبريء؟ وهل يحق لأي امرأة إعدام رجل ما اجتماعياً عبر كتابة منشور في "فايسبوك" تزعم فيه تعرضها للتحرش؟ وأخذ هؤلاء العبرة مما حصل بين ديب وهيرد.

خلال الأيام الماضية، منذ كتابة ديراني لمنشورها في "فايسبوك"، استمعتُ للعديد من شهادات ضحايا العنف الجنسي الذي مارسه رجال على نساء في لبنان، بين تحرش واغتصاب أو ضرب. معظم ضحايا العنف الجنسي ما زلن يلتزمن الصمت حتى اليوم، مخافة ألا يصدقهن أحد، أو أن يجلدهنّ المجتمع، كما حصل في العديد من الحالات حيث اتُّهمت الضحايا بالكذب (لا ننسى الأب منصور لبكي ومروان حبيب اللذين أفلتا من القضاء اللبناني وتمت إدانتهما في محاكم فرنسية وأميركية). والسبب الآخر هو غياب منظومة الحماية الاجتماعية والهيكلية القانونية لتحديد مسار التصدي للعنف القائم على الجندر والتي يفترض بأن يؤمنها المجتمع والدولة والقانون للناجيات من الاعتداءات الجنسية.

مع معرفة أن هذه المنظومة مؤمّنة، أقله بحدها الأدنى، في الولايات المتحدة الأميركية، تصبح مقارنة قضايا التحرش والاغتصاب بين لبنان وأميركا بعيدة عن المنطق. ففي حين استغرقت محكمة جوني ديب وآمبر هيرد بضعة أسابيع قبل النطق بالحكم، فإن العديد من قضايا التحرش والاغتصاب والعنف المنزلي ما زالت نائمة في المحاكم اللبنانية منذ سنوات. ليس بعيداً منا ما حصل مع المتحرش مروان حبيب الذي تم إلقاء القبض عليه في الولايات المتحدة بعدما تركه القضاء اللبناني يصول حراً في المجتمع حاملاً قضيبه. ليس بعيداً أن المحكمة لم تعقد حتى الآن جلسة واحدة للنظر في القضية التي رفعتها الإعلامية لونا صفوان ورفيقاتها بدعوى تحرش واغتصاب ضد جعفر العطار على الرغم من مرور أكثر من عام. ليس بعيداً أن أستاذاً مدرسياً في طرابلس تحرش بتلميذاته ولم تزد عقوبته عن السجن عشرين يوماً.

تتكرر القصص لدرجة أن الانطباع الذي يولد لدى السامع هو أن الفتيات كلهن من دون استثناء خضن التجربة المُرّة للاعتداء الجنسي. هذه بعض من القصص بأسماء مستعارة لأصحابها: تعرضت كاتيا للتحرش من قبل خالها حين كانت صغيرة، مازالت تلتزم الصمت إلى اليوم. ماري تعرضت للاغتصاب، ثبّت المغتصب معصميها إلى الأرض واغتصبها، لم يصدقها أحد حين سردت قصتها، فقررت العض على الجرح والسكوت. رنا، اللاجئة السورية، تعرضت للاغتصاب من قبل أحد العاملين في جمعية تعنى بمساعدة اللاجئين السوريين وهددها بقطع المساعدات عنها في حال نشر الخبر. تعرضت جنى للتخدير في إحدى الحفلات والاغتصاب، فيما بعد، حملت من مغتصبها وأجهضت، أبقت الأمر سراً حفاظاً على سمعتها.

تجد النساء اللبنانيات أنفسهن أمام حائط مسدود، فلا قوانين وأنظمة تحميهن في حال تعرضن للاعتداءات الجنسية ولا مجتمع يساندهن، بل على العكس من ذلك، يلوم المجتمع الضحية ويجلدها، مع كل حالة اغتصاب أو تحرش، نجد أحدهم يسأل "لماذا وافقت على الذهاب إلى منزله؟" أو "لماذا ترتدي ثياباً فاضحة". أمام هذا الواقع، تلتزم الضحايا الصمت. قلة قليلة تظهرن بين فترة وأخرى. يستجمعن الكثير من الشجاعة، يكتبن نصاً في مواقع التواصل، يغمضن عيونهن وينشرن. يعرفن جيداً أن تبعات النشر أكبر بكثير من أي كسب مادي أو انتقام أو شهرة، لكنهن ينشرن، إذ لم يعد في مقدورهن العيش مع الأذى لوقت أطول بينما يصول الجاني ويجول في المجتمع باحثاً عن ضحية أخرى. على الأرجح، لا ينشرن لأجلهن، بل من أجل الفتاة التالية التي ستصلها رسالة من التحرش في "فايسبوك"، استلزم زينب ديراني سبع سنوات من استجماع الجرأة حتى تكتب قصتها وتنشرها.

لم يحدث إلى اليوم في لبنان، أن قامت فتاة بفضح تحرش شاب بها ليتبين لاحقاً أن القضية مزيفة. كل القصص كانت حقيقية. فتبعات أن تكون الفتاة ضحية اغتصاب أو تحرش أكبر من أن تستطيع تحملها من أجل بعض المال أو الانتقام، هناك الوصمة والعائلة وذكورية اجتماعية مترسخة ليس في نفوس الرجال فحسب، بل في نقوس العديد من النساء أيضاً، مع ذلك يحاجج الكثير من الرجال بأن ما تفعله الفتيات مجحف بحقهم.

لا تجد النساء أمامهن سوى إعلان الحرب على كل المعتدين جنسياً، الذين يعيث الكثير منهم فساداً في مجتمعنا الآن، السعداء لنجاتهم بفعلتهم، مستندين إلى مجتمع وقوانين تقف في صفهم. هل سيكون هناك ضحايا أبرياء من الرجال؟ بالطبع سيكون، ولا بأس بذلك، فلنتحمل نحن الرجال مسؤولية قوانين سنّيناها وفق أهوائنا وفرضناها منذ مئات السنين، فلنتحمل وزر ما اقترفته أيدي بعضنا بحق النساء، نحن الذين لدينا رفاهية النقاش في ما إذا كان تصديق الناجيات عادلاً أم لا، بينما هو سلاح النساء الوحيد بمواجهة المعتلين نفسياً بيننا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها