الجمعة 2022/04/08

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

أطفال فرنسا يحاورون المرشحين للرئاسة... ويقترعون أيضاً

الجمعة 2022/04/08
أطفال فرنسا يحاورون المرشحين للرئاسة... ويقترعون أيضاً
increase حجم الخط decrease
دفع الاستحقاق الرئاسي الفرنسي بقناة C8 إلى إنتاج موسم جديد من برنامج Au Tableau الذي اشتهر لبنانياً بـ"دق الجرس". تقوم فكرة البرنامج على استضافة شخصية عامة لتردّ على أسئلة واستفسارات مجموعة من الأطفال تتراوح اعمارهم بين 8 و12 عاماً. 
في هذا الموسم الأخير، وُجهت الدعوات لمرشحين للرئاسة حصراً، ليخوضوا تحدياً اعلامياً يختلف جذرياً عن البرامج الحوارية التقليدية.
  

فالأسئلة لن تصدر عن صحافيين متمرسين في المهنة، يتبنون خطاً تحريرياً ما، إلى جانب تصور مدروس لمسار الحلقة ومَحاورها. الحلقة برمتها قائمة على العفوية وتجاوز كل الخطوط الحُمر، فأعمار المحاورين لا تترك للضيف مجالاً للتململ أو الامتعاض أو حتى الانسحاب.  وبكل رحابة صدر، على الضيف مواجهة سلسلة من الأسئلة السياسية والشخصية الجريئة بمضمونها وأسلوب صياغتها. أسئلة مباشرة لا تحتمل لفاً ودوراناً في الاجابة وقد تؤدي إلى سجالات سياسية - إعلامية، كما جرى بعد اتهام جبران باسيل لوزير المالية علي حسن خليل بتعطيل مشروع دير عمار ما استدعى رداً من الأخير. وفي أحيان أخرى قد تبدو الأسئلة شديدة البساطة، لكنها تعكس جوانب من شخصية السياسي لتصل إلى حد تعريته، تماماً مثلما سُئل سعد الحريري عن سعر ربطة الخبز. 


لكن الغاية من إعادة إطلاق النسخة الفرنسية على أبواب الانتخابات تتعدى الترفيه، أو كونها إطلالة إعلامية تتيح للمرشح تسجيل نقاط إذا ما أجاد قواعد اللعبة. من وجهة نظر تربوية، هي فرصة لغرس حس المواطنة في نفوس الأطفال الفرنسيين وجعلهم فاعلين منذ الصغر. 

فإلى جانب هذا الموسم الجديد من Au Tableau، أُطلِقت مبادرة حملت عنوان Enfants2022 (أطفال 2022) تتيح لمن هم دون 18 عاماً التصويت إلكترونياً لأحد المرشحين الـ12 للرئاسة الفرنسية، على أن تعلن نتائج هذا الاقتراع بالتوازي مع صدور النتائج الأولية للدورين الأول والثاني، أي يومي 10 و24 نيسان عند الثامنة مساءً.  ولم يكتف القيمون على المبادرة (من أساتذة مدرسيين وأخصائيين تربويين) بإنشاء موقع إلكتروني للتصويت، بل عمدوا إلى نشر مواد تسهل على الأطفال الفرنسيين استيعاب برامج المرشحين وما ينتظر فرنسا من تحديات.

ولئن كانت هذه المبادرة جديدة، الا ان الإعلام الفرنسي كان واظب بالتنسيق مع اخصائيين تربويين، على نشر مواد لإرشاد أولياء الأمور إلى كيفية الاجابة على أسئلة اولادهم في المواسم الانتخابية.

ينطلق معدو هذه المواد، الورقية والإلكترونية، من فكرة أن الأطفال يتأثرون حكماً بالمناخ الانتخابي في البلاد: من صور المرشحين في الأماكن العامة إلى التغطية الإعلامية وما يتبادر إلى مسامعهم من أحاديث في "مجالس الكبار". وتعدد المواد لا يلغي وجود إطار عام مشترك في ما بينها: يُجمع التربويون على ضرورة عدم تهرب الأهل من الإجابة على اسئلة أولادهم بذريعة "افتقادهم للقدرات الذهنية اللازمة لاستيعاب تعقيدات المعركة الانتخابية"، ولا إحالة النقاش إلى سنوات لاحقة بانتظار نضوجهم، فالأطفال هم المبادرون عادة إلى فتح باب الحوار هذا مع أهاليهم وهو جزء هام من مسار توطيد الروابط الأسرية.

وعليه يُطلَبُ من الأهل تبسيط المسائل بما يتناسب مع كل شريحة عمرية: عوضاً عن تناول "مكافحة الإرهاب والتطرف"، يُفضل الحديث عن "دور الشرطة في توفير الأمان والقبض على الأشرار". كما يجب التنبه للمواضيع المطروحة، فقضايا العدالة الاجتماعية والفقر تحاكي المراهقين، فيما تناولها مع من تقل أعمارهم عن العاشرة قد يدفعهم إلى الاكتئاب لسوداوية المشهد.

ويعتبر أصحاب الاختصاص أن المنزل والأسرة هي النواة الأساسية لتأهيل الطفل سياسياً وغرس حس المواطنة في داخله، بشرط استخدام الأدوات السليمة من وجهة النظر التربوية: التفاعل معهم هو لتنمية الحس النقدي لديهم فقط، فالعملية ليست توريثاً لقناعات أولياء أمورهم.  فعلى الأطفال أن يدركوا منذ نعومة أظفارهم أن ميول أهاليهم السياسية تحتمل الصواب كما الخطأ، ما يحتم انتقاء المفردات بعناية: عند التطرق لمرشحهم المفضل، على الأهل استخدام عبارات مثل "من وجهة نظري ..." أو "شخصياً أميل إلى ... "، والأهم هو الابتعاد عن شيطنة الخصوم كالقول "هذا/هذه المرشح/ة الشرير/ة" أو "لا يجب التصويت له/لها".

وتنمية الحس النقدي ليست مجرد فعل سياسي، ففي عدد من المقابلات الصحافية استطرد بعض الأخصائيين، معتبرين أن محاولة الأهل فرض قناعاتهم على أولادهم قد ترتد سلباً عليهم لدى بلوغهم سن المراهقة، خصوصاً إذا ما تبنوا خيارات سياسية مختلفة كسبيل لمواجهة السلطة العائلية. وإذا ما لاقى الأهل صعوبة في الالتزام بالإرشادات التربوية المذكورة آنفاً، يمكنهم الاستعانة بالمجلات والكتب الموجهة للأطفال التي تتناول آلية عمل مؤسسات الدولة ودور رئيس الجمهورية، كما مسار العملية الانتخابية ومختلف محطاتها. ولا تتردد المواقع الالكترونية والوسائل الإعلامية في إرشاد الأهل إلى هذه الإصدارات في المواسم الانتخابية، من رئاسية وتشريعية ومحلية. وتبقى النصيحة الأهم التي يجري اسداؤها إلى أولياء الأمور هي اصطحاب اولادهم إلى مركز الاقتراع ليشاهدوا بأمّ عيونهم عملية التصويت. ولا مانع حتى من مرافقتهم إلى داخل العازل والسماح لهم بإسقاط ورقة الاقتراع داخل الصندوق.

من الواضح أن تنمية حس المواطنة وغرس مفهوم الديموقراطية في نفوس صغار السن، ودفعهم إلى التفاعل مع البيئة السياسية، ليست بالمسائل المُنزلة من السماء، ولا هي تنمو مع جينات بعض سكان العالم دون غيرهم، كما يروج أنصار الديكتاتوريات العربية وقولهم "الديموقراطية لم تُخلق لنا". من الملحّ أن يطلعوا بدورهم على هذه الإصدارات، فالمقصود هو العمر العقلي وليس الزمني. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها