الجمعة 2022/04/29

آخر تحديث: 19:42 (بيروت)

"كسر عضم".. ذكورية وتحرش لا تخفيها التبريرات

الجمعة 2022/04/29
"كسر عضم".. ذكورية وتحرش لا تخفيها التبريرات
increase حجم الخط decrease
قبل أن يبدأ موسم رمضان، سلطت الصفحات السورية المتخصصة بالدراما، الضوء على مسلسل "كسر عضم" وغالت في مديحه، ووصفته بأنه المسلسل الذي أعاد للدراما السورية تألقها قبل أن يُعرض.. 

وراحت في كل يوم تؤكد على هذا الحكم المسبق، الذي لم يعترض عليه الجمهور إلى أن عرضت الحلقة السادسة؛ التي مرّ فيها مشهد صادم، حين تعرضت إحدى الشخصيات للتحرش من قبل مجموعة من الشباب في الطريق، لينتهي بها الأمر موقوفةً في مخفر الشرطة بعد تحميلها مسؤولية ما حدث! 

هذا المشهد الذي تم فيه توبيخ الضحية وتحميلها المسؤولية عن التحرش بها، والذي اتفقت فيه عائلة الضحية مع الشرطة بالحكم على تصرفات الضحية التي لا تليق بفتاة محترمة أو بـ"بنت العيلة" كما وصفوها؛ كان القشّة التي قسمت ظهر البعير، لتعلو أصوات منتقدي المسلسل بعدها في وسائل التواصل الاجتماعي، وتنقلب عليه الطاولة. 

حملة الاستياء الواسعة التي ضربت "كسر عضم" في السوشال ميديا، دفعت المؤلف علي معين صالح، للرد عبر مواقع التواصل، حيث ذكر أن الخطأ في المشهد كان في اختيار لباس الممثلة، فاللباس لم يكن مثيراً بما يكفي، على حسب تعبيره، ولا يتحمل هذه الضجة التي حدثت، مع العلم أن الممثلة كانت ترتدي بنطالاً جلدياً و"تيشيرت" عادية.

لكن هذه التصريحات لم تعالج المشكلة، بل أكدت الخلل في رؤية الكاتب لقضية التحرش وانعدام حساسيته اتجاهها؛ فبيانه لا تمكن قراءته بطريقة مختلفة، حيث بدا مؤمناً تماماً بأن اللوم في قضايا التحرش يقع غالباً على المرأة الضحية، والمشكلة في المشهد، الذي أثار الجدل، لا تتعدى كونها اختلافاً بدرجة جرأة الثياب التي تبرر التحرش! 

رشا شربتجي ردت على الجدل الدائر بدورها، حين كتبت: "المشهد الذي أثار الجدل اليوم في الحلقة السادسة عن تعرض صبية في الطريق للتحرش لا يبرر بتاتاً للمتحرشين فعلتهم، فالمتحرش هو شخص "أزعر وطائش ومريض" لا يهمه لباس الفتاة سواء كان مثيراً أم محتشماً، فلطالما سمعنا عن محجبات تعرضنَ للتحرش أيضاً..إلقاء اللوم على الصبية من قبل أختها ورائد الشرطة هو تشريح للواقع الذي يعيشه مجتمعنا الذكوري والذي يضع اللوم على الفتاة ويتغاضى عن جريمة المتحرش..".

تصريحات رشا شربتجي واعتذارها، أمر من المفترض نظرياً أن يُحسب لها، إلا أن متابعة المشاهد المرتبطة بشخصية الضحية في المسلسل، قبل حادثة التحرش وبعدها، تثبت أن تصريحاتها لم تكن سوى محاولة لحفظ ماء الوجه أمام جمهورها الغاضب؛ حيث سبقت حادثة التحرش مشاهد حوارية في الحلقة الخامسة، تحذر فيها الأخت الكبرى (نادين تحسين بيك) أختها من ارتداء اللباس المثير وتحذرها من العواقب.. وفي الحلقات التالية يتم التأكيد على الأمر ذاته: "المرأة تدفع ثمن استهتارها وعدم التزامها عندما يتم التحرش بها"! وهو أمر تؤمن به الضحية في النهاية، التي تعترف بمشهد لاحق بغلتطتها لأنها لم تكن محتشمة! لتبثت كل التفاصيل أن الحملة ضد المسلسل كانت مشروعة، وأن المتابعين لم يقعوا بفخ سوء الفهم كما أشار صانعوه. 

وتؤكد تصريحات رشا شربتجي التفكير الذكوري الذي بُني عليه العمل؛ حيث ظهرت رشا شربتجي قبل بدء الموسم الرمضاني، بمقابلة مع منصة "ميديا ميكس" من كواليس مسلسل "كسر عضم"، لتتحدث عن  تفاصيل عملها الجديد؛ لكن الحديث انجر بشكل مفاجئ إلى توصيف أعمال رشا شربتجي، حين ذكرت: "أنا أكثر مخرجة قدمت أعمالاً ذكورية"، مؤكدةً أن الجمهور تململ من طرح قضايا المرأة، وأن قضايا الرجل أهم بكثير، وتفاخرت أن أعمالها تتحدث عن مشاكل الرجل والإهانات التي يتعرض لها في الوقت الحالي، وبحسب وصفها أن تلك المشاكل تحمل ألم ووجع أكبر بكثير من الأعمال التي تطرح قضايا المرأة".


النَّفَس الذكوري ازداد حدةً مع توالي حلقات مسلسل "كسر عضم"، لكن التعليقات حول القضية تضاءل صداها بسبب ما أثير حول المسلسل من قضايا أخرى، تتعلق بحقوق المؤلفين المنتهكة في سوريا، إذ أن المسلسل ما هو إلا نسخة معدّلة عن مسلسل "حياة مالحة" لفؤاد حميرة، والذي باعه لشركة الإنتاج قبل 11 سنة وبقي حبيس الأدراج. 

تتجلى ذكورية المسلسل في أوجها بالأفكار المتعلقة بمفاهيم الشرف والتطهير، ففي إحدى حكايات المسلسل الهامشية، تُسرد قصة امرأة غُرر بها لتصوير مقاطع جنسية، فتقوم بقتل من خدعها وتدخل للسجن؛ حيث تبدأ تسعى للانتحار، فتطلب من إحدى زميلتها في السجن أن تخنقها بالمياه، فهي تريد الانتحار غرقاً لأنها ترغب بالتطهر، ظناً أن هذه النهاية قد تقربها من أسطورة "أوفيليا"، نسبة لشخصية أوفيليا في مسرحية "هاملت" لشكسبير، التي تموت غرقاً كدلالة على الطهارة. لكن فعلياً هذا المشهد، وكل ما يُذكر في المسلسل حول التطهر من الآثام المتعلقة بالشرف، لا يختلف من حيث المبدأ عن الدوافع الكامنة وراء جرائم الشرف.

ومع اقتراب مسلسل "كسر عضم" من نهايته، لا بد من الإشارة إليه بوصفه واحداً من أكثر المسلسلات السورية التي أثارت الجدل في الأعوام الأخيرة، فرغم الانتقادات الكبيرة التي طاولت المسلسل أثناء عرضه، إلا أن عدداً كبيراً من المتابعين دافعوا عنه بتعصب، وتبنوا المسلسل بكل ما فيه، بطريقة لم نشهد لها مثيل في الأعوام السابقة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها