الأربعاء 2022/02/09

آخر تحديث: 16:34 (بيروت)

"عالحدّ": الشرطة اللبنانية متخاذلة.. واللاجئون السوريون ضحية؟

الأربعاء 2022/02/09
"عالحدّ": الشرطة اللبنانية متخاذلة.. واللاجئون السوريون ضحية؟
سلافة معمار ليست مثالية.. وهذا ما يجعل الدراما أقوى وأصدق
increase حجم الخط decrease
تبدأ أحداث مسلسل "عالحدّ" الذي عُرض أخيراً عبر منصة "شاهد"، بلقطة بطيئة وصادمة لفتاة تسير ليلاً في أحد أحياء بيروت الفقيرة، يلاحقها رجل ملثّم ويقوم باصطيادها ليتحرش بها؛ ليعلن المسلسل منذ البداية أنه مختلف عن باقي المسلسلات العربية المشتركة. فالعمل الذي كتبته لبنى حداد، وأخرجه ليال راجحة، يسلط الضوء من دون مقدمات على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في لبنان، بمن فيهن اللاجئات السوريات، ليناقش برؤية جديدة قضايا مجتمعية مهمة ومهملة في هذا النوع من الدراما، بما فيها قضية العنصرية المتبادلة بين العائلات اللبنانية والسورية المقيمة في لبنان.

في زوايا الحي المظلمة، يمارس المتحرش جرائمه من دون أن يتمكن السكان من اكتشاف هويته، ومن دون أن يقوم رجال الشرطة ببذل أي جهد يُذكر لمعرفة الجاني. ولا تنتهي حالة الرعب التي تعيشها نساء الحي إلا بعد أن تقوم إحدى الضحايا بقتل المتحرش دفاعاً عن نفسها؛ وهي الصيدلانية "ليلى" (سلافة معمار)، التي تُفاجأ في تلك اللحظة أن المتحرش هو شاب من الحي معروف بحسن سلوكه ومقرّب من عائلتها، لتشكل تلك اللحظة صدمة قاسية لها، تجعل مسار حياتها ينقلب رأساً على عقب.


وعليه، تتحول ليلى تدريجياً إلى قاتلة متسلسلة، لا تتوانى عن قتل أي رجل يؤذي النساء، لتتضمن لائحة ضحاياها متحرشين ومغتصبين ومعنفين. ويرسم العمل من خلال تحولات شخصية ليلى، صورة قاسية عن العدالة النسوية المفقودة في الدراما الواقعية.

المثير للاهتمام في المسار الذي تتبعه شخصية "ليلى" أن كل شيء يبدو فيه حتمياً؛ فبعد أن تكسر حاجز الخوف بارتكابها الجريمة الأولى ستجد نفسها في طريق لا رجعة فيه، فهي تملك كل الدوافع اللازمة للتحول إلى قاتلة متسلسلة، بسبب سخطها على الظلم الذي تتعرض له النساء في مجتمع ذكوري عنيف تعيش فيه، وبسبب سخطها على القوانين التي لا تضمن للنساء أي حقوق وتتغاضى عن كل الانتهاكات التي يتعرضن لها. وشهدت إهمال الشرطة لشكواها ضد المتحرش، الذي قتلته في وقتٍ لاحق.

هو اتهام يوجهه المسلسل للقوى الأمنية والنظام القضائي اللبناني، يستدعي النقاش والرد، ويُظهر للمرة الاولى، درامياً، هذه الحملة على الأجهزة الرسمية اللبنانية، الى حدود اتهامها بالتقصير. 

على أن تتابع الأحداث يبيّن أن "ليلى" لم تكن شخصية تميل للعنف أو تفضل أن تنال حقها بيدها، لكنها اتخذت مسار الجريمة بعدما أدركت أنها الطريق الوحيد لتحقيق العدالة من وجهة نظرها. ومن خلال كل جريمة ترتكبها "ليلى"، يتم تسليط الضوء على قضية نسوية مرتبطة بالواقع اللبناني الراهن؛ حيث تفضح الجريمة الثانية عقم القوانين المطبقة في لبنان، كلما ارتبط الأمر بالضحايا من اللاجئين؛ وذلك عن طريق حكاية صاحب الصيدلية الذي يتاجر بالمخدرات ويغتصب الطفلة السورية "تلجة" التي تخاف الإبلاغ عن مغتصبها لأنها تدرك أن السلطات اللبنانية لن تهتم سوى لموضوع عدم امتلاكها لأوراق إقامة نظامية. 

كما يتم تسليط الضوء على جرائم العنف الأسري بحق النساء في لبنان، وكيف لا يتم التعاطي فيها بجدية، من خلال الحكاية الثالثة، التي تقتل فيها "ليلى" جارها على خلفية تعنيف زوجته بشكل دائم حتى تسبب بموتها. هذه الأفكار تناقشها "ليلى" في كل مرة، وتصدمها القوانين والدور الذي تؤديه الشرطة في كل مرة، قبل أن تقرر لعب دور "تطبيق العدالة".  

ومن الأمور الإيجابية في المسلسل الذي يؤدي أدوار البطولة فيه كل من سلافة معمار، رودريغ سليمان، صباح الجزائري وعلي منيمنة، أن شخصية "ليلى" تمت صياغتها بصورة متوازنة. فهي ليست البطلة المثالية، وإنما هي شخصية من لحم ودم، لديها جوانب مظلمة قبل السير على سكة الجريمة؛ فهي تخون صديقتها المقربة لتعيش مع زوجها علاقة عاطفية سرية، لا تنهيها عندما ترتدي ثوب البطلة النسوية القاتلة، وإنما تعيش التناقضات البشرية المعهودة بين الواقع والعوالم المثالية.  

قد تكون شخصية "ليلى" جديدة على الدراما العربية المشتركة، لكن لها الكثير من النماذج الشبيهة في المسلسلات والسينما العالمية. فهي تبدو انعكاساً لشخصية  "إريكا" من في فيلم  The Brave One التي أدتها جودي فوستر، وقررت أن تحقق العدالة بنفسها بعدما فشلت الشرطة في العثور على عصابة اللصوص المتحرشين الذين قتلوا حبيبها أمام عينيها، لتبدأ بعدها برحلاتها الليلية إلى أحياء تنتشر فيها العصابات، لتصطاد المتحرشين والمجرمين وتقوم بقتلهم بشكل عشوائي. 

إلا أن الفرق الأكبر بين The Brave One  ومسلسل "عالحد"، هو موقف رجال الشرطة. فعنما يكتشف الشرطي المسؤول عن قضية مقتل خطيب "إريكا" الأدلة التي تدينها في سلسلة جرائم القتل التي حلت على المدينة، يحاول مساعدتها وتخليصها من السجن بسبب تعاطفه معها، لكونه يؤمن بأنها ضحية ولاقتناعه بانتقاص العدالة في النظام القضائي. أما في مسلسل"عالحدّ"، فرجال الشرطة لا يهتمون بكل الانتهاكات الذكورية التي يرتكبها المتورطون الذين باتوا ضحايا/قتلى، بل يركزون بشكل كامل على جرائم القتل التي ارتكبتها "ليلى"، وتتم مراقبتها قبل أن يكون هناك ضدها أي دليل؛ وذلك فقط للاشتباه في كونها ضحية. 
ورغم هبوط إيقاع المسلسل في الحلقات الأخيرة، لكنه ينتهي بشكل مثير للاهتمام أيضاً، عندما ترفض القاتلة الهرب، وتكتفي بإرسال ابنتها إلى السويد التي تؤمن بأنها مكان أفضل، قبل أن تواصل سلسلة الجرائم التي تحاول من خلالها تحقيق العدالة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها