الجمعة 2022/10/21

آخر تحديث: 20:01 (بيروت)

"ستيلتو": بيروت مدينة غيرها..وعلَم لبناني في مواقع سياحية تركية!

الجمعة 2022/10/21
"ستيلتو": بيروت مدينة غيرها..وعلَم لبناني في مواقع سياحية تركية!
increase حجم الخط decrease
يجسّد مسلسل "ستيلتو" (تأليف لبنى مشلح ومي حايك، واخراج إندر إيمير) الخطوة الوحيدة الحقيقية التي اتخذتها شركات الإنتاج العربية لحل أزمة النصوص، وهو اللجوء إلى المسلسلات التركية لاستنساخها حرفياً، بعد شراء حقوق الملكية الخاصة بها. 

والمسلسل (بطولة ديما قندلفت، كاريس بشار، ريتا حرب، ندى أبو فرحات، قيس الشيخ نجيب، بديع أبو شقرا، سامر المصري، كارلوس عازار) الذي يُعرض حالياً في منصة "شاهد"، هو سوى النسخة العربية من المسلسل التركي "جرائم صغيرة" الذي سبق أن دُبلج إلى اللغة العربية في وقتٍ سابق. ولن يكون مسلسل "ستيلتو" استثناء بخط الإنتاج، فمن المقرر أن تبث منصة "شاهد" نفسها مسلسل "الثمن"، المستنسخ عن المسلسل التركي "ويبقى الحب"، ناهيك عن إعلان "شاهد" مؤخراً بدء عمليات تصوير مسلسل "عديم الوفاء" في اسطنبول، وهو النسخة العربية من المسلسل التركي "الخائن".


فعلياً، يصعب تبرير أو فهم التكاليف الباهظة التي تتكبدها شركة "إم بي سي" لإنتاج مسلسل "ستيليتو"، حيث أعادت تصوير مسلسل متوافر بالدبلجة العربية، بنسخة طبق الأصل، يتم تصويرها في مواقع التصوير التركية ذاتها التي صُوّر فيها المسلسل الأصلي، واستعانت فيه بكادر مسلسل "جرائم صغيرة" بشكل كبير، بمن فيهم المخرج إندر إيمير، ليكون الفارق الرئيسي بين "ستيليتو" والمسلسل التركي الأصلي، الذي سبق لـ"إم بي سي" أن بثته على شاشاتها، هو حضور الممثلين العرب فقط. 

ويزيد الأمر غرابة أن مسلسل "جرائم صغيرة" لم يلقَ الإقبال الواسع من قبل الجمهور العربي حين عُرض، وأن حلقات المسلسل المدبلجة كاملةً متوافرة في "يوتيوب". لذلك فإن المشاهد العربي يستطيع في أي لحظة أن يحرق أحداث "ستيليتو" ومشاهدة النهاية في النسخة التركية.

لا تتعلق مشكلة "ستيليتو" فقط بكونه نسخة طبق الأصل عن عمل متوافر، بل بكونه النموذج الأوضح لفقدان الهوية العربية تماماً في الدراما؛ فالكاتبة لبنى مشلح التي أعادت كتابة النص بالنسخة العربية، لم تبذل أي مجهود لتغيير النص بما يتناسب مع واقعنا، فعلى سبيل المثال: ترتبط الشخصيات الرئيسة بالعمل بطبق معين من الطعام؛ فشخصية "فلك" (ديمة قندلفت) ترتبط بصناعة الـ"تشيز كيك"، الذي تلجأ إلى صناعته عندما تتوتر، وشخصية "جويل" (ريتا حرب) تأكل الـ"مكارون" عندما تتوتر أيضاً. 

هذه الحلويات وكل الأطباق الأخرى التي تقدم في المسلسل لم تتغير البتة في النسخة العربية، ولم يحضر في المسلسل أي طبق عربي، رغم أنه في لحظات كثيرة يبدو برنامجاً لتعليم الطبخ. ويبدو الأمر أكثر غرابة في أطباق "ألمى"، الشخصية المحورية التي تقدمها كاريس بشار، والتي تقوم دائماً بإعداد أطباق صحية غير معروفة على الإطلاق في ثقافتنا.
 

لكن الأمر الأسوأ من الطعام والأزياء وسائر مُفترضات العولمة، يتجلى في المَعالم الجغرافية والاجتماعية للبنان؛ حيث يتم خلال المسلسل التأكيد بشكل مستمر على أن الأحداث تجري في لبنان، رغم كل اللقطات العامة التي تبرز جماليات المدينة التركية، لتنتج عن ذلك صور تولّد الضحك إذا ما وُضعت بمقارنة مع الواقع. إذ تبدو بيروت في المسلسل مدينة منظمة، مقسمة إلى منتجعات سكنية بمساحات شاسعة، بلا أبنية عالية، فالكل يعيش فيها في بيوت على النمط الفرنسي (ميزونات)، وتنتشر فيها الغابات والحدائق. 

هذا الواقع يُمحى تماماً في "ستيليتو"، ونستعيض عنه بمدينة هجينة، تلتقط الكاميرات فيها معالم سياحية تركية مشهورة أحياناً، ويوضع الى جانبها العلم اللبناني. الأمر يبدو في غاية الغرابة، حتى بالنسبة للمشاهد العربي الذي لم يزر لبنان في حياته. ويزيد الشعر بيتاً، الحال الذي تظهر عليه دوائر الدولة في المسلسل، فهي غاية في الأناقة والتنظيم، على عكس الواقع، وتتصدرها صور الرئيس ميشال عون. 

ورغم عدم وجود أي حاجة درامية مُلحّة، تتداول الشخصيات طوال الوقت أسماء مناطق شهيرة في لبنان، لنسمع عبارات من قبيل: "رايح عالجبل" أو"نازلة عالأشرفية" وكأنما للتأكيد على أن هذه بيروت.

هذه المشاكل سرعان ما سينساها المُشاهد، ليس لأن المسلسل جيد وغني بالأحداث التي تعوّض هذه الثغرات، بل لأن الحكاية فارغة وسخيفة لدرجة تجعل الأخطاء الثقافية والتناقض مع الواقع أمراً ثانوياً. فعلى الرغم من أن المسلسل يبدأ من لحظة ذروة، بالتحقيق في جريمة قتل تحدث في إحدى الحفلات، إلا أن أحداث المسلسل سطحية للغاية ولا ترتقي إلى مستوى الدراما الجنائية أو الآكشن، فهي تحاكي يوميات أربع صديقات تنشب بينهن خلافات بسبب الغيرة والحسد من بعضهن البعض، وتعكر حياتهن مشاكل سخيفة كانقطاع التيار الكهربائي أو كسر أظافر إحداهن أو وقوع أخرى في بركة مياه. 

وتجدر الملاحظة أن الاختلاف الوحيد بين النسختين العربية والتركية، هو أن العربية أكثر بهرجة واصطناعاً، لنرى الممثلات يستيقظن من النوم وهن يرتدين فساتين السهرة والكعب العالي، ويدخلن المطبخ لإعداد الفطور بهيئة تصلح لحضور افتتاح مهرجان "كان"، وهو الأمر الذي أثار سخرية واسعة في الشبكات الاجتماعية، وحفّز الكثير من الناشطين في "تيك توك" على تنفيذ مشاهد شبيهة للضحك من المسلسل. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها