الثلاثاء 2022/01/18

آخر تحديث: 13:04 (بيروت)

قاسم سليماني "بطل قومي" لكسب الشباب الإيرانيين

الثلاثاء 2022/01/18
قاسم سليماني "بطل قومي" لكسب الشباب الإيرانيين
increase حجم الخط decrease
بعد أكثر من عامين على مقتله في غارة جوية نفذتها طائرة مسيرة أميركية قرب مطار بغداد، تحاول إيران أن تجعل من قاسم سليماني، القائد السابق لـ"فيلق القدس" في الحرس الثوري، "بطلاً قومياً" تستطيع من خلاله استقطاب الأجيال الشابة.

فبعد عقود من الثورة الإسلامية التي أوصلت الملالي للسلطة العام 1979، تكافح طهران من أجل كسب قضيتها الثورية لدى فئة الشباب الذين ينتقدون الفساد الداخلي والفقر. ويأمل قادة إيران الحاليون يأملون في إعادة تنشيط القوات الموالية للنظام من خلال تمجيد سليماني، وهو رجل من خلفية متواضعة رفعته الثورة ليصبح شخصية عسكرية مهمة.

ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريراً ميدانياً، وصفت فيه الأجواء داخل حافلة ضمت حجاجاً توجهوا إلى المقبرة التي دُفن فيها سليماني، وكانت السيدات فيها يناقشن الدعاء الذي سيتلونه عند وصولهن. ومن خلال الكلمات التي قالتها السيدات الإيرانيات، اتضح بالنسبة لهدى، المصوّرة الثلاثينية، أنه بعد مرور أكثر من عامين على اغتيال أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، فإن سليماني "اكتسب مكانة أسطورية مقدسة في إيران".

ونقلت الصحيفة عن هدى قولها: "بكيت عندما وصلنا إلى قبر سليماني، أدركت فقط بعد وفاته كم كان رجلاً مخلصاً وقوياً، وكيف أنه ضحى بحياته من أجلنا"، علماً أن سليماني الذي كان يشرف على تدريب الميليشيات الإيرانية في العراق ولبنان وأفغانستان وسوريا، لم يرتبط اسمه بأي فضائح تخصّ الفساد، كما أنه كان يملك تاريخاً طويلاً في دعم النساء، ووصفهن بأنهن "بناته"، وكانت لديه شعبية كبيرة حتى بين صفوف النساء اللواتي لا يلتزمن بشكل صارم بالزي الإسلامي في إيران.

وفي مطلع كانون الثاني/يناير الحالي، نظمت طهران ما أسمته "أسبوع المقاومة"، لإحياء ذكرى مقتل الرجل الذي وصف بأنه أقوى سفير لإيران في الشرق الأوسط بسبب إشرافه على ميليشيات شيعية تابعة لطهران في المنطقة. ووضعت السلطات لافتات عملاقة تحمل صورته، وقامت بتوفير إقامة مجانية وطعام لحوالي 25 ألف زائر لمقبرته. كما عرضت دور السينما أفلاماً وثائقية مجاناً عن سليماني. وتجمّع الآلاف من الإيرانيين في طهران لإحياء الذكرى الثانية لمقتله، وانضم إليهم الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي تعهّد بالانتقام من السياسيين الأميركيين.

وحالة سليماني هذه جديدة على الدعاية الإيرانية، حيث حرصت طهران طوال عقود على إبقاء القيادات العسكرية في الظل خوفاً من تصاعد شعبيتهم أو محاولة الانقلاب على حكم الملالي ورجال الدين. ويحشي محلل إصلاحي فإن الجنرال السابق بات يوصف بأنه "محارب غير تقليدي، لا يدع أعداء إيران ينامون بهدوء وأبعد التوترات عن حدود إيران"، مضيفاً أنه "في وضع جيد كي يتحول لقائد إسطوري".

ورغم ذلك، تنتشر في البلاد تكهنات تربط بين ترفيع سليماني وجعله وجهاً لمغامرات إيران الخارجية وبين الفشل الاستخباراتي الإيراني في التنبؤ بالتغيرات الإقليمية والتهديدات التي مثلها تنظيم "داعش"، وهو مجال كان سليماني تحديداً مسؤولاً عنه. وقال مسؤول إيراني رفيع المستوى أن "نشر الصور إشارة ضعف وليست قوة، وهي محاولة لإظهار إيران بأنها تسيطر على الوضع: إنه رد فعل على فشل كبير".

وتولى سليماني (57 عاماً) قيادة فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية العام  2000، واستطاع خلال هذه الفترة الحصول على احترام كل من المعسكرين المتشدد والإصلاحي في إيران، وبرز كمخطط استراتيجي ناجح. ويعرف بولائه التام للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي وكله بتطبيق سياسته لتوسيع تأثير إيران في المنطقة، وإبعاد التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط عنها، ومواجهة المنافسين في مناطق أخرى مثل لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان.

وقال محلل مرتبط بالتيار الإصلاحي أن "سليماني يمثل تأثير إيران الجيوسياسي". و يعود إليه الفضل في تخفيض دور الولايات المتحدة وإضعاف عملياتها في كل من العراق وأفغانستان. ولعب دوراً مؤثراً في دعم حزب الله في حربه مع إسرائيل ودعم بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. لكن محللين أشاروا إلى أخطاء ارتكبها الجنرال، وتعود إلى الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي، وزلات ارتكبها بعد الربيع العربي العام 2011، الذي أمل أن يؤدي لانتصارات إيرانية في مصر والعراق ولبنان وسوريا.

على سبيل المثال، اعترف أحد العاملين في داخل النظام بفشل إيران بمنع سقوط الإخوان المسلمين من السلطة في مصر، وكان إصرار طهران على دعم بقاء الأسد في السلطة مكلفاً من ناحية المال والخسائر البشرية، وأساء لعلاقات إيران مع كل من تركيا والملكيات العربية في الخليج. وعلقت "فايننشال تايمز" بأن أهم الضربات التي تلقاها الجنرال كانت سقوط مدينة الموصل بيد "داعش"، وانهيار الجيش العراقي.

وذكر محلل إصلاحي إيراني، رفض الكشف عن هويته: "تم استغلال ذكرى اغتيال سليماني لضخّ دماء جديدة للمساعدة على استمرار الحالة الثورية، وجذب موالين جدد من صفوف الشباب"، مضيفًا: "يُعتبر سليماني رواية حديثة للحالة الثورية، وهو القائد الإيراني الوحيد الذي اغتالته الولايات المتحدة بشكل مباشر، ما يعزّز نهج النظام الإيراني في إبراز دوره".

والحال أن هذه الحماسة الثورية في الداخل ترافقت مع استعراض للعضلات في المنطقة. فخلال الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، قامت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا بسلسلة من الهجمات على قواعد عسكرية تضمّ قوات أميركية، كما فرضت إيران عقوبات على 51 مواطناً أميركياً، على خلفية دورهم في مقتل سليماني، والإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان.

وتأتي الرغبة في جعل سليماني بطلاً قومياً في الوقت الذي يجتمع فيه الدبلوماسيون الإيرانيون والقوى العالمية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي الموقع العام 2015. لكن الاحتفال بالذكرى لم يخل من الجدل. حيث عادت مطالبات أهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية، التي أسقطتها إيران عقب اغتيال سليماني، بتقديم المسؤولين الإيرانيين إلى المحاكمة، رغم أن إيران قالت إن استهداف الطائرة كان خطأ بشرياً. لكن أهالي الضحايا يُجادلون بأن الطائرة أُسقطت عمداً لردع الولايات المتحدة عن مهاجمة إيران.

وقال محسن أسدي لاري، المدير السابق في وزارة الصحة الإيرانية الذي قتل والداه في تحطم الطائرة: "أنا لست قاضياً، لكننا توصّلنا إلى أن الإيرانيين أسقطوا الطائرة لاستخدامها درعاً بشرياً"، مضيفاً أن قائد الحرس الثوري الإسلامي العميد حسين سلامي "قال له أنه لو لم تسقط هذه الطائرة لاندلعت حرباً ضروساً في اليوم التالي، وأن الولايات المتحدة كانت ستُهاجم إيران وربما كانت حياة 10 ملايين شخص في خطر".

لكنّ الحرس الثوري نفى مزاعم لاري بشأن الجنرال سلامي، معتبراً أنها "غير صحيحة" و"محرّفة". كما ظهرت زينب، ابنة سليماني، وهي تلتقط صورة لها في موقع مقتل والدها في بغداد في ذكرى الاغتيال، بأحدث هاتف من طراز "ايفون 13"، ما أثار غضب العديد من الإيرانيين، لأن الهواتف المستوردة مقيّدة في إيران، حيث يُنظر إليها على أنه رمز للاستهلاك الغربي.

ورغم ذلك، بالنسبة إلى هدى، فإن إيران كانت لتكون مكاناً أفضل للعيش فيه اليوم، لو لم يُقتل سليماني. وقالت: "لم يكن يستحق أن يموت بشكل طبيعي، لكنه استشهد قبل أوانه. كنا بحاجة إليه. أشعر أننا أصبحنا وحيدين. الكثير من المآسي تحدث لنا بسبب غيابه".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها