الخميس 2021/07/08

آخر تحديث: 13:16 (بيروت)

هؤلاء يمنعون حلّ أزمة البنزين

الخميس 2021/07/08
هؤلاء يمنعون حلّ أزمة البنزين
طابور المحطة اليومي (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
يتكرر السؤال عن مسبّب أزمة البنزين. الجواب التقليدي، ضبابي، عام. حين تُحمّل الدولة المسؤولية، ينفذ الجاني، حامي الدولة أو المحميّ منها. بات اتهام الدولة، من دون تخصيص المسؤولين عن الفعل، تعميماً ينطوي على تبرئة وتجهيل.

من هي الدولة؟ ومن يضطلع بتسويق الذل؟ ومن يحمي تجار الأزمات؟ هي أسئلة تتكرر في مواقع التواصل، وتخرج أسماء تواجه بالردود. تُنفى وتُنقض.. لكن أياً من رواد مواقع التواصل لا يضع إصبعه على الجرح. فأزمة البنزين، عائدة بشكل أساس الى غياب قرار لدى الدولة بمعالجة الملف. تكثر الاقتراحات ويتداولها كثيرون. باتت الحلول معروفة، لكن الدولة عاجزة عن مواجهة الأزمة، لعوامل عديدة.

أولاً: يستفيد تجار من الأزمة لتحقيق أرباح كبرى أو للمضاربة في السوق. هم الشركات المستوردة والمحطات التي تخزّن ما تستطيع، كي تبيع بسعر أعلى. يحقق هؤلاء عائدات بملايين الدولارات، ولا تتم مواجهتهم من قبل أي من مؤسسات الدولة، بالنظر الى شراكات أو علاقات بين أركان المنظومة السياسية والمستوردين، وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد.

ثانياً: ظهرت طبقة جديدة من تجار الأزمات تتمثل في تجار الصف الثاني. هؤلاء أفراد ينتمون الى أحزاب وعشائر وقوى سياسية توفر لهم الحماية. يفرضون على المحطات ملء غالوناتهم، أو سياراتهم خلافاً للدور في الطابور. تُملأ السيارات والدراجات النارية أكثر من مرة وتُفرّغ في غالونات في المنازل. هؤلاء، لا يمكن للدولة أن تضبطهم. فهم الشوكة التي تحمي الوردة. تشتري القوى السياسية ولاءهم بالتغطية على الإتجار بغالون بنزين.

ثالثاً: خوف الدولة من اندلاع احتجاجات في حال رفع الدعم عن البنزين. فالقوى السياسية تتعامل بالقطعة مع الناس، وتطبق قراراتها تدريجياً، تحت ضغط الأزمة، في خطة لاحتواء أي تحرك كبير.

رابعاً: المهربون الذين يستفيدون من سعر المحروقات المدعوم في لبنان، لتهريبه الى سوريا وبيعه بالدولار الفريش. ففي لبنان يبلغ سعر صفيحة البنزين أقل من أربعة دولارات، أما في سوريا فيناهز المهرَّب منه العشرين دولاراً. فارق السعر يذهب الى جيوب المهربين الذين لا تضبطهم المرجعيات الرسمية والأمنية، كونهم الشريحة التي تطمَئن اليها الدولة في صفقة غير معلنة: أعطيك التهريب في مقابل الولاء والتهدئة.

هل تقف الدولة مكتوفة اليدين؟ 
نعم. لم تتخذ أي قرار يمنع هذا الاتجار. فهي تسعى لمحاصرة إجراءات التجار وصيحات الناس وتمرُّد المهربين ومُستغلّي الأزمات، وتعمل قواها كافة على تهيئة الأرضية لتحقيق فوز في الانتخابات المقبلة.

في المبدأ، يمكن للدولة أن ترفع الدعم عن البنزين لمنع الاتجار به في الداخل وخلف الحدود. فالمواطن العادي، يدفع ثمنه عُرفاً على سعر صرف الدولار، منعاً لأن يُذلّ على المحطات، ومنعاً لأن يتعرض لطعنة سكين أو لسقوك عصا على رأسه عندما يعترض على "أزعر" يصادر دوره في طابور البنزين.

ما يحتاج اليه المواطن العادي، هو خمس صفائح من البنزين شهرياً تكفي لتنقلاته بين منزله ومكان عمله ومدرسة أولاده وزيارات الجبل شهرياً. إذا قرر أن يستهلك أكثر من ذلك، يمكنه شراء ما يريد من السوق السوداء. بذلك، تخفف الدولة استنزاف احتياطاتها. ومن الآن، يمكن أن تتخذ قراراً مشابهاً، بعد أن تحصي ما هو موجود في خزانات الوقود وتدفع للموزع منه فارق الدعم، بينما تمتنع عن دفع فارق الدعم للكمية الموجود في الخزانات لدى الشركات، لأن البائع سيتقاضى ثمنها على سعر الصرف الرسمي.

أما الصفائح الخمس، فيمكن توزيعها ضمن "بونات" محددة لدافعي ضريبة الميكانيك من سيارات ودراجات نارية وسيارات عمومية وفانات (حافلات نقل صغيرة). بذلك، تُلزم من يعمل بطريقة غير شرعية على تسوية وضعه كي يستفيد من البنزين المدعوم، وترفع العائدات الضريبية.

أما السيارات العمومية، فتُمنح 24 صفيحة شهرياً، بمعدل صفيحة لكل يوم عمل. وينسحب الأمر على المزارعين والصناعيين الذين سيحصلون على المازوت المدعوم في مقابل أوراق مؤسساتهم ودفع الضرائب للدولة، فتحقق الدولة إصلاحاً في التحصيل الضريبي وتوقف التهريب.

ما سبَق، هو حصيلة مقترحات يتداولها الناس عبر الإعلام التقليدي والاجتماعي. الحل قائم، ولا يخفى على الحكومة ولا وزارة المال إذا ما اتُّخذ القرار. ذلّ الناس، يمكن وقفه بكبسة زر، إذا اتُّخذ القرار. وعلى العموم، فإن المهربين والمحتكرين وسارقي رزق الناس والمسؤولين عن إذلالهم، لهم ملفات كاملة لدى الأجهزة الامنية، وتحتاج الى قرار بتوقيفهم في حال رفضت الدولة حل الأزمة بشكل جذري. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها