الثلاثاء 2021/07/06

آخر تحديث: 21:54 (بيروت)

إبتزاز المتظاهرات بصور الموبايل.. هكذا تُرهِب "السلطة" الفلسطينيات

الثلاثاء 2021/07/06
إبتزاز المتظاهرات بصور الموبايل.. هكذا تُرهِب "السلطة" الفلسطينيات
الاعتداء على صحافيات من قبل عناصر أمن السلطة الفلسطينية
increase حجم الخط decrease
"التهديدات تؤثر فينا ونشعر بخوف، ولا حصانة لأي صحافي بالشارع الفلسطيني".
هذا التحدي، الذي جاء على لسان الصحافية شذا حماد، خلال شهادتها قبل أيام إلى جانب صحافيات وناشطات أخريات تعرضن لضرب وتشهير من قبل عناصر أمن فلسطينيين بلباس مدني خلال قمع مسيرة في مدينة رام الله الأسبوع الماضي، يلخّص مشهداً فلسطينياً مُخيفاً.

بدأت الحكاية عندما قرر عناصر الأمن الفلسطيني بلباسهم المدني، سرقة الأجهزة الخلوية الخاصة بتلك الصحافيات والناشطات والمتظاهرات، وتعنيفهن، ومن ثم الدخول إلى صورهن الخاصة، مروراً بنشرها في الصفحات العامة في السوشال ميديا ومجموعات "الواتسآب"؛ في محاولة لتشويه صورتهن ونبذهنّ وإدانتهنّ مجتمعياً وضرب اي حالة إجماع على التعاطف معهن، عبر اللعب على وتر المجتمع العربي المُحافِظ. ويرمي هذا الأسلوب إلى تحييد المرأة عن المشاركة في الاحتجاجات ضد الفساد وانتهاك حقوق الإنسان.

ورصدت "المدن" صفحات وهمية، وأخرى معلومة الجهة التي تقف خلفها، في "فايسبوك" و"انستغرام" و"واتسآب"، حيث حملت أسماء مثل "بس بلاش" لنشر صور خاصة بتلك الناشطات، بعضها أظهر فتيات من دون حجاب او يرتدين لباساً خاصاً بمناسبات عائلية، ثم تكون التعليقات "الداعشية" الخطيرة الموجهة ضد الناشطات وذمهن وشتمهن والتشهير بهن.

الصحافية نائلة خليل، وهي شاهدة عيان على الواقعة، تقول لـ"المدن" إن خطف "الموبايل" من قِبل أفراد الأمن الفلسطيني لم يكن عشوائياً أو عفوياً، بل كان مدروساً وبأوامر؛ بدليل أنهم كانوا يركزون على استهداف هذه الهواتف الخاصة بالفتيات للاستيلاء عليها أكثر من تلك الخاصة بالرجال، مؤكدة سرقة جهاز الهاتف الخليوي الخاص بمراسلة "جي ميديا"، فيحاء خنفر، ونجلاء زيتون التي تعمل في شبكة "قدس"، وكذلك فاتن علوان.

وحاول أفراد الأمن الاستيلاء على هاتف الصحافية شذى حماد، إلا أنها سرعان ما سحبته بقوة منهم لوقع على الأرض وانكسر، تزامناً مع لحظة إصابتها بشظايا قنبلة صوتية أسفل العَين.


ولاحقاً، نُشرت صور في صفحات السوشال ميديا، للناشطات والصحافيات وهن في بيوتهن وفي حفلات أعراس، مروراً بفيديوهات مفبركة  كأسلوب ردع "معنويّ" لمنع المرأة من المشاركة كمتظاهرة وكصحافية، وترهيبها من التواجد في الميدان، باستخدام سلاح اجتماعي تشويهي يهدد السلم الأهلي، حسب رواية نائلة خليل لـ"المدن".

وتوجهت نائلة إلى أسرى محررين من حركة "فتح"، لتنقل لهم صورة الابتزاز الذي تمارسه أجهزة أمنية فلسطينية بحق الفتيات ومخاطر الأمر وارتداداته، فتلمس عدد منهم خطورة الأمر، ونقل بعضهم رسالة تحذيرية إلى أعلى مستوى في السلطة باعتباره سلوكاً تجاوز "الخط الأحمر" من شأنه أن يهدم السلم المجتمعي.

والواقع، أن موقعة الاستيلاء على هواتف الصحافيات والناشطات، وما تلا ذلك من عمليات ابتزاز وتشويه لسمعتهن، تسبب بأذى كبير للسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" التي تتبنى نهجاً علمانياً، لأن ما حصل أضرّ بصورة السلطة باعتبارها "مشروع الدولة"، فوضعها على المحك. وتساءل رواد مواقع التواصل: "كيف لسلطة منبثقة عن أحزاب علمانية أن تمارس "دور الشيخ والفضيلة" ونهج حركات إسلامية متشددة؟". ثم، "ألم تظهر هذه الممارسات السلطة مجرد حزب غير مضبوط يمس بالحريات الشخصية، لا عبارة عن مؤسسة رسمية مسؤولة عن المواطن الفلسطيني وأمنه وكرامته؟"
 

لعلّ التساؤلات سالفة الذِّكر، دفعت الاتحاد الأوروبي، على وجه التحديد، إلى التوقف مليّاً عند تجاوز أجهزة السلطة للخطوط الحُمر، فكانت هذه الممارسات مدار حديث شبه يومي بين مسؤولين أوروبيين ونظرائهم في السلطة الفلسطينية في الأيام الأخيرة. ونقل الأوروبيون رسالة شديدة اللهجة للسلطة من أجل الكفّ عن سلوكيات من شأنها إحراج دول الاتحاد الأوروبي أمام شعوبها باعتبارها تدعم سلطة تمس بحقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية، وفق مصادر "المدن".

ولهذا، فإن قناصل الاتحاد الأوروبي وجِهات في الأمم المتحدة وغيرها، أصبحوا على دراية تامة بتفاصيل التطورات الفلسطينية الأخيرة على صعيد حقوق الانسان، قبل وبعد مقتل الناشط والمعارض نزار بنات اثناء اعتقاله من قبل قوة أمنية فلسطينية. ويبدو أن هذا ما دفع برئيس الوزراء الفلسطيني، محمد شتية، إلى محاولة امتصاص الغضب الخارجي والداخلي من الممارسات الخطيرة بحق فتيات فلسطينيات من قبل الأمن، عبر خطابٍ له الثلاثاء، حمل في طياته طمأنة وتعهداً بألا يتكرر ما جرى. لكن بعد ساعات قليلة على الخطاب، تعرّضت الإعلامية هند شريدة مع أخريات للضرب في أعقاب اعتصامها أمام مركز شرطة رام الله احتجاجاً على اعتقال زوجها الحقوقي أبي العابودي.

وهنا يتجلى التساؤل الأبرز: مَن يصنع قرار المساس بالحريات الفلسطينية ورسم هذه الصورة القاتمة عن السلطة من قبل موظفيها وأجهزتها؟ خصوصاً وأن ما سميَ بـ"لوائح العار" التي صاغتها أطراف في السلطة لتشويه سُمعة المتظاهرين والمتظاهرات، تضر بالسلطة، لا تنفعها!

ويؤكد حقوقيون أن قضية ابتزاز الناشطات والصحافيات، لاقت اهتماماً قانونياً لافتاً، ذلك أن الأمر يبدأ من التحريض على السمعة، لينتهي بعد وقت إلى تهديد جسدي. وقالت صحافيات متضررات لـ"المدن" إن مؤسسات "الحق" و"الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" ومركز "القدس" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، تقدموا بدعوى جزائية باسم الصحافيات، لكن حقوقياً متابعاً للملف أكد لـ"المدن" أنه لم تتم حتى اللحظة أي مساءلة أو محاسبة للمرتكبين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها