الأربعاء 2021/07/28

آخر تحديث: 19:46 (بيروت)

MTV تستنطق شهداء المرفأ: خطاب قسري لمن فقدوا أصواتهم!

الأربعاء 2021/07/28
MTV تستنطق شهداء المرفأ: خطاب قسري لمن فقدوا أصواتهم!
الشهيد رالف ملاحي
increase حجم الخط decrease
مستغلو انفجار مرفأ بيروت وضحاياه، عديدون. سياسيون، زعماء، ناشطون ومتسلقون.. جميعهم باعوا واشتروا لغايات خاصة. نواب صرحوا بسعيهم لكشف حقيقة الانفجار ومحاسبة المجرمين، لكنهم في الوقت عينه، صوتوا ضد قوانين رفع الحصانة...
إلا أن قناة "أم تي في"، تفوقت على هؤلاء جميعاً. إستحضرت أرواح عدد من شهداء المرفأ وجعلتهم يتكلمون باسمها، ويعبرون عن آرائها وتوجهاتها. 

في فيديو تمثيلي قصير أنتجته القناة في مناسبة مرور عام على انفجار المرفأ، أطل ممثلان يلعبان دور الضحيتين رالف ملاحي وأمين الزاهد (وفي كليبات أخرى شهداء آخرون)، ليوجها رسالة للقضاء اللبناني والقاضي بيطار، يشكوان فيها معاناة "نفسَيهما" بسبب عدم الوصول إلى العدالة، ويثنيان على قراراته التي اعتبراها خطوة نحو تحقيق العدالة... اعتبرتها كذلك، وألقت الخطاب الإنشائي الممجوج والمبتذل، الأصوات التي وضعتها "ام تي في" بين شفاههما. 

لم ترحم القناة أحداً، لا عائلات الضحايا ولا الضحايا أنفسهم، حين انتهكت حرماتهم، رغم انها حازت على موافقة عائلتيهما. كما لم ترحم مشاعر المشاهدين وأخلاقيات المهنة. ولا تكفي العبارة الواردة في البداية حول موافقة الأهل على استحضار أرواح ابنيهما، فذلك لا يعطي القناة الحق بأن تتحدث باسم الذين قتلوا بالانفجار، ولا معرفة رغباتهم ومشاعرهم وطموحاتهم... وهم الذين ما عادوا قادرين على التعبير أو الكلام، فتكون بذلك قد صادرت أصواتهم لصالح خطابها ورسالتها السياسية-الإعلامية. 

الفيديو الذي لم ينل إعجاب أحد تقريباً، وتعرض للانتقاد من المشاهدين الذين لم يتمالك البعض أنفسهم لمتابعته حتى النهاية لشدة ما هو مؤلم هذا الانتهاك، يحاول الثناء على قرارات القاضي البيطار وحثه على متابعة التحقيقات!

في ذلك استغلال للضحايا ومحاولة لسرقة "ضمائرهم" ضمير الغائب يصبح فجأة "حاضراً" تُنطقه القناة على هواها، ولو لصالح القضية نفسها، كما تراها هي. لا حُرمة للموت هنا، فكيف بالموت في جريمة! الجميع يعلم أن التحقيقات، رُسمت حولها علامات استفهام سياسية، ولا تحظى طريقة الادعاء بإجماع القوى الممثَّلة في البرلمان، ما يثير الشبهات بالتسييس او "الاستنسابية" بالحد الأدنى، بحسب ما يقول السياسيون، فيما الأهالي يخشون التدخل في عمل القضاء بما يعرقل مسار العدالة والمحاسبة. 

وبعيداً من الأخلاقيات وانتهاك حرمة الأموات بشكل سافر واستغلال قضيتهم لصالح خطاب، مهما كان نبيلاً، كيف يمكن عرضهم بهذا الشكل السخيف؟ بخدع الكومبيوتر التي تجعل صورة شهيد/ة، كان الأهل قد جعلوها ملصقات ورفعوها في تظاهراتهم، ولطالما آلمهم سقوطها أرضاً أو تمزيقها من قبل القوى الأمنية وكأنما أصحاب الصور يشعرون بذلك؟.. ثم، هل حقاً يتمنى الذين رحلوا بانفجار المرفأ أن يبنوا لبنان بعظامهم ودمائهم؟ هل "يملكون"، وهم في العالم الآخر، المفهوم الذي نملكه، نحن الأحياء، عن العدالة والأمل والمستقبل؟ هل حقاً تأمّلوا خيراً بقرارات القاضي بيطار وراحوا يدعمونه من فردوسهم؟ في النهاية القاضي بيطار شخص، وحيّ، قد يخطىء أو يصيب، فيما هم صاروا أرواحاً مطلقة، ماهيتها عصية على حسابات الصح والخطأ البشرية! وهل ما زال الشهداء "يؤمنون" أصلاً بالتقسيمات الدنيوية للأرض والوطن؟ من نحن لنتكلم باسمهم؟ 

يستطيع الإعلام أن ينقل مطالب ووجهات نظر أهالي الضحايا والمتضررين، بأي طريقة أخرى، وفعالة، ومؤثرة. لكن أن يصل به الأمر إلى استنطاق الأموات، فهذه سقطة أخلاقية وإعلامية وإنسانية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها