الخميس 2021/07/22

آخر تحديث: 20:03 (بيروت)

انتكاسة القاضي طارق البيطار

الخميس 2021/07/22
انتكاسة القاضي طارق البيطار
increase حجم الخط decrease
الحقيقة التي لا يريد أن يقولها أحد، أن مهمة القاضي طارق البيطار تتعرض لانتكاسة. من المبكر التنبؤ بالفشل، لكن مؤشراته تلوح، على ضوء الغرق في الجدل القانوني، وتنازع الصلاحيات والمرجعيات، والتلويح بالتسييس، وصولاً للتلميح بأن هناك مَن يهمس له لضبط الإيقاع وعدم خرق التوازنات السياسية والطائفية. 

وليس ما قاله رئيس "تيار المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، خارج تلك المؤشرات، بدءاً من كونه تكراراً لما انتقده حسن نصر الله في خطابه الاخير، وصولاً الى الاصطفاف النيابي في مواجهة مطلب رفع الحصانات. فالاصطفاف الأخير، ليس سياسياً، كونه يجمع التناقضات.. ثمة "بلوك" طائفي بمواجهة ما يتحدث عنه البعض في المجالس السياسية عن "استنسابية" القاضي البيطار... ولا عجب بعد الآن أمام وقاحة القيادات اللبنانية، فانظروا مَن يتحدث عن الاستنسابية، ولمَن، ولأي سبب، وفي أي ملف! 


لكن الحال أن الائتلاف الاخير المؤلف من ثلاث قوى سياسية تنتمي الى طائفة المسلمين، يجعل كل الضغوط الشعبية في الإعلام ومواقع التواصل، أقل فعالية من مثيلاتها في 14 شباط 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ثمة مفارقة مهمو في التجربتين: فالضغط الشعبي في 2005 كان أكبر من الاصطفافات المذهبية، على الأقل في المرحلة الأولى، ورُفعت آنذاك صور الضباط الأربعة المتحدرين من مذاهب اسلامية ومسيحية، وتم التصويب على النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك. 

أما الآن، فإن الصور المرفوعة للمطلوبين، لا تلحظ التركيبة اللبنانية القائمة على معادلة "6 و6 مكرر".. وهو ما أنتج الاصطفاف الإسلامي في مقابل المسيحي، بالشكل الاغلب، ولم يشكل المشاركون في الاحتجاجات الضاغطة على السلطة، كتلة عددية قادرة على الاثبات بأن المطلب الشعبي لمحاكمة المطلوبين، وسواهم ممن لم يطلبهم التحقيق حتى الآن، يرتقي الى مستوى الإجماع اللبناني الفعلي الآن. 


أما الاستدعاءات، فجاءت في لحظة انقسام عمودي، انحدر من الخلاف السياسي الى الاصطفاف الاسلامي–المسيحي على ضوء الخلافات في تأليف الحكومة، وظهور معركة الصلاحيات الدستورية بين الرئاسة اللبنانية ورؤساء الحكومات السابقين. هذا الجو المشحون، ساهم في تغذية الشعور "الاستهدافي" عند ظهور أسماء من السياسيين المطلوبين للمحقق العدلي، وهم من القوى المناهضة للتيار الوطني الحر، فأدى الى ردّ فعل، إحتساباً لـ"استنسابية" جرى التلميح اليها بالحديث عن استدعاء أربعة وزراء (المال والأشغال والداخلية) دون وزراء العدل المتناوبين المحسوبين على التيار. 

والمفارقة الأخرى في تجاهل الضغط الشعبي لرفع الحصانات، الى جانب الاصطفاف الطائفي والكتلة المحدودة عددياً في الشوارع، تتمثل في اختبار قوى سياسية تحمي الوزراء الأربعة. فمرحلة الضغوط السابقة، في العام 2005، مكّنتها من معرفة الآليات التي تتيح لها التحرك في الاستجابة للأزمة، بدلاً من الاذعان للضغوط الشعبية، ولو أن بعض النواب سحبوا تواقيعهم، لكن هذا لا يقدّم في المشهد العام، ولا يؤخّر. 

هذه الوقائع، لا بد من تسجيلها في واقعة سياسية – قضائية، تجعل مهمة القاضي البيطار شبه مستحيلة، رغم الدعم المتوافر له شعبياً، وهو دعم غير كافٍ لدى مواجهته القوانين اللبنانية المحبوكة جيداً بما يجعل التفاوض السياسي في الملفات القضائية، عنصراً اساسياً في الأداء السياسي المحلي، مدفوعاً بالتوازنات السياسية والمذهبية والمحميات السياسية والطائفية أيضاً. 

وقد ألمح الرئيس سعد الحريري الى هذه المعادلة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، حين طالب بتحقيق دولي يحقق مع كل الشخصيات، تماماً مثلما حقق المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع كل الشخصيات المشتبه فيها، ومن ضمنها الرئيس السوري بشار الأسد. بذلك، يؤشر الى عجز قضائي عن الاستماع الى الرئيس اللبناني، من دون أن يسميه، وغيره بطبيعة الحال، بينما سيفعل القضاء الدولي ذلك. 

للمرة الألف، لا أحد ينكر أن الفساد في لبنان، كما تقاسُم المعرفة والغنائم، يزدهر بالتشارك والمحاصصة. كذلك المحاسبة، لا يمكن أن تتم إلا بالمبدأ نفسه. وحده القاضي طارق البيطار يختبر الانتكاسة شيئاً فشيئاً، كما يختبر أهالي الضحايا الخيبة، ويواصلون التحرك، بدعم افتراضي وميداني من ناشطين، لرفض أمر واقع يلوح في الأفق، عنوانه العدالة المنقوصة، والإفلات من العقاب. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها