الجمعة 2021/05/28

آخر تحديث: 19:42 (بيروت)

الطريق إلى الجنوب: محطات الذل والكرامة

الجمعة 2021/05/28
الطريق إلى الجنوب: محطات الذل والكرامة
في انتظار 15 ليتراً للسيارة الواحدة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
في الطريق من بيروت إلى الجنوب، زحمة سير على الأوتوستراد الساحلي. طوابير سيارات تصطف لمسافات طويلة أمام محطات الوقود، بانتظار الحصول على اليسير من البنزين. سيارات فارهة بمئات آلاف الدولارات، وسيارات قديمة، قد يصل سعرها الآن إلى بضع مئات من الدولارات. فقراء، أثرياء، حمَلة دولارات ومعدمون، عناصر في حزب الله، حركة أمل، قوات لبنانية، مسيحيون، مسلمون،.. كلهم يتجمعون أمام محطات الوقود في محطات انتظار قد تطول لساعات، يتسولون الكمية نفسها من البنزين،.. أي وحدة وطنية، وأي عدالة اجتماعية حققتها أزمة الوقود في لبنان؟
 

لا أحد يعرف بالضبط سبب الأزمة: احتكار، شح الدولارات، التهريب، الدعم، أو ربما هذه الأسباب مجتمعة. النتيجة أن الوقود تتم تعبئته بالقطارة، حوالى 15 ليتراً من بنزين لكل سيارة. الآتون من بيروت إلى الجنوب يقفون عند كل محطة وقود، للحصول على المزيد، والطوابير نفسها والسيارات نفسها عند كل محطة. بعد أن تجتاز صيدا، يصبح الوقود مادة نادرة، حالة بدأ البعض يصفها بالمُذلّة لشعب المفترض أنه يعيش بكرامة، والبعض الآخر يحاول التخفيف من عبء الذل، فيوهم نفسه بأن الطوابير هي نظام حضاري موجود في أكثر دول العالم تقدماً، مطلقاً عليه اسم طابور العز والكرامة.
 

تحصد الطبقة السياسية اليوم ما زرعته في سنوات الرفاهية المالية، حين تدفقت إلى لبنان رساميل المغتربين بعد حرب تموز 2006، والأزمة العالمية العام 2008، وامتلأ مصرف لبنان بالدولارات. فضلت الدولة استغلالها بالقطاع العقاري ورفع القدرة الإستهلاكية للفرد، وفي حين كان من المفترض بها أن تشيّد بنية تحتية من ضمنها نظام مشترك للنقل، فقد فضلت الإعتماد على السيارات. احتلت مافيات الميني باص، شوارع بيروت، وأصبحت السيارة ضرورة لكل لبناني. وبسبب ارتفاع أسعار العقارات، اضطر العاملون في بيروت إلى السكن خارجها والتنقل كل يوم من المدينة وإليها. ازدادت أعداد السيارات وارتفع الطلب على الوقود، هذا جزء أساسي من الأزمة، يضاف إلى الأسباب التي ذكرناها سابقاً، ومن دون قطاع نقل عام، لن يكون هناك حل لأزمة النقل.
 

في زمن أصبح الآن خلفنا تماماً، كان اللبناني يتفاخر بمعرفته بمدير أحد المصارف، أو صاحب شركة تأمين، أو صيرفي. الآن، أن تعرف صاحب محطة وقود، يعني أنك ملك، لأنك تستطيع أن تجتاز طوابير المساكين المنتظرين منذ ساعات، وأن تملأ سيارتك قدر ما شئت من الوقود، وهي حالة تؤدي كل يوم إلى شجارات وإطلاق نار وحقد أمام المحطات.
 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها