الثلاثاء 2021/05/25

آخر تحديث: 16:12 (بيروت)

"تيك توك".. مُفجّر ثورة جيل ما بعد أوسلو!

الثلاثاء 2021/05/25
"تيك توك".. مُفجّر ثورة جيل ما بعد أوسلو!
"تيك توك" فلسطين (انترنت)
increase حجم الخط decrease
شكّل تطبيق "تيك توك" عاملاً مهمّاً في جعل جولة الغضب الفلسطيني تحت عنوان "معركة القدس" مُغايِرة عن سابقاتها من الانتفاضات الفلسطينية من جهة، وتحميلها تشابهاً واختلافاً في آن مقارنة مع ثورات الربيع العربي التي اندلعت قبل عقد من الزمن، من جهة ثانية.

التقاطع بين الهبّة الفلسطينية الحالية وثورات الربيع العربي يكمن في أن كلاهما كان مفاجئاً وعفوياً وقوياً ضد الظلم والبطش، ما دفع مُفكرين إلى وصفها بـ"موجة ثالثة من الربيع العربي". لكن المفارقة بينهما تعكسها أدوات العالم الرقمي. ففي الهبة الفلسطينية الحالية يبدو أن محركها هو تطبيق "تيك توك" الشهير، في حين ظهر "فايسبوك" و"تويتر" كمحرّكين رئيسيين في الربيع العربي.

ربما يساعد هذا في المحصلة على تفسير أوضح لخلفية المفارقة بين انخراط الجيل المراهق والعشريني بشكل أكثر تأثيراً وبروزاً في معركة "القدس" الشعبية، سواء في القدس أو الضفة الغربية وفي أراضي 48، وبين حضور جميع الفئات العمرية في انتفاضة الربيع العربي، علماً أن هنالك صراعاً داخلياً في فلسطين يدور تقليدياً بين جيلين: جيل كهل يتحكم بالقرار ويُنظّر لخبرته السياسية، وجيل فتيّ عانى من الاستبعاد والتهميش من قبل قيادته "العجوز"، وترجم هذه الفجوة بإثبات نفسه كجيل أكثر عناداً أمام جندي الاحتلال، لأنه أراد أن يُبرهن للجيل الأكبر منه عمراً "انه أقوى فعلاً ولو كان أصغر سناً وأقلّ خبرة".

والحال أن أكثر من نصف سكان العالم، بواقع 55%، شاهدوا فيديوهات في تطبيق "تيك توك" تحت هاشتاغ Free Palestine#. ولعلّ هذه المعلومة التي اعلنتها إدارة التطبيق عززت الاعتقاد بأن معركة "القدس" بدأت افتراضياً عن طريق جيل فتيّ فلسطيني في التطبيق الرقمي قبل أن يترجمها إلى انتفاضة على أرض الواقع. وهنا أدلى رئيس بلدية اللد، يائير رفيفو، بتصريح في ذروة اشتعال الأحداث في المدينة الواقعة داخل أراضي 48، زعم فيه أن الفيديوهات التي كان يبثها الفتية الفلسطينيون عبر "تيك توك" أوحت استباقياً بالأحداث الميدانية التي وقعت لاحقاً في هذه المدينة.

وانعكاساً لإدراك الدولة العبرية لوجود دور فعال لمواقع التواصل الاجتماعي في المعركة، ذهب وزير جيشها بني غانتس، قبل أسبوع، إلى عقد اجتماع عبر "زوم" مع المديرين التنفيذيين في "فايسبوك" و"تيك توك"، مطالباً إياهم باتخاذ إجراءات سريعة لمحاربة المحتوى الفلسطيني، بحجة "تحريضه على العنف أو نشرع معلومات مُضللة".

والواقع، أن الفلسطينيين، خصوصاً المولودين في عهد ما بعد اتفاق أوسلو العام 1993، وجدوا في "تيك توك" ملاذاً لهم من أجل نشر محتواهم في ظل ملاحقته على أيدي إدارتي "فايسبوك" و"انستغرام". لكنّ ناشطي السوشيال ميديا أفادوا لـ"المدن" بأن محتواهم في "تيك توك" لم يكن محمياً تماماً من الملاحقة أو الاختراق، وهو شعور عززته محاولات اسرائيلية لمواجهة المحتوى الفلسطيني واستهداف أطفال من أعمار معينة في هذا التطبيق.

هذا بالتحديد ما تحدثت عنه الناشطة الفلسطينية، ميساء الشامي، عبر مقطع فيديو بثته في "فايسبوك" أشارت فيه إلى رصدها عمليات استهداف إسرائيلية لأطفال بعمر يتراوح بين 12 و16 عاماً باللغة الانجليزية لتضليلهم وغسل عقولهم من خلال الترويج لفيديوهات ومنشورات دعائية إسرائيلية تزعم "أنهم كأطفال فلسطينيين لا يعرفون الحقيقة وهي أن اسرائيل تريد السلام، لكن هناك فلسطينيين يريدون قتل الاسرائيليين وينشرون أكاذيب!".

إلى ذلك، من الممكن تلمس حضور إسرائيلي كثيف في "تيك توك" على مستوى رسمي مثل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الناطق بلسان جيشه أفيخاي أدرعي، بغية استهداف جيل فلسطيني جديد باعتباره الأكثر ارتياداً للتطبيق، وحتى على مستوى اسرائيليين عاديين مهمتهم التصدي للمحتوى الفلسطيني بنشر آخر مُضاد. 

ورغم أهمية "تيك توك" في تفجير ثورة الجيل الفلسطيني الجديد لدرجة إثباته جدارته بالعناد والتحدي أمام جنود الاحتلال، إلا أن ناشطين يعتقدون في الوقت ذاته أن ثمة خطراً تتعرض له شريحة الأطفال والمراهقين في التطبيق لكونهم الأكثر عرضة لتضليلهم وغسل أدمغتهم من قبل الماكينة الدعائية الاسرائيلية؛ على اعتبار أنهم أقل تحصيناً بالمعلومة من جهة، ولأنهم ليسوا مصقولين كما يجب من الناحية النفسية والاجتماعية والتربوية والوطنية من جهة ثانية، حسبما أفاد الناشط محمود حريبات لـ"المدن".

وذهب حريبات إلى أكثر من ذلك بالقول أن المحتوى في "تيك توك" تم استهدافه خلال معركة القدس" وإن كان بوتيرة اقل وطأة من تطبيقي "فايسبوك" و"انستغرام" نظراً لاحتوائهما على عمليات فلترة حجبت منشورات وفيديوهات وحسابات فلسطينية لمجرد ورود كلمتي "شهيد" و"مقاومة"، مشيراً إلى أن "تيك توك" أغلق حسابات خاصة بفلسطينيين عدا عن إخفائه لمحتوىً معين. وضرب هنا مثالاً عن تجربة شخصية له، حيث نشر مقطع فيديو يظهر اعتداء جنود إسرائيليين على شاب مقدسي في باب العامود، لكنه لم يحصل على أي مشاهدة طوال أسبوعين، وهو ما اعتبره دليلاً على محاربة "تيك توك" ايضاً للمحتوى الفلسطيني، "لكن بطريقة ذكية".

والحال أن مشاهير "تيك توك" الفلسطينيين استخدموا هاشتاغات بطريقة التفافية خوفاً من استهداف محتواهم، لكن هذا لم يحل دون وجود سجال قوي بين المحتوى الفلسطيني والاسرائيلي. وفي المقابل، أكدت شركة "تيك توك" على هامش اجتماع عبر "زوم" مع وزير الاتصالات الفلسطينية قبل يومين على حياديتها والتزامها بعدم المساس بالمحتوى الفلسطيني أو التشويش عليه من دون تحيز أو توجيه، مدللة على ذلك بالمساحة الواسعة التي وصل إليها المحتوى الفلسطيني، إضافة إلى عرضها أمثلة أخرى عن المشاهدات الكبيرة للهاشتاغات حول فلسطين.

بموازاة ذلك، تصاعدت جهود فلسطينية على مستوى مجموعات شبابية أو رسمية لمخاطبة "فايسبوك" و"انستغرام" وملاحقتهما قانونياً بسبب محاربة المحتوى الفلسطيني. وتجلّى هذا بلقاء رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية مع رئيس الشؤون العالمية والاتصالات في "فايسبوك" نيك كليغ. وأكد شتية على الحق في التعبير عن الرواية الفلسطينية من دون قيود، رافضاً وسم كلمات مهمة في الخطاب الفلسطيني كـ"شهيد" و"مقاومة" بالمخالفة لمعايير المجتمع.

وطالب شتية أيضاً باتخاذ إجراء ضد المحتوى التحريضي غير المقبول باللغة العبرية والانجليزية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، بما في ذلك خطاب الكراهية والعنف الذي يتبناه المستوطنون المتطرفون، وأن يتم تخاذ القانون الدولي والقرارات الأممية التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني ضمن معايير "فايسبوك" في تقييم المحتوى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها