الأحد 2021/05/23

آخر تحديث: 14:44 (بيروت)

"على صفيح ساخن": هكذا تميّع دراما النظام قضايا المهمشين

الأحد 2021/05/23
"على صفيح ساخن": هكذا تميّع دراما النظام قضايا المهمشين
increase حجم الخط decrease
يبدو واضحاً أن هنالك تحولاً في مسار الدراما السورية التي يتم تصنيفها عادةً في فئة "الواقعية الاجتماعية". فبعد أن كان هذا النمط من المسلسلات يركز في الأعوام العشرة الأخيرة على حكايات الجنود وآثار الحرب والدمار على المجتمع السوري، ويزيف الحقائق بهدف تلميع صورة النظام وتبرير جرائمه، تختفي هذه السنة مظاهر العسكرة تماماً، لتحل محلها حكايات الحب وقضايا اجتماعية مختلفة، كتجارة المخدرات والإدمان والإرهاق النفسي. 

ورغم أن المسلسلات نفسها كانت قليلة مع تأجيل العديد من الأعمال إلى ما بعد الموسم الرمضاني، برز مسلسل "على صفيح ساخن" للمخرج سيف الدين سبيعي والكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي. ويمكن رصد عشرات الصفحات والمجموعات في مواقع التواصل، تجمع محبي المسلسل، بالإضافة لآلاف المنشورات والتغريدات التي تشيد به على أنه العمل الذي يعيد للدراما السورية المتراجعة، مثلما جرت العادة في السنوات الماضية مع مسلسلات مبالغ في تقييمها مثل "الندم" و"مسافة أمان" و"ترجمان الأشواق".

ورفعت الحلقات الأولى من المسلسل من سقف التوقعات الإيجابية، بسبب تضمينها لأحداث خلقت وهماً بأن صناع العمل سيلعبون في مساحة جديدة لم يتم اكتشافها في الدراما السورية مسبقاً، من خلال تسليط الضوء لأول مرة على حياة فئة مهمشة يطلق عليها تسمية "مجتمع النباشين" القائم على عمالة الأطفال القصّر واستغلالهم. وبدا الفضاء الدرامي الذي يجمع الأطفال بطريقة وحشية في مكب النفايات جذاباً، وتحديداً بعد الحملة الترويجية الرسمية للمسلسل التي ركزت على القضية، وتفاخر فيها المنتجون بصرفهم ملايين الليرات السورية لبناء مكب نفايات صحي ومعقم للممثلين وفريق العمل.

لكن أحداث العمل تأخذ مجرى مختلفاً عما سبق، لأن صانعي المسلسل يفتقدون للحساسية الفنية تجاه القضايا الإنسانية المهمة، فالأطفال في المسلسل ليسوا سوى قطع ديكور، لا يهتم أحد بنقل معاناتهم في ظل عالم ينتهك كل حقوق الطفولة. وتعامل المسلسل مع أولئك الأطفال كمجموعة من الكومبارس الصامت، دائمي الحضور على الشاشة كظلال في الخلفية، لا تُرسم لهم أي تفاصيل أو ملامح وكأن وجودهم بهذا العالم هو أمر عادي، حياتهم غير مهمة. لا أحد يطرح أي تساؤل عن الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا المكان ولا يهتم أحد بالمشاكل التي يواجهونها يومياً.

والأكثر من ذلك أن أولئك الأطفال وفقاً للحوارات التي تدور في المسلسل ليسوا سوى "زعران" ولا يمكن تصنيفهم ضمن خانة الضحايا، هم قذرون لا يستحمون إلا إذا أرغمهم معلمهم على ذلك، وهم وضعاء يقومون بتنفيذ أي أمر يوجه لهم مقابل المال! والمشاهد القليلة التي تعطي مساحة للأطفال، تصور مشاركتهم بأعمال قذرة، كما هو الحال في مشهد التبول الجماعي على "الخفاش" (عبد الرحمن قويدر)، الذي خالف أوامر "الآغا" (عبد الفتاح مزين)، وذلك في الواقع تماهٍ مع خطاب الإعلام الرسمي وخطاب المؤسسات الحكومية ذات الصلة، في قضايا متعلقة بالطفولة والتي أفرزتها الحرب في البلاد، بما في ذلك موضوع الأطفال مجهولي النسب التي ناقشها برلمان النظام العام 2018، وقضايا فردية أخرى رصدتها عدسات مدنيين سوريين وحولتها الى قضايا إنسانية محزنة في مواقع التواصل.

وفي فضاء المسلسل الذي كان بإمكانه نقل الكثير من المشاهد الدرامية المثيرة والحساسة، لا يشاهد المتابع سوى حكايات سطحية وسخيفة ترصد الصراع حول تقسيم مناطق العمل بين اثنين من معلمي النباشين، هما "الطاعون" (سلوم حداد) الذي يمثل الشر المطلق و"عياش" (يامن الحجلي) الذي يمثل الخير المطلق. هذا الصراع يتطور بشكل غير منطقي ويتشابك مع باقي خطوط المسلسل، حتى يحوّل "الطاعون" مهنة النباشين إلى غطاء لمهنة تجارة المخدرات، وكأن صنّاع المسلسل لا يدركون أن عمالة الأطفال هي قضية مهمة، لذلك بحثوا عن قضية أخرى، أهم بمنظورهم، ليعطوا ثقلاً للمسلسل الخفيف.

لا يختلف ذلك عن كافة المسلسلات السابقة لثنائي السيناريو الحجلي ووجيه التي تتنافس فيما بينها على لقب الأسوأ في السنوات الأخيرة. لكن خط تجارة المخدرات المحوري في "على صفيح ساخن" يبدو ضعيفاً ومثيراً للسخرية أكثر من أي وقت مضى، حيث تبدأ الحكاية مع شخصية "أبو كرمو" (عبد المنعم عمايري) العميل والزعيم الإسلامي وتاجر الحلويات والمخدرات الذي يهدف من طحن المخدرات وخلطها في عجينة الحلويات إلى جعل الشعب يدمن على حلوياته.

في هذا السياق الهزلي يبرر المسلسل مسألة غلاء الأسعار في سوريا بوصفها أمراً يتم التلاعب به من طرف التجار والعملاء. وبغض النظر عن لا منطقية الفرضية وسخفها، فإن صنّاع المسلسل أضافوا لشخصية "أبو كرمو" المزيد من التفاصيل غير المنطقية، كخطته لأسلمة سوريا، المتمثلة بشرائه لكل المطاعم والمحلات التي تقدم المشروبات الكحولية وتغيير هويتها! ويقدم المسلسل هنا مقولة دائمة الحضور في الإعلام السوري وهي أن الإسلاميين هم سبب كل علة، من منطلق أن ما حدث في سوريا لم يكن ثورة شعبية طالبت بالإصلاح السياسي، بل حرباً طائفية تزعمها متطرفون وإرهابيون مسلمون بدعم من دول عربية وأجنبية.

لكن شخصية "أبو كرمو" لا تعرف حدوداً، فهو بالإضافة لما ذُكر سابقاً: عضو في تنظيم خطير يسعى إلى تجنيد الشباب لخدمة الدعوة الإسلامية المتطرفة من خلال إعطائهم المال والسلطة ودفعهم إلى تخريب البلد من خلال عمليات إرهابية. وبالطبع يلتقي "أبو كرمو" بـ"الطاعون" في نهاية المطاف، لتشكل الشخصيات الشريرة جبهة تنتصر عليها أجهزة الأمن السوري فجأة في الحلقة الأخيرة التي تبدو نموذجاً للرداءة الفنية عبر توجيهها خطابات إعلامية مباشرة متوازية مع الشعارات الوطنية.

إلى ذلك، يطرح المسلسل قضية المغتربين التي باتت مستهلكة في الدراما السورية التي يعدها النظام وليس مفاجئاً أن يتبنى العمل رواية النظام الإعلامية ويصوّر المغتربين والمهاجرين على أنهم الخاسرون، ليؤكد من خلال حواراته أنهم أينما رحلوا سيذلون ويهانون لكونهم لاجئين، مع تمييع قضية الانتهاكات التي يمارسها النظام بحق المدنيين ودفعت أكثر من نصف سكان البلاد للتشتت بين لجوء خارجي ونزوح داخلي، بتصوير اللاجئين في الخارج كمغتربين أنانيين.

هذه القضية يناقشها المسلسل من خلال شخصية هلال وعائلته، حيث يبدأ العمل بعودتهم إلى حضن الوطن منكسرين بعدما أفلسوا وأنفقوا كافة ثروتهم في الخارج، ويتم تصوير هلال بمشاهد "فلاش باك" على أنه كان صاحب شركة ضخمة يمتلك علاقات نافذة قبل أن يخطئ ويسافر جامعاً كل ثروته. ليتحول في الزمن الحاضر إلى مجرد خادم في أحد الفنادق ويقوم بالتنظيف ويتذكر حياة العز في "سوريا الأسد"! هذه الصورة بالطبع تقابلها صورة لا تقل سخفاً عنها، لأشخاص جمعوا ثروات في البلد في الأعوام الماضية ويخزنون أموالهم بالعملة السورية (المنهارة في الواقع) ويحرصون كل الحرص على إيداع هذه الأموال في البنوك الوطنية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها