الأحد 2021/02/07

آخر تحديث: 21:39 (بيروت)

قراءة في "حسابات" المجتمع المدني مع "حزب الله"

الأحد 2021/02/07
قراءة في "حسابات" المجتمع المدني مع "حزب الله"
increase حجم الخط decrease


بعد اغتيال الناشط لقمان سليم، كان هناك شبه اجماع من أفراد المجتمع المدني على توجيه الاتهام إلى "حزب الله". وفي المقابل، وجدت مجموعات وأحزاب المجتمع المدني نفسها مضطرة لإصدار بيانات الإدانة، إذ يعتبر لقمان أحد الناشطين المدنيين، عدا عن حجم وفداحة الجريمة. 

إلا أن هذه البيانات لم تكن بالمستوى نفسه من حيث اللهجة أو من حيث الاتهامات التي وجهتها مباشرة أو غير مباشرة، أو من حيث تعاطي حزب الله معها. 

طغت الحسابات السياسية على بيانات الاستنكار والادانة، ودخل بعضها في المنطقة الرمادية. بدا المجتمع المدني، من خلال قراءته للحدث، متذبذباً، ومنقسماً على نفسه، وتخترق القضية المبدئية حسابات سياسية، وهو ما دفع ناشطي مواقع التواصل للتساؤل عن كل طرف على حدة، وصولاً الى انفجار قضية النائب اسامة سعد يوم السبت. 

ففي حين اتفق الجميع على إدانة الجريمة، إلا أن بيانات الادانة التي صدرت عن جمعيات وحركات المجتمع المدني اختلفت حدتها ومضمونها، كل حسب علاقته بأحزاب السلطة وطموحاته المستقبلية. 

فرقاء مثل "حزب الكتائب" و"خط أحمر" و"لحقي"، "شبكة المدى الشبابية"، "تحالف وطني"، "بيروت مدينتي"، "نبض الجنوب المنتفض"، "عامية 17 تشرين"، "أنا خط أحمر"، وغيرهم، من الذين أخذوا أقصى المعارضة وتطرفوا بها، جاءت لهجتهم حادة ووجهوا اتهاماً مباشراً لحزب الله، متبعين سياسة غالب أو مغلوب. 

أصدرت تلك المجموعات بيانات إدانة شديدة اللهجة، متهمة "حزب الله" صراحة باغتيال لقمان سليم في منطقة نفوذه لإسكاته ضمن استراتيجية جديدة تقوم على كتم الصوت المعارض للحزب في لبنان أسوة  بما يجري في العراق وإيران. 

هذه الأطراف لم يعد يجمعها بأحزاب السلطة ولا بحزب الله خصوصاً أي مصالح مشتركة تعول عليها، وتخشى من أن أي تسوية مستقبلية قادمة ستكون على حسابهم.
في المقابل، حافظت مجموعات أخرى على "خط الرجعة". هذه المجموعات تعرف جيداً أن أي حل مستقبلي لن يكون سوى باتفاق بين جميع الأطراف، وسيكون للطرف الأقوى، أي حزب الله، القدرة على فرض شروطه ورسم معالم الحل القادم. لذلك، حاول هؤلاء النأي قدر الإمكان عن الحزب في توجيه اتهامهم بل وتحاشوا وضع الجريمة في إطار النيل من حرية الرأي وإسكات الصوت المعارض.

وحذرت حركة "مواطنون ومواطنات" في بيان إدانتها للجريمة من "توغل المصالح الخارجية في الداخل واستباحته" ما يتلاقى مع رواية حزب الله عن أن الجهة التي نفذت الجريمة هي جهة خارجية هدفها العبث بالأمن الداخلي، متحاشية توجيه أي اتهام مباشر، بل كان البيان باهتاً مليئاً بالحسابات السياسية. بيان الحركة أتى إيماناً منها بضرورة المحافظة على شعرة معاوية مع حزب الله ومع النظام القائم، على اعتبار أن أي تسوية قادمة، سيكون حزب الله شريكاً أساسياً فيها.
مجموعة "شباب المصرف" راحت أبعد من ذلك، إذ دانت "كل جريمة ذات دوافع شخصية أو سياسية" ملمحة إلى أن الجريمة قد تكون مجرد خلاف شخصي، كما أدانت "كل استثمار سياسي من  قبل أحزاب هذه المنظومة"، وهذه عبارة قد تحمل أوجهاً عديدة، حيث أن كل حزب يوجه اتهاماً ضد حزب الله باقتراف الجريمة هو استثمار سياسي كما ترى مجموعة شباب المصرف. وسبق لهذه المجموعة أن تلاقت خلال 17 تشرين مع حزب الله في حصر مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي في المصارف ومصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة.
 هذه المجموعات لا يعتبرها "حزب الله" شريكاً سياسياً، لكن ردة فعله تجاه حلفاء آخرين، تظهر أن حساباته مع حلفائه تختلف عن حساباته مع المنسجمين معه بالادبيات السياسية، أو معارضيه بالمطلق، بدليل ردة الفعل على بيان "التنظيم الشعبي الناصري" شديد اللهجة الذي دان فيه كل أشكال الاغتيال والتخوين وقمع الرأي الآخر، ما استفز مناصري حزب الله الذين شنوا حملة تخوينية ضد النائب أسامة سعد. 

ولا يختلف بيان التنظيم الشعبي الناصري كثيراً عن بيان التيار الوطني الحر الذي شجب في بيان إدانته أي اعتداء على حرية الرأي والتعبير. فهل يتعاطى جمهور الحزب مع التيار الوطني الحر كحليف الضرورة والعلاقة بينهما ندية، بينما يتعاطى مع أسامة سعد كتابع لحزب الله؟ أم أن هذا الهجوم يحمل في طياته أحقاداً دفينة منذ الموقف المتمايز لأسامة سعد منذ انتفاضة 17 تشرين؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها