الثلاثاء 2020/08/11

آخر تحديث: 19:48 (بيروت)

تغريدات قتل السنّة وتهجير الشيعة.. تُفرِح "المستقبل" و"حزب الله"

الثلاثاء 2020/08/11
تغريدات قتل السنّة وتهجير الشيعة.. تُفرِح "المستقبل" و"حزب الله"
ثمة من لم يرَ إلا مشنقة نصر الله وبري (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعد الانفجار الكارثي الذي أصاب بيروت، انتشر في مواقع التواصل مقطع فيديو لامرأة مفجوعة فقدت ابنها تقول فيه: "يروحوا يفجروا بالجنوب، نحنا شو ذنبنا؟"

كانت تحت وقع الصدمة ولا تعني ما تقوله. لا يمكن لمن ذاق لوعة الفقد أن يتمناها حتى لأعدائه. لكن الفيديو وجد من يستغله لنشر خطاب متطرف ولم يتأخر الوقت حتى انتشرت تغريدة لإحدى الفتيات تقول فيها: "إن كان السيد سبب الحريق، فما أجمل لبنان رماداً". 

تغريدة الفتاة، في المقابل، غطّت على كل تغريدات التعاطف الآتية من الجنوب والبقاع والضاحية، كل الذين تفهموا ما قالته المرأة المفجوعة وتحملوها بصدر رحب، بات صوتهم غير مسموع. كل ما تردد في أوساط خصوم حزب الله، هي تغريدات الكره التي ما لبثت أن بدأت بالتكاثر. والتطرّف يجرّ التطرّف. 

في تظاهرة الثامن من آب/أغسطس الجاري، عُلّقت مشانق رمزية لكل الزعماء. كانت المطالب كثيرة: المحاسبة، تغيير النظام، وقف الفساد والسرقة... ما شاهده جمهور حزب الله من كل ذلك هو حبل المشنقة الملتف حول رقبة نصرالله وبري، كان ذلك كافياً لتبدأ الأبواق الإعلامية بنشر الحقد. تغريدات تتمنى حرق بيروت، أو تفجيراً وسط التظاهرة، تغريدات تمجد الفتنة وتنعي العيش المشترك. 



أصحاب هذه التغريدات، إعلاميون معروفون تمولهم جهات معروفة لنشر التطرف، وجيش إلكتروني كلّف هذه الجهات الكثير من المال لنشر البروباغندا الاعلامية التي تناسبها. لا يهم حزب الله، مثلاً، أن يرى جمهوره تغريدات تطالب بإحراق بيروت. هذه التغريدة موجهة لأهل بيروت والاشرفية لتشحن الآخرين طائفياً، لتزيد من مستوى التطرف عند الجمهور الآخر. كلما زاد تطرف الآخر، زاد تطرفنا. 

ما ينطبق على حزب الله ينطبق على باقي المتصارعين في حلبة السلطة. يعملون بجهد ليصبح صوت المعتدلين مكتوماً وسط ضوضاء من التطرف الشديد. تيار المستقبل يفرح حين يرى تغريدة لأحد مناصري حزب الله يدعوا إلى قتل السنّة. وحزب الله يفرح لتغريدة تدعو لتهجير الشيعة، هذا تطرف سيدفع الشيعة إلى حضن حزب الله أكثر، طلباً للحماية، والسنة نحو تيار المستقبل.

ينشر أحد المتطرفين تغريدة يدعو فيها مثلاً إلى إحراق بيروت رداً على اتهام حزب الله بالتفجير، ويقول بأن الضحايا أخذوا ما يستحقونه. يصور ناشطون مدنيون معتدلون، التغريدة، ويتداولونها من منطلق أن هذا الخطاب غير مقبول، وأن صاحب التغريدة انسان عنصري ومتخلف. 

ما يراه المتابعون في الصورة هو أن هذا هو تفكير الجنوبيين وأهل الضاحية وبيئة حزب الله، يعتبرون أن صاحب التغريدة المتطرفة يعبّر عن شريحة بكاملها. يغيب عنهم أنه يتقاضى المال لينشر التطرف ويشحن بيئته وبيئة الخصم طائفياً ومناطقياً. يغيب عنهم أن هذا الرجل لا يمثل سوى نسبة قليلة من الناس وأن الغالبية ترفض هذا الرأي. 

عندما لا يجد الناس أمامهم إلا الخطاب المتطرف، بعدما أصبحت أصوات المعتدلين غير مسموعة، يصبحون بدورهم متطرفين، يصدقون ما يقرأونه في مواقع التواصل. يعتبرون أن صاحب التغريدة، بمجرد أن لديه آلاف المتابعين، يملك مصداقية ويعبّر عنهم وعن مجتمع بأكمله، ويتفوه بالحقيقة. ببساطة، لأن الصوت الآخر غير مسموع، ونحن ننجر بسهولة خلف الخطاب المتطرف، وقد نجحت الأحزاب الطائفية، عبر سنوات من الجهد، في خلق مجتمع حاقد يعتبر أن ما يقوم به المجتمع الآخر ينبع من الحقد تجاهه.

الخطاب السائد في الجنوب مثلاً، لدى أنصار حزب الله، هو أن معارضي الثنائي الشيعي يريدون قتل الشيعة، أو على الأقل السيطرة عليهم، مدفوعين بحقد أعمى. لكن هؤلاء، في جزء كبير منهم، لا يعرفون أي سنّي ولا بيروتي ولا طرابلسي. ينجرّون خلف ما يخبرهم به الآخرون خلال سهرة النارجيلة أو عبر وسائل الاعلام الموجهة. 

الأمر نفسه ينطبق على وسم طرابلس بالإرهاب من قبل ناس لم يزوروا طرابلس مطلقاً، وينطبق على المخيمات الفلسطينية. كما ينطبق على تنميط أهل كسروان وجبيل وطرابلس، مثلاً، لسكان الضاحية وأهل بريتال وغيرهم. الناس يرون بعضهم البعض كما يراد لهم أن يروا بعضهم البعض. تطرف يجرّه تطرف ويشكل وقوداً لكل الحروب المقبلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها