الأربعاء 2020/04/08

آخر تحديث: 20:55 (بيروت)

نوح زعيتر.. حين يدلّع الميديا

الأربعاء 2020/04/08
نوح زعيتر.. حين يدلّع الميديا
increase حجم الخط decrease
لم يشتبك نوح زعيتر (المطلوب لأكثر من 80 قضية جنائية وأمنية في لبنان، ومعظمها يتعلق بتجارة المخدرات وتهريبها، ومطلوب أيضاً للانتربول)، مع أي وسيلة اعلامية، منذ بدأ القضاء اللبناني بإصدار مذكرات بحث وتحرٍّ بحقه. يقول عنه عارفوه بأنه "يدلّع الميديا"، في إشارة الى حُسن تعاطيه مع وسائل الاعلام وممثليها، حتى تلك التي تنتقده، بحيث لا يقيم موقفاً منها، لأنها في حقبة ما ستوصل صوته. 

وأداء الطرفين، الناقل لصوت زعيتر بشكل حيادي، ومنتقده، يعود بالفائدة على زعيتر نفسه. الطرف الأول، يوفّر له مساحة لقول ما يشاء. يلمع صورته، ينقل نفيه للاتهامات الموجهة له، ويكون الرأي العام المتعاطف، ويعزز صورته لدى من يعتبرونه "روبن هود". أما منتقدوه، فيتيحون له فرصة للظهور، على قاعدة "الدعاية السيئة دعاية حسنة". 

من هذا المنطلق، يبغض زعيتر المحايدين. يستفزه من لا يتفاعل معه. وهو الواقع الذي دفعه لتهديد أصدقائه في "فايسبوك" قبل ثلاث سنوات، بحظرهم من صفحته في حال لم يتفاعلوا. وبالفعل، نفّذ تهديده فأزال العشرات منهم من لائحة أصدقائه. 

خلال عشر سنوات، تغيرت علاقة زعيتر بوسائل الإعلام. في السابق، كان الاعلام يستدعيه، كظاهرة، تحتمل الانتقاد، كما تحتمل الظهور المحايد. لكنها بالتأكيد لا تحتمل الثناء على نشاطه، ولو أنه كان يردّ تلميحاً بوصفه "روبن هود" البقاع. وذلك يعود الى انه مطلوب للسلطات اللبنانية، وبالتالي لا يتيح القانون تبرير نشاطه الذي تحاصره مذكرات التوقيف الكثيرة. 

كان نوح زعيتر في السابق، وجهاً إعلامياً لتحقيق السبق، وللإضاءة على قصة غير متوافرة للجميع. الحظر كان الدافع وراء تربّعه على عرش القصة المثيرة.
 
بعد سنوات، تغيرت الحال. بات زعيتر هو من يستدعي وسائل الإعلام للقائه. فهو الآن، وجه مألوف، شخصية معتبرة، ولديه الكثير ليقوله. لم يعد في حاجة لوسائل إعلام تشكل صورته، ولا لتقارير تبرر فراره من السلطات، ولا لجهود تخرجه من عتمة منفاه في جرود البقاع الشمالي. هو الآن، شخصية اعلامية، وفاعلية اجتماعية تحمل مطالب بيئة عجز النواب عن إيصال صوتها، خصوصاً في ملف العفو العام. 


والحال إن الأزمات هي من يستدعي نوح زعيتر. فقد غاب الرجل عن الإعلام عندما شدت السلطات العزم على ملاحقة المطلوبين في صيف 2018، ما اضطر كثيرون منهم للفرار والاختفاء عن الأضواء، ومن ضمنهم نوح زعيتر الذي جرت مداهمة أحد منازله، وصادر الجيش كميات من حشيشة الكيف منه، حسبما أعلنت قيادة الجيش في بيان مرفق بصور آنذاك. 

لكن ظهوره، ارتبط بالأزمات، وكان أبرزها معارك القلمون، للقول انه يشارك في معارك ضد الارهاب على الحدود الشرقية.. وظهر قبل أشهر في اطلالة مباشرة عبر برنامج حواري سياسي محلي، كما ظهر مساء الثلاثاء في نشرات الأخبار، للإيحاء بأنه مرجع صالح للتفاوض مع السلطات اللبنانية لحل قضية أكثر من 35 ألف مطلوب من ابناء منطقته يطالبون بالعفو العام. ورفع موقعه الاجتماعي، متخطياً مذكرات التوقيف الصادرة بحقه، والتي تصنفه "فارّاً من العدالة" أو "مطلوباً قضائياً" في أدنى التقديرات، حين تحدث باسم فعاليات المنطقة مطالباً بلقاء لهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لتسهيل إقرار العفو العام.

حين حمل ملف هؤلاء، على ضفة غير رسمية، في منطقة معروفة بالترابط العشائري، ألزم وسائل الإعلام بتلبية مطلبه، متذرعة بأن ما يقوله يعبّر عن شريحة اجتماعية لا يمكن تجاهلها، وعن فئة يمكن أن تخلق مطالبها أزمة كبيرة ترى الحكومة أنها في غنى عنها في هذا الوقت. 

خلق زعيتر الحدث، ليرفع عن وسائل الإعلام إحراجها. وصعّد عبرها ليرفع أسهمه، استدراجاً لتسويات ولحيثية اجتماعية، كان يستحيل أن تتحقق من دون أن تنقل وسائل الإعلام صورته ومطلبه، وهو مطلب مريديه ومن يشاركونه الحال الواحد. وعليه، يصبح السؤال عن أسباب ظهور مطلوب للقضاء في وسائل الإعلام، غير مجدٍ في بلد تصنع فيه وسائل الإعلام أبطالها، قبل أن تذعن لرغباتهم. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها