الخميس 2020/04/23

آخر تحديث: 18:42 (بيروت)

تطبيقات "كورونا"..وصفة عالمية لتجسس الحكومات على المواطنين

الخميس 2020/04/23
تطبيقات "كورونا"..وصفة عالمية لتجسس الحكومات على المواطنين
increase حجم الخط decrease
منذ إثارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الإجراءات المحتملة لموجهة تفشي "كورونا" وحديثه عن امكانية اللجوء إلى تطبيق رقمي لتعقب المصابين بالفيروس، تضج فرنسا بهذه الفرضية خصوصاً بعد المقابلة المشتركة التي أجراها وزيرا الصحة والمعلوماتية مع صحيفة اللوموند في 8 نيسان، وكشفا فيها عن الخطوط العريضة لهذا التطبيق الذي لم ينتهِ العمل عليه بعد. 

تشير المعلومات الأولية إلى اعتماد تطبيق StopCovid على تقنية البلوتوث، مع ملاحظة أن استخدامه سيكون طوعيا. بعد تحميله وتفعيل البلوتوث، ستصدر ترددات تسمح بتخزين بيانات هاتف أي شخص تم الاحتكاك به، شرط أن يكون بدوره من مستخدمي StopCovid. وإذا ما ثبتت إصابة احدهم بالكورونا، تقوم الجهات الصحية باستخراج البيانات المُخزنة وابلاغ المعنيين لتوخي الحذر، دون كشف هوية المصاب. الغاية من تلك المراقبة الرقمية تتبع انتشار الوباء للسيطرة عليه مستقبلا. 

دول أخرى سبقت فرنسا في الاستعانة بالذكاء الرقمي للحد من انتشار الكورونا، ويعود الفضل باستخدام تقنية البلوتوث إلى سنغافورة التي طرحت في الـ 20 من مارس / آذار تطبيق TraceTogether. الحكومة السنغافورية جعلت التطبيق مفتوح المصدر (Open Source) لتمكين دول أخرى من تعديله واستخدامه، ما فتح المجال أيضاً لإطلاق مشروع أوروبي مشابه يجمع ثماني دول تحت اسم PEPP-PT. 

 الانتشار الذي يعرفه التطبيق السنغافوري لا يعني احتكاره للسوق .تعددٌ في التطبيقات يعكس الثقافة السياسية لكل بلد: أن تقرر فرنسا استخدام البلوتوث عوضاً عن بيانات "تحديد الموقع الجغرافي" (Geolocalisation) يبعث بإشارات إيجابية في ما يتعلق باحترامها لخصوصية الأفراد، فتقنية البلوتوث ستكتفي برصد أجهزة الهواتف التي تم الاحتكاك بأصحابها دون تخزين المسار الذي سلكه المستخدم، إلى جانب النية في عدم إلزام الفرنسيين بتحميل التطبيق.

لكن دولاً أخرى لم تراعِ هاتين النقطتين، كالصين التي جعلت من تطبيق Alipay Health شرطاً للتنقل. فبعد تحميله، يقوم البرنامج بتتبع حركة الفرد للتأكد من عدم تردده إلى أماكن "خطرة". 

بناءً عليه، يستخرج Alipay Health "رمز استجابة سريعة" (QR code): إذا كان الرمز أخضر اللون يعني أن المستخدم معافى وبإمكانه التنقل دون قيود، فيما يدل الأصفر على وجوب التزام الحجر سبعة أيام إذ احتك المستخدم بأحد المصابين بالفيروس. أما اللون الأحمر فيشير إلى أن صاحبه من ناقلي الكورونا وعليه التزام الحجر أسبوعين. في بعض المدن الصينية، بات إبراز الرمز الأخضر شرطاً لدخول الأماكن المغلقة (المحال التجارية...) أو وسائل النقل العام. 

لكن صحيفة نيويورك تايمز كشفت أن قاعدة بيانات هذا التطبيق تصب لدى أجهزة الشرطة. هي فرضية أيدتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" على لسان مايا وونغ، المختصة في الشؤون الآسيوية، التي ذَكّرَت بنظم المراقبة والرصد التي استحدثتها الصين سابقا ولغايات محددة (دورة الألعاب الأولمبية 2008)، لكن العمل بها ظل مستمرا.   

 وإذا كانت التطبيق الصيني يخفي، بحسب هذين المصدرين، دوراً أمنيا، فإن إسرائيل وكّلت علناً جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) برصد تحركات المصابين بالكورونا اعتمادا على بياناتهم الهاتفية. أمرٌ أثار جدلاً في الأوساط السياسية والحقوقية الإسرائيلية، فهذه التقنية تُستخدم عادةً لأغراض أمنية خاصة فيما يتعلق بملاحقة الفلسطينيين. 

وتوسع الجدل بعد تكليف الموساد باستيراد اللوازم الطبية نظراً لمرونته وقدرته على تجاوز العوائق البيروقراطية على حد وصف الحكومة. وعليه، ساد قلقٌ من ازدياد نفوذ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية واضطلاعها بمهام مدنية. جدل يفسر في جانب منه إطلاق وزير الصحة، في 22 آذار، تطبيق Hamagen لتعقب سلسلة المصابين بالكورونا ومساعدة المستخدمين على تفادي الأماكن الخطرة. من جهتها تدعم وزارة الدفاع مشروع تطبيق يرصد المصابين بالكورونا من خلال تحليل بصمة الصوت. 

غير انها تطبيقات لا تعني انحسار دور الجهات الأمنية الإسرائيلية في محاربة الكورونا.  وما يعزز الخشية من "السطوة الأمنية" وتحول خرق الخصوصية الفردية إلى قاعدة دائمة، أن مدة استخدام التطبيقات غير معروفة. رغم تعهد الجهات الرسمية في مختلف البلدان بجعلها مؤقتة إلى حين السيطرة على الوباء، لكن ما من شيء يؤكد أن رفع الحجر مثلاً سيكون مرادفاً لإيقاف العمل بها، بل يمكن الادعاء أن خطر الفيروس سيبقى محدقاً طالما لم يتم التوصل إلى علاج أو لقاح.
عبر صحيفة الليبراسيون اتهم جان باتيست سوفران، الأمين العام السابق للمجلس الوطني للمعلوماتية، صراحة الحكومة الفرنسية بالسعي إلى الحد من الحريات الفردية، مشبهاً StopCovid بالسوار الإلكتروني الذي يوضع للمساجين.  

إزاء هذا الواقع استجاب رئيس الوزراء الفرنسي لضغوط أحزاب المعارضة، فوافق على إقرار خطة حكومته، الخاصة بالإجراءات المواكبة لرفع الحجر الصحي، عن طريق الجمعية الوطنية (البرلمان). إلا أن وزير المعلوماتية أبدى تحفظه على خضوع تطبيق StopCovid للنقاش والتصويت البرلمانيين، إذ من غير المنطقي عرض الأمر على النواب فيما لم تتضح ملامحه التقنية.  هو قرار سياسي بحت لدفع المعارضين إلى تحمل مسؤولياتهم بعدما لم يوفروا الحكومة من انتقاداتهم طوال الاسابيع الماضية. 

من جهتها قامت شركة غوغل بحذف تطبيق AC19 الإيراني بعد تردد معلومات عن استغلاله لأغراض تجسسية.  
لكن الاستغلال الأمني وتقويض الحريات الفردية ليس الهاجس الوحيد الذي يشغل بال شركتي غوغل وآبل، إذ تبين أن عدداً من التطبيقات أُطلِقَ بهدف قرصنة أجهزة الهواتف كـ Covid19 Tracker حيث يجد المستخدم نفسه مضطراً إلى دفع "فدية" لقاء استعادة السيطرة على هاتفه، سيطرة افتقدها بعد تحميله للتطبيق المذكور. 
 
بالتوازي نجد سيلا من علامات الاستفهام حول الفعالية التقنية لتلك التطبيقات. أول ما يمكن التوقف عنده هو استبعادها للعامل البشري إذ لا مفر من تشخيص طبي للتأكد من الإصابة بالفيروس. ويستندون في ذلك إلى المثل السنغافوري الذي اضطر إلى فرض حجر صحي بعدما أثبت التطبيق محدوديته. 
من جانب آخر، قارب بعض الصحافيين بحذر إعلان دول عن جعل التطبيق اختياريا. من وجهة نظرهم، سيسهل على الجهات الحكومية تحميل المواطنين مسؤولية الفشل في مكافحة الكورونا لعدم استخدامهم هذه التطبيقات، ما يدفع بعضهم في نهاية المطاف إلى تحميله على اجهزتهم بالإكراه.

صحيفة ماريان الفرنسية ذهبت أبعد من ذلك لتعتبر أن إطلاق هذا التطبيق يعكس فشلا حكوميا في إدارة الأزمة. بالتوازي ووفقاً لـ Electronic Frontier Foundation قد يصل احتمال الخطأ في "تحديد الموقع الجغرافي" إلى 16 قدماً (4.8 أمتار) بينما يكفي أن يحتك شخصان على مسافة 6 أقدام (1.8 متر) لنقل الفيروس ما يشير إلى عيوب محتملة. 
 
من جهة أخرى، يقوم البلوتوث بإلتقاط الأجهزة المحيطة دون الأخذ بعين الاعتبار المسافة الفاصلة أو طبيعة المحيط الجغرافي. بالتالي، يمكن للتطبيقات التي تعتمد على هذه التقنية التقاط ترددات لأشخاص لم يخالطوا بعضهم لكنهم على مقربة دائمة، كسكان إحدى العمارات حيث لا تعيق الجدران والأبواب تخزين بيانات الجيران.   

وحتى لو تم القفز فوق كل ما سبق ذكره، لا يمكن تجاهل التفاوت الاجتماعي. 
فجامعة أوكسفورد خلصت في دراسة إلى أن فعالية هذه التطبيقات مرهونة بنسبة المستخدمين: نسبة يجب أن تتراوح، بالحد الأدنى، بين 60 و70%. بالمقابل تشير الأرقام إلى أن 77% من الفرنسيين يملكون هواتف مؤهلة لتحميل التطبيق، ناهيك عن أولئك الذين لا يحسنون استخدامه. شريحة تتكون بمعظمها من كبار السن، أي الفئة الأكثر حاجة للمتابعة الصحية.  

في هذا الاطار تبرز ضرورة مواكبة التطبيقات بتدابير إضافية كإجراء الفحوصات المخبرية للكشف عن الكورونا على نحو مكثف، بمعنى آخر عدم إعطاء التطبيقات أهمية أكثر من حجمها الطبيعي.  

وفي معرض الدفاع عن التطبيق انتقد رئيس تحرير قسم الميديا والتكنولوجيا في صحيفة لو فيغارو إنغيرو رينو، الأصوات المعترضة. قال إن ملايين الفرنسيين يتداولون يوميا بخصوصياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ولا يتوانون عن الاستعانة بتقنية "تحديد الموقع الجغرافي" لقيادة سياراتهم مثلا. بمعنى آخر لم تعلو الأصوات إلا بعد خروج الموضوع إلى الإعلام: فعدم استخدامهم للتطبيق أو حتى السعي إلى حظره لا يعني أن خصوصيتهم مصانة. 

على أي حال لم تحسم الحكومة الفرنسية خيارها بعد، حتى أن وزير المعلوماتية لم يستبعد العدول كلياً عن المشروع إذا خلصت الأبحاث إلى نتائج غير مرضية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها