الأحد 2020/02/23

آخر تحديث: 19:22 (بيروت)

إعلامُ إسرائيل يشكّك بتفوقها العسكري.. على"حزب الله" و"حماس"

الأحد 2020/02/23
إعلامُ إسرائيل يشكّك بتفوقها العسكري.. على"حزب الله" و"حماس"
التشكيك بتفوق ترتيب إسرائيل عسكريا غير معهود في الصحافة والاعلام العبري
increase حجم الخط decrease


أن يُفاخِرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- عند اقتراب الانتخابات أو كلّما اختنق من ملفات الفساد التي تُلاحقُه- بتفوّق جيشِه وقدرته على مواجهة الخطر الأمني القادم ممن يسميهم "أعداء إسرائيل".. فهذا كلامٌ مُكرّر وليسَ خبراً.

الواقع، أن ما يُمكنُ اعتبارُه حدثاً لافتاً هو أن تُنشرَ مقالاتٌ اسرائيليةٌ كالّذي كتبه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اليكس فيشمان، من أجل التشكيك أصلاً بما يقوله نتنياهو ومعه المستويات الأمنية عن هذا التفوق لجيش إسرائيل، لدرجة أن فيشمان وصفها بـ"كذبة أكبر من بين أكاذيب جوفاء لغاية إنتخابية" يتفوّه بها قادة سياسيون وأمنيون في الدولة العبرية!.

فحوى "الكذبة الأكبر"- بحسب فيشمان- والتي صدرت عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تنص على أنّ إسرائيل هي الدولة الثامنة في العالم من حيث قوتها العسكرية وتأثيرها الدولي.

وراح المحلل الإسرائيلي إلى دحضها بطريقة لا تخلو من التهكّم الضمني على نتنياهو؛ باعتباره اعتمد في ذلك على مجرّد استطلاع سنوي للرأي العام أجراه معهد "غالوب" الدولي بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا برعاية مجلة "يو إس نيوز أند وورلد ريبورت". هذا الاستطلاع يفحص ماهية الصورة التي تكونت لدى المشاركين فيه حيال الدول بناء على انطباعاتهم وليس معرفتهم.

بموجب الإستطلاع المذكور، يُسأل نحو 20 ألف شخص من عشرات الدول في العالم عن آرائهم بشأن نحو 60 دولة في العالم، بالرغم من أنهم لم يكونوا قد قاموا بزيارات إليها.. ثم، جاء نتنياهو ليتلقّفه ويستعرض عضلاته ويُفاخِر به رغم أنه لا يستند إلى بحث علمي وأمني.

وكي تثبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" صدقيتها وموضوعية تحليل مراسلها العسكري، فإنها راحت الى كشف المستور مما خلصت إليه معاهد أبحاث رائدة في مجال الأمن في العالم حيث تستند إلى مواد استخباراتية ومعطيات علنية، إذ أشارت إلى حدوث تدهور تدريجي في قوة إسرائيل العسكرية خلال سنوات العقد الأخير، بما في ذلك ما يتصل بمجال القدرة النووية.

الحق، أن هذا المقال الإسرائيلي الذي يشكك بتفوق ترتيب إسرائيل عسكريا غير معهود في الصحافة والاعلام العبري وإن كانت الغاية بالدرجة الأولى نقد نتنياهو والقادة.. لا جسم الجيش بحد ذاته. ولطالما كان التشكيك بالمؤسسة العسكرية محرّماً بمنظور الإسرائيليين  كما لو أنها "بقرة مقدّسة" لا يجرؤون على الاقتراب منها بأي نقد.

لا يُمكن إنكار أن هالة "تقديس الجيش" وإبعاده عن مسألة النقد الداخلي قد اهتزّت منذ حرب تموز التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006 بسبب ما تخللها مِن قرارات خاطئة لوزير الجيش آنذاك عمير بيرتس ومعه قادة عسكريون أدت إلى جعل جنود المشاة صيداً ثميناً لعناصر حزب الله.. ولكن، مسألة حديث أقلام عبرية- وإن كانت نادرة- عن تراجع إسرائيل عسكرياً في السنوات العشر الأخيرة، تُعتبر خطوة متقدمة في النقد الذي يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فيُوجه للساسة والعسكر في آن.

لعلّ تنامي سطوع هذا النقد الاعلامي الإسرائيلي والمشكك بكل ما يقوله نتنياهو حتى لو وصل الأمر إلى الأمن وبصوت أعلى، قد بدأنا ملاحظته بطرق مختلفة ولو منقطعة النظير منذ نحو عام، حيث يعود إلى سبب لافت. إذ يتمثل بقدوم بني غانتس رئيس تحالف ازرق-ابيض وطرح نفسه كبديل ومنافس يهدد مستقبل نتنياهو السياسي.

فقبل ظهور غانتس كمنافس، كان الإعلام الإسرائيلي في خضم أزمة البديل، مضطرا للانسياق وراء كل ما يتلفظ به نتنياهو.

وبدا غانتس وكأنه يشجع الاصوات الاعلامية التي تكذب نتنياهو في تصريحاته بالسياسة والأمن عبر إبراز إخفاقات نتنياهو داخليا؛ ومروراً بالترويج بأن ذلك يندرج في سياق هروب نتنياهو للشأن الأمني لإشغال الرأي العام الإسرائيلي بإيران وحزب الله؛ بغية التغطية على فشله في حل أزمات داخلية كالسكن المُكلف وغلاء المعيشة، ونقص عدد الأسِرّة والغرف في المستشفيات، وعدم تحقيق مطالبات المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. وقد عكس ذلك هبوط اسرائيل إلى المرتبة الـ29 من حيث جودة الحياة والقوة الاقتصادية والتأثير الثقافي، وفق الاستطلاع الدولي سالف الذكر.

مع ذلك، وبعيدا عما رصدته "المدن" من أقلام إسرائيلية في الصحف العبرية في هذا السياق، فإن هناك نقاشاً دائما لدى الأروقة العليا في إسرائيل يتحدث عن ثقة عالية بقدرات جوية واستخباراتية "خارقة".. في مقابل "وهن" وتراجع في قدرات سلاح المشاة والوحدات الخاصة
من منظور أن عناصر حماس وحزب الله قادرون على الإضرار بالجنود المشاة.

الحال، أن مقال الكيس فيشمان لم يقصُرْ تشكيكه هذا على "الكذبة الأكبر بشأن قدرات إسرائيل العسكرية"، بل وعرّج على "كذبات جوفاء" أخرى أطلقها المستوى السياسي والأمني في إسرائيل كجزء من الدعاية الانتخابية لأغراض انتخابية.. من قبيل إدعاء هذه المستويات بأن التموضع الإيراني في سوريا آخذٌ بالإنحسار، بموازاة التلميح إلى أن الجمهورية الإسلامية وحزب الله "عدو منهك وتحت السيطرة بفعل النهج العسكري الإسرائيلي الناجح"، مروراً بأن حركة "حماس" تتطلع إلى "تسوية مع إسرائيل ولم يتبق سوى مدّ طرف خيط اقتصادي للبدء بإزالة الملاجئ في مستوطنات غلاف غزة".

فيشمان يحسمُ تنميطه لـ"الكذبات" المذكورة في إطار "غيض من فيض هراءات تنطقها تلك القيادات في الأسابيع الأخيرة من أجل الإنتخابات، وتهدف إلى إنتاج شعور مزيّف بالقوة وبأن إسرائيل إمبراطورية"!.

يقاربُ الكاتب الإسرائيلي ظرفياً وزمانياً بين ما سبق من أجواء "المباهاة الجوفاء" وبين تلك التي شهدها الإسرائيليون عشية حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وكذلك عشية حرب لبنان الثانية في صيف 2006.

بيدَ أنّ فيشمان يعود ويُغلّف تشكيكه من مُنطلق "انتمائه لإسرائيل"، عبر القول "صحيح، هذه المعطيات الكاذبة تخدم الدعاية الانتخابية.. لكنها في الوقت عينه تشكل أرضاً خصبة لعدم المبالاة والاستهتار بالعدو وتراجع الجهوزية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها