الخميس 2020/01/09

آخر تحديث: 20:18 (بيروت)

السلطة تخسر فرصة تجديد الثقة

الخميس 2020/01/09
السلطة تخسر فرصة تجديد الثقة
الاهتمام بكارلوس غصن مقابل اهمال حقوق الناس زاد الاحتقان ضد الدولة
increase حجم الخط decrease
لم تشهد الانتفاضة اللبنانية، منذ 17 تشرين الأول الماضي، إجماعاً على ضرورة قيامها، قبل اليوم. فتراكُم الأزمات المعيشية وانفجارها في وجوه اللبنانيين، أعطى الانتفاضة زخماً شعبياً لأحقية المطالب التي خرجت منذ اليوم الأول، وتعرضت للتشكيك والتهميش والتسييس والاعتداءات. 

ولم يحتج المنتفضون إلى دليل على عجز السلطة، أكبر مما أثبتته هي نفسها اليوم. فهي تسيّر البلاد وفق مكيالين، أولهما في طريقة التعاطي مع المواطنين الفقراء، وثانيهما في التعاطي مع أصحاب رؤوس الأموال، وهو ما توقّف عنده ناشطون في مواقع التواصل بعد المؤتمر الصحافي لكارلوس غصن والإجراء القضائي الذي اتُّخذ اليوم بحقه. 

والحال إن المقاربة الحكومية لملف غصن، فتح شهية كبيرة على المقارنة. يقول ناشط في "فايسبوك": "القضاء يدخل غصن من باب القضاة المحامين، فهل دخل الدكتور عصام خليفة من نفس الباب؟".. بينما يقول آخر أن كارلوس غصن "سيستميت كثيرون في الدفاع عنه، في وقت تكاد المنازل تنقطع من غاز التدفئة". 

وينظر الناس الى تعاطي الدولة مع الملفات، من زاوية طبقية. "المال يتكلم"، يقول مغرّد، من غير الاشارة الى الفوائد المباشرة لإحاطة غصن برعاية سياسية، علماً أن مقاربة شبيهة لا تخرج عن كونها أوهاماً، بالنظر الى ان سياقات التعامل مع الملف تنطوي على مخاطر كبيرة تهدد العلاقات مع اليابان، كذلك أمواله التي لا يُعتقد أن لبنان قادر على الاستفادة منها على الاقل في هذا الوقت، حيث يواجه ملفات قضائية في اليابان.  

والهجوم على الدولة من زاوية غصن، ليس مرتبطاً بالجانب السياسي أو القضائي أو مستقبل البلد. فهو مرتبط بالأزمات الحالية التي يعيشها الناس. وعليه، يعقدون المقارنات بين طريقة التعاطي مع غصن وملفه، في مقابل سوء التخطيط لمنع انفجار الأزمات في وجه الناس. 

فأزمة الكهرباء التي انطفأت في منازل الناس ومصاعدهم، وأزمة انقطاع المياه بموازاة فيضانات الطرق، فضلاً عن تقنين الغاز والتحذيرات من انقطاع المازوت، وارتفاع سعر الدولار والاسعار.. كلها أثبتت لمعارضي التحركات ان الاحتجاج ليس إلا أقل الممكن من الاجراءات.

بات مسلّماً به، لدى جمهور الأحزاب، أن ذهنية السلطة في التعامل مع الأزمات، لم تتبدل، ولم يردها اتساع رقعة الاحتجاج. فالتخاصم السابق مع الانتفاضة، كان محاصراً الى حد كبير بآمال ووعود ترتبط بالتغيير المحتمل. وكان مخنوقاً بامتيازات "من جيوبهم ومن كيس الدولة"، وكان مقيداً بالرواتب التي يتلقاها الموظفون في القطاع العام. 

غير أن تدهور القيمة الشرائية، أزاح جزءاً من هذا الولاء النفعيّ لأحزاب السلطة. فعبارات التقدير للأحزاب، استُبدلت بالانتقادات العامة، ولو أنها لم تخلُ من اتجاهات سياسية، حين وُجّهت بشكل اساسي من قبل مناصري الأحزاب الى التيار الوطني الحر الذي يحتفظ بحقيبة الطاقة في الحكومات المتعاقبة منذ 2008.

والواضح ان مؤشرات الحقن على الدولة، تنفجر عندما تمس إجراءاتها مصالح الناس وحياتهم اليومية. حاول مناصرو الأحزاب، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تحييد أحزابهم... إلى أن مسّ التقصير جيوبهم، وأهانهم اهمال حياتهم في مقابل الاهتمام بقضية كارلوس غصن.

ذلك التقدير السابق انكسر، ليس بسبب ضعف الولاء، بل بسبب انكشاف الحقائق. وعليه، تخسر السلطة فرصة تجديد ثقة الناس فيها. ذلك أن الناس التي راهنت على تغيير في عقلية النظام، لن تتأخر في رفع شعار "كلن يعني كلن" مرة أخرى. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها