الخميس 2020/01/16

آخر تحديث: 21:09 (بيروت)

متفرجون في الحمرا.. وأشدّاء في ثكنة الحلو!

الخميس 2020/01/16
متفرجون في الحمرا.. وأشدّاء في ثكنة الحلو!
بررت ريا الحسن للقوى الأمنية "تعبهم" و"تعرضهم لكثير من الضغوطات" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
"فأر في الجولان وأسد في لبنان"، كلمات خطتها أنامل المحاصرين في تلّ الزعتر إبان المجازر التي ارتكبها الجيش السوري وحلفاؤه في ذاك الزمان، اختزلت بها أداء حافظ الأسد في مواجهة العدو الإسرائيلي وشراسته في سحق الفلسطينيين واللبنانيين، ليعود ويصبح شعاراً انتشر كالنار في الهشيم بعد مواجهات قوات الردع السورية مع قوات الحركة الوطنية، إنما بصيغة أكثر تعبيراً، وأثقل وطأة ليصبح "أرنب في الجولان وأسد في لبنان".


يصحّ هذا الشعار بحَرفيته على التعامل الأمني المتناقض، مع وقوفها كالمتفرج أمام قوى "حزب الله" و"حركة أمل" والمحسوبين عليهم، منذ 7 أيار حتى الآن، فيما تكشّر عن أنيابها وتبرز مخالبها ويعلو زئيرها في مواجهة الثوار السلميين ومراسلي القنوات التلفزيونية والمصورين الصحافيين، في أكثر من ساحة وموقع.

المستوى العنفي الذي تعاملت به القوى الأمنية مع الصحافيين ليلة أمس، بشكله العلني وغير المسبوق، جاء في لحظة تقاطع أحداث متشعبة ومتداخلة، إن كان في تصعيد التخريب ضدّ المصارف وإذكاء الغضب والتحريض على حاكم مصرف لبنان، في مرحلة ما بعد اغتيال سليماني، باعتباره تجسيداً لتنفيذ السياسة الأميركية في لبنان في محاصرة "حزب الله"، ما يوجب التصويب عليه كواحد من الردود على عملية الاغتيال، أو في معرض كيّ وعي الثوار وإعطائهم هدفاً دسماً ينقضّون عليه ليفرغوا فيه غضبهم وإحباطهم بغية حرف مطالبهم وأنظارهم عن التصويب على فشل السلطة وفسادها.

في رحى هذا الصراع، كان انكشاف القوى الأمنية وعريّها كاملاً لناحية عجزها عن التصدي لمفتعلي الشغب، الذين كان انتماؤهم الحزبي واضحاً، إن كان من شعاراتهم التي هتفوا بها، أو لناحية سلوكهم المنظم الذي يوضح مستوى تدريبهم وعملهم كمجموعة تعمل بذهنية قتالية عسكرية. وبصفتها "المتفرجة" وعجزها الكامل عن التصدّي لرعاع المشاغبين الحزبيين ومحرضي العنف، استهدفت القوى الأمنية ما طالته يدها من متحمسين من الثوار، الذين هجموا مع الهاجمين وهربوا مع الهاربين، لتفرغ فيهم شحنات كبتها، حيث واجهتهم بشتّى صنوف الركل واللكم والسحل. لكن المستجد هنا، هو أنّ شحنة "الاستئساد" الزائدة لم توفّر الصحافيين والمصورين، الذين كان لهم النصيب الأوفر من الوحشية والعنف. والمعتقلون بدا إبقاؤهم في ثكنة الحلو، بأعداد كبيرة، بقرار من السلطة. 

رفضُ الصحافيين أن يكونوا مكسر عصا وطرف مستضعف، دعاهم للتوجه إلى وزارة الداخلية، حيث اعتصموا واحتشدوا، لتقابلهم الوزيرة ريا الحسن بتصريح هزيل وتخبرهم بأن ما تعرضوا إليه من ضرب مبرح وعنف زائد على أيدي قوى الأمن خلال اليومين الماضيين، لم يكن بأمر منها، مطالبة إياهم بأن يضعوا أنفسهم مكان العناصر الأمنية "الخائفين على أنفسهم"، والذين "يواجَهون منذ بدء التظاهرات بالضرب والحديد".

نزلت الحسن لتلاقي الصحافيين والمصورين على الأرض، بعدما رفضوا دعوتها بالصعود إلى الوزارة ولقائها هناك، وأعلنت تحمّلها المسؤولية كونها في موقع السلطة، مكررة اعتذارها عما حصل. لكن المسؤولية التي تحدثت عنها لا يبدو أنها ستلاقي ترجمة عملانية على الارض، إذ بدلاً من التأكيد والوعد بمحاسبة المعتدين من قوى الأمن، بررت لهم "تعبهم" و"تعرضهم لكثير من الضغوطات" و"ووقوع أكثر من 100 جريح منهم"، قائلة للصحافيين الممتعضين من كلامها "ما هول بشر متلكم"، قبل أن تعلن صراحة عزوفها عن المحاسبة بالقول: "أنا فالة بكرا، وإن شاء الله تجي حكومة تعامل بطريقة أحسن يا ربّ".

الحسن كانت قد استبقت اعتصام اليوم بالتصريح والقول:"لا نقبل التعرض للإعلاميين والصحافيين الذين يقومون بواجبهم بتغطية الأحداث اﻵنية والتطورات الحاصلة، كما لا نقبل التعرض للقوى الأمنية التي تقوم بحفظ الأمن وفرض النظام العام بما يحفظ أمن المواطنين وسلامتهم"، معلنة تواصلها مع نقيب محرري الصحافة اللبنانية، جوزف القصيفي، وتقديم الاعتذار وشرح الملابسات التي حصلت وأدت إلى الاحتقان بين المتظاهرين وقوى الأمن، مؤكدة أن كلّ ما جرى لا يبرر إطلاقاُ ما تعرّض إليه الإعلاميون.

لكن ما لم تقله الحسن أنّها غير قادرة على الاعتراف أن موقعها لا يسمح لها باتخاذ إجراءات حازمة وشاملة وكاملة مع العناصر المؤتمرين منها، كما لا يتيح لها الاعتراف أيضاً بأن قرار استخدام العنف المفرط مع المحتجين والصحافيين، قد يكون صادراً عن ضباط يتعاطفون أو يتبعون أوامر من مراجع حزبية أو سياسية.

وما يؤخذ على الحسن أيضاً إسهابها في التبرير لاستخدام العنف بذريعة التعب والضغوط، فهل تفقد القوى الأمنية أعصابها فقط مع الصحافيين والمتظاهرين السلميين؟ ولماذا لم يزرها التعب حين كانت عناصر "حركة أمل" و"حزب الله" تفتك بالمتظاهرين وتعتدي عليهم؟ أم أنّ الأمر يندرج هنا في سياق الـBad things happen (الأمور السيئة تحصل)، كما علقت الحسن وقتها حين طُلب إليها أطلاق أوامر لقوى الأمن كي تردع المعتدين. وماذا عن أعمال الشغب التي شهدها شارع الحمرا، وكانت قوى الأمن تقف وتتفرج من دون التحرك ضد عناصر الميليشيات؟

تذكير الرئيس سعد الحريري والوزيرة ريا الحسن، اليوم، بتعامل القوى الأمنية السلمي وحماية المتظاهرين منذ انطلاقة الثورة، يبدو أنه أمر قد شارف على نهايته. فأحداث الأيام الأخيرة تنبئ بأن القمع سيكون له شأن وفعل في كيفية التعامل مع الثوار والمتظاهرين والصحافيين. في حين أن وزير الإعلام، جمال الجراح، ونقيب المحررين، جوزيف قصيفي، لم تحرّك لديهما كل الأحداث الأخيرة أي دافع لتشكيل قوة ضغط لحماية الصحافيين وحرية الإعلام، مكتفين بإطلاق تصريحات الواجب والتمنيات. فيما تنبئ المؤشرات الحالية بأن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من القمع إثر تغوّل أحزاب السلطة وسطوة السلاح وكسر هيبة الدولة، وإسقاط المؤسسات على حساب هيمنة المليشيات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها