الأربعاء 2019/02/20

آخر تحديث: 19:35 (بيروت)

... إلى أن تحط على كتف خامنئي حمامة السلام!

الأربعاء 2019/02/20
... إلى أن تحط على كتف خامنئي حمامة السلام!
increase حجم الخط decrease
للوهلة الأولى قد يخال لمن يقرأ حيثيات الشكوى التي قدمت ضدّ إعلاميين لبنانيين أعادوا نشر كاريكاتير ناقد للمرشد الايراني علي خامنئي، حجبه الأمن العام قبل أيام، واتهامهم بأنهم سعوا للمسّ بمرجعية دينية عالمية وبعلاقة لبنان بدولة شقيقة هي إيران، بأن الكلام هنا، يتناول عالماً ورعاً اتخذ من الحوزة العلمية سكناً، وليس له هم إلا الاشتغال بأمور الدين والانكباب على تأليف كتب الفقه ونشر الفتاوى وحمل راية الدعوة السلمية لنشر العقيدة الاسلامية السمحاء، وبأنّ الدولة المسماة شقيقة هي أقرب ما تكون لنموذج الجمهورية السويسرية المحايدة، التي تحرص على أفضل علاقات مع دول الجوار، وتنكّب على السهر على رفاهية مواطنيها، دون إقحام نفسها بأمور الدول المحاذية لها.


لكن رجلنا المنشود هنا وصفته مجلة "فوربس" بالمتربّع على عرش الملالي الأثرياء بثروة أسطورية تناهز الـ95 مليار دولار، كما أنه القائد الأعلى للقوات المسلّحة لدولة تُعتبر من بين الدول الخمسة الأقوى عسكرياً في الشرق الأوسط، والثالثة عشرة حسب الترتيب العالمي، ناهيك عن اتهامه بالسعي الدؤوب لامتلاك سلاح نووي والمحفّز الأول لتطوير أسلحة باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، بجانب تسليطه لقوات حرسه الثوري، المؤتمر منه مباشرة، والمتهم بدعم وتغذية الانقلابات على السلطات الشرعية الحاكمة في دول عديدة في المنطقة، أعاثت فيها قواته بصراعات دموية وقلاقل واضطرابات، نتج عنها إزهاق حيوات مئات الآلاف من الأبرياء وتدمير وتهجير مدنٍ ومناطق مأهولة بأكملها.

فكيف لرجلٍ يملك مثل هذا الطموح الامبراطوري وصاحب المشروع التوسعي، والقابض على كامل مقاليد السلطة في بلاده، والذي تعمل تحت إمرته عشرات الفيالق والمجموعات الطائفية المسلّحة، يُجيز لنفسه أو لغيره بأن يحصر ويحدد لنا مكانته على أنه رمز ديني تحطّ على كتفيه حمامات السلام ليس إلا؟!

لذا فإن من أبسط البديهيات أن يعترض على سياسة المرشد أفراد ومجموعات ودول وجهات إعلامية، لم تتطرق يوماً لماهية معتقداته الدينية والفلسفية، بل تضعه في خانة النقد وتناصبه الخصومة وربما العداء، كونه يحمل مشروعاً سياسياً بهذا الاتساع والثقل، الأمر الذي لا يمكن لأي عاقل ان تحدثه نفسه بالفصل بين ما يُفترض بمكانته الدينية أن تضفي عليه من حصانة، في حين أنه يختزل هذا الكم من المناصب السياسية والعسكرية، والذي يتيح من خلالها لنفسه أن يُرسل جحافله المسلّحة إلى بيوت هؤلاء الأشخاص ليقضّ عليهم أمنهم ومضاجعهم ويهددهم في حرياتهم ومعتقداتهم، دون أن يحقّ لهم أن يعترضوا عليه أو ينبسوا ببنت شفة، أو حتى يُشاركوا بإعادة نشر كاريكاتير، اعتقدوا أن فيه مساحة حرية تُعبّر عما يختلج في صدورهم، حتى وإن لم يكن لهم دور في الأساس في إطلاق هذا الرسم.

فهل يتوقع من يحاولون العودة بنا إلى عصور الظلام بأن تمر محاولاتهم مرور الكرام؟ وهل من المقبول أن يصبح القمع والتعتيم ومصادرة الحريات التي يصونها الدستور اللبناني، عرفاً تكرسه السلطات وأجهزة الأمن وتسعى من خلاله إلى تغيير هوية لبنان من واحة للحرية إلى دولة أمنية؟

من حجة واهية إلى أخرى، تتوالى علينا فصول التضييق على حرية التعبير والرأي، ويتفنن أصحاب الأفق الضيّق وأعداء الحرية بابتداع الأسباب وسوق الذرائع لخنقنا رويداً رويداً باختلاق قضية تلو أخرى، في مسار تصاعدي تفاقم مؤخراً وبلغ مستوى أشدّ جسامة وخطورة عن ذي قبل، من خلال قيام الأمن العام اللبناني قبل أيام بإزالة رسم كاريكاتيري للمرشد الإيراني علي خامنئي، من العدد الأخير لمجلة "كورييه انترناسيونال" الفرنسية، بعد دخول أعدادها إلى لبنان.

لم يصدر عن جهاز الأمن العام أي بيان توضيحي حتى الآن، ولم تتعنّى الرقابة اللبنانية بتبرير دوافع حجبها للرسم أمام الرأي العام، بل تركت المهمة ليتكفّل بها مؤيدون لفعلتها تلك، ممن ينشطون في مواقع التواصل شاهرين سلاح الترهيب ولغة الشتائم في وجه أي مستنكر أو مناوىء لمصادرة حق التعبير والسخرية والنقد. أعطت السلطة بفعل مسارعتها لحجب الرسم دافعاً لهؤلاء ليمعنوا في تجرّأهم على محاصرة من هم خارج تلك المنظومة التسلطية، موزعين التهم جزافاً على هذا وذاك، مستقوين بهمّة السلطة العالية في الفترة الأخيرة باستدعاء وتوقيف الصحافيين والناشطين ومرتكبي "جرائم" التعبير الحر.

وكان ناشط يدعى فادي حدرج قد تقدم بشكوى أمام أمام النيابة العامة الاستئنافية في منطقة النبطية ضد الإعلاميين ديما صادق ونديم قطيش وعمر حرقوص والمصور الصحافي وائل اللاذقي وكل من يُظهره التحقيق، على خلفية إعادة نشرهم لرسم خامنئي الكاريكاتيري اعتراضاً على حذفه من قبل الرقابة. قبلت المحكمة الدعوى وأحالتها إلى التحرّي، ليتم إصدار مذكرة بحق الإعلاميين المدّعى عليهم بتهم "مخالفة تعليمات وقرارات الأمن العام الذي منع نشر الكاريكاتير" و"المسّ بمرجعية دينية عالمية، من دون الأخذ بالاعتبار مشاعر غالبية المسلمين الشيعة في لبنان"، إضافة إلى تهمتي "تعمّد إثارة الفتنة" و"نشر ما من شأنه أن يمسّ علاقة لبنان بدولة شقيقة هي إيران".

هكذا تتكامل أدوار القمع بين السلطة وفئات من المتواطئين معها. تُمهّد لهم الطريق وتُهيّء لهم سبل النيل والانقضاض على الحرية والأحرار، وتنمّي بيئة الخلاف الخصبة في ما بينهم. تحفّزهم على لعب دور شرطة الأخلاق وحراس الدين وموجّهي سياسة الدولة، لتأتي ديباجة الاعتراض على إعادة نشر كاريكاتير خامنئي، وتعرّي هذه الأدوار بمجملها، فيما يبدو أن السلطة تقف في صدارة التصدّي لأي انتقاد قد يطال الدولة غير العربية الشقيقة ومرشدها، الأمر الذي يبدو انعكاساً لتلبية رغبات "حزب الله" وفرضاً لسطوته التي بدأت تتجلى منذ تشكيل الحكومة الجديدة، والذي يبدو أن أجهزة السلطة تميل إلى أن تكون واحدة من أذرعه المتعددة، التي يُحكم فيها القبض على البلاد ورقاب العباد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها