الإثنين 2019/02/18

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

أولاد المثليين يدفعون فرنسا لاستبدال "الأم" و"الأب"

الإثنين 2019/02/18
أولاد المثليين يدفعون فرنسا لاستبدال "الأم" و"الأب"
increase حجم الخط decrease
ليس عبثاً القول إن التعليم الحكومي يحتل مكانة مميزة في فرنسا، هي مؤسسة تجسد رمزية تتعدى رسالتها التربوية. فالمدرسة الحكومية الفرنسية رمز للمساواة من خلال توفيرها لحق التعليم المجاني لعموم الأطفال الفرنسيين وعدم جعله حكراً على المقتدرين مادياً، إضافةً إلى كونها العصب الأساسي لغرس القيم الفرنسية المشتركة كالعلمانية والإخاء.  

من الطبيعي إذاً أن يثير طرح أي قانون خاص بالتعليم الحكومي اهتمام الرأي العام. لذا لم يكن مستغرباً أن يضج الشارع الفرنسي ومن ورائه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي بالنقاشات البرلمانية، التي دارت الأسبوع الماضي، حول المشروع الذي حمل عنوان "مدرسة الثقة" L'école de confiance.

إلا أن ما أثار الاهتمام هي نقطة واحدة دون غيرها: اقتراح استبدال عبارتي "الأب والأم" في المستندات المدرسية والمراسلات بين الأهل والمدرسة بعبارتي "الوالد1" و"الوالد2"  (Parent1 & Parent2)، وفقاً لصاحبة الاقتراح فاليري بوتيه، بهدف "ترسيخ التنوع العائلي"، والمقصود بذلك الأطفال الذين تم تبنيهم من قبل أزواج مثليين. 

والحال أن الجدل دار حول أمرين اثنين: أولاً مبدأ شطب عبارتي "الأب والأم"، وثانياً العبارات البديلة المقترحة أي "الوالد1 والوالد2".

بداية، رأى المعارضون في الاقتراح، تهديداً للنسيج الاجتماعي عبر جعل الأزواج المثليين وأطفالهم المتبنين أمراً طبيعياً في المجتمع من خلال غرس هذا المفهوم لدى التلاميذ. لكن كان للنائبة جنيفر دو تيمرمان، موقف لافت خلال المناقشة داخل الجمعية الوطنية، إذ اعتبرت أنه يتيح المساواة الاجتماعية، لا سيما أن عدداً من العائلات تجد نفسها أمام نماذج إدارية قديمة الطراز، وبالتالي لا يجب أن يشعر أي كان بالتهميش بفعل التمسك بأفكار متأخرة. وهو ما دفع بزميلتها آنييس تيل للرد عليها، رافضةً استخدام تعبير "المتأخرة" لمجرد إبداء الاعتراض. هو تراشق دل على مدى الشرخ حيال الاقتراح حتى داخل كتلة "الجمهورية إلى الأمام" الموالية للرئيس ماكرون.

وفي معرض دفاعهم عن الاقتراح، نشر مغردون صوراً لمستندات مدرسية تحمل عبارتي "الوالد1" و"الوالد2" معتبرين أن الجدل في غير مكانه، فالعبارات قيد الاستخدام في عدد من المدارس. من جانب آخر، وخلال مناظرات تلفزيونية، بادر مؤيدون إلى تشبيه هذا الاقتراح بإصلاحات قديمة لاقت في حينها اعتراضاً واسعاً كحق المرأة في الاقتراع والسماح بالمدارس المختلطة.   

في الواقع، أعاد هذا الطرح إحياء جدل سابق: فخلال مناقشة قانون السماح بزواج المثليين العام 2013 ، المعروف بقانون "توبيرا"، اعتبر معارضوه أنه سيمهّد لمحو عبارتي الأب والأم من الوثائق الإدارية ومن القانون المدني، فقوبلوا بحملة مضادة، لا سيما من صحف ذات ميول يسارية.

وعليه بادر المعارضون، من سياسيين وصحافيين ورجال دين، إلى إعادة نشر تلك المقالات التي صنفوها في خانة الخداع. وكان واضحاً من كلامهم أن الاعتراض على اقتراح بوتيه هو استكمال لمعارضة قانون توبيرا، وقد اتضح ذلك من خلال إعادة نشر مقاطع مصورة لمداخلات نواب العام 2013 إبان مناقشة القانون المذكور في الجمعية العمومية، مداخلات انتقدت فيما انتقدت تشريع التبني للمثليين. 

إذاً، تمت مقاربة الاعتراض من زاوية البنوة وصلة النسب، لا سيما مع التخوف من أن تكون الخطوة التالية تشريع التلقيح الاصطناعي أو الحمل البديل للمثليين المتزوجين، والهدف من ذلك الايحاء بخوض معركة أيديولوجية لتجريد اقتراح بوتيه من البراغماتية التي يحاول ارتداءها. 

هذا المناخ السياسي سمح لحركة La Manif Pour Tous، العمود الفقري للمظاهرات المعارضة لقانون توبيرا، بالظهور مجدداً في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فوصفت رئيستها لودوفين دولا روشير، في مناظرة إذاعية مع فاليري بوتيه، الاقتراح بالسخيف وأنه لا يحل أي مشكلة. فعبارتا "الأب والأم" لا تتناسبان مع كل الحالات الاجتماعية.. وأعطت بذلك مثالاً عن الأطفال الذين يولدون ولا يعترف بهم آباؤهم. 

كلام دولا روشير حمل تساؤلاً مبطناً يستغرب على أي أساس ستتم مراعاة اعتبارات فئة دون غيرها؟ لا بل ينتقد أن تفرض أقلية ما، خصوصيتها الاجتماعية على الغالبية الساحقة من العائلات الفرنسية المكونة من أب وأم. من جهتها اعتبرت بوتيه أن من حق الفرنسيين تلقي معاملة إدارية متساوية، واقتراحها يسمح بتحقيق قدر أكبر من تلك المساواة المطلوبة.  

وانتشرت تغريدات ساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي، فتم التداول بغلافات روايتي مارسيل بانيول الشهيرتين: "مجد أبي" و"قصر أمي" (La Gloire de mon père & Le Château de ma mère) لكن مع تعديل عناوينها لتصبح :
مجد الوالد1 وقصر الوالد2   (La Gloire de mon parent 1 & Le Château de parent 2) في تلميح إلى أن اقتراح بوتيه قد يطيح الجذور الثقافية للمجتمع الفرنسي. 
رغم اقرار الاقتراح في الجمعية العمومية منتصف الأسبوع الماضي، إلا أن الجدل حياله لم ينتهِ. هناك شكوك حيال إمكانية الأخذ به في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه حزب الجمهوريين اليميني، ما يعني إمكانية اعادته للجمعية العمومية لقراءة ثانية. إضافةً إلى النقطة الثانية من الجدل، أي عبارتي "الوالد1" و"الوالد2".

فهناك إجماع، حتى لدى المؤيدين له، أن الاستعاضة عن الأب والأم، بالوالد1 والوالد2، ليس بالخيار الموفق إذ يكرّس نوعاً من الهرمية الأسرية وكأن الأرقام 1 و2 تعكس فوقية لطرف على آخر حتى لو لم تخرج عن الاطار المعنوي.

فانتشرت الاقتراحات البديلة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كتعميم مصطلح "الوصيّ"، مصطلح تستخدمه عدد من المدارس الكاثوليكية وفقاً لهذه الأسرة المكونة من امرأتين مثليتين

من جهتها، اقترحت "جمعية الأسر المثلية" اللجوء الى نظام الخانات الأربع (خانتان للأب وخانتان للأم) مع إعطاء الأسر خيار ملئها بما يتناسب مع حالتها. ويبدو أن اقتراح الجمعية هو الأوفر حظاً، فقد صرحت كريستين لانغ، مقررة اللجنة النيابية، لصحيفة L'Opinion يوم الجمعة أنها تنوي طرح هذا التعديل خلال القراءة الثانية. 

يصعب حصر الجدل الذي تشهده فرنسا منذ الأسبوع الماضي في زاوية واحدة إذ يحتمل النظر إليه من زوايا متعددة: منها القانوني والتربوي مروراً بعلم الاجتماع وليس آخرها علم النفس، كما تتداخل فيه البراغماتية بالأيديولوجيا. صحيح أن ما تقدمت به فاليري بوتيه لم يرقَ إلى مرتبة القانون، إلا أن الرمزية التي يحملها ستساهم حكماً في بلورة واقع اجتماعي غير تقليدي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها