الخميس 2019/02/14

آخر تحديث: 15:41 (بيروت)

بشير الجميل يكافح الفساد

الخميس 2019/02/14
بشير الجميل يكافح الفساد
غرّد النائب السابق فارس سعيد بهذه الصورة رداً على تصريحات النائب نواف الموسوي
increase حجم الخط decrease
أكثر من ثلاثين مداخلة في مجلس النواب، توقفت عند الفساد المعشعش في الجسد الدولتي اللبناني، لم تحرك جمهور التيارات السياسية المتناقضة، للتوحد ضده. وحده الماضي قادر على إثارة النعرات، واشعال الغرائز، والدفع للتصفيق لثورة مفترضة، وسلاح وكورنيت ودبابة... وحده الماضي، لا شريك له، قادر على تهديد السلم الأهلي. 


هدر وصفقات بالملايين، وآلاف الموظفين لغايات انتخابية، وأرقام أقرب الى رثاء الهيكل بأكمله.. كلها لم تحرك الجمهور الذي قال عنه السياسيون انه جائع. عوضاً مع التماهي معه بوصفه آفة تستدعي طرح الثقة بالنظام السياسي ككل وليس الحكومة فقط، تعاطى معه الناس في مواقع التواصل على أنه مادة للسخرية والتندر. وعليه، تبين أن الجوع هو لغة الحرب فقط، فهي المادة الوحيدة "المثيرة" في السجال بين نواب حزب "الكتائب"، ونائب "حزب الله" نواف الموسوي، وتوسع من داخل أسوار القاعة العامة في مجلس النواب الى خارجها. 

في الواقع، ثمة عاملان يدفعان الأطراف السياسية للتنازع على الماضي. في الأول، يجري استحضار الماضي كمنفذ من الاحراج الذي يتسبب به الحديث عن الفساد، في ظل العجز عن القيام بأي رد فعل للقضاء عليه. فالسلطة، بمعظم مكوناتها البرلمانية، ما عدا "الكتائب" والمستقلين، ممثلة في الحكومة. ذلك ان العرف الجديد في تشكيل الحكومة، أطاح الأعراف السابقة، وقرب النظام في الممارسة باتجاه "النظام المجلسي" بنسخة هجينة تجمع الممارسة النظامية في ايطاليا، بأحد أشكالها، وفي سويسرا بأحد أشكالها أيضاً. واضافة الى ان البرلمان، بالممارسة، فقد منذ 1992، صلاحيته كسلطة رقابة على الحكومة، حيث لم تُسجل أي واقعة محاسبة حقيقية للحكومة، تتمثل المكونات البرلمانية في الحكومة، وتعد البيان الوزاري، وبالتالي، تصبح النقاشات شكلية بما يتخطى دورها الاساس كسلطة رقابية.

هذا، ولم تتجه السلطة الى تنظيم شكل المواجهة مع الفساد بعد، وهي قضية معقدة اذا ما قورنت بتجربة كوريا الجنوبية في أواخر التسعينيات، أو تونس قبل سنوات، أو سنغافورة في مطلع الألفية. إزاء ذلك، يصبح الحديث عن مكافحة الفساد ترفاً لضرورات التسويق، وينطوي على وعود لتهدئة الرأي العام الذي تبين أنه لا يتحرك بما يخص الفساد، لأنه في شكل ما، شريك فيه، وأحد أذرعته، ولا تثيره القضية إلا في الجانب الشعاراتي، وإعادة تغريده لضرورات العلم والخبر.

وإذا كان "حزب الله" أضاء على مكمن فساد من غير أن يسميه (مداخلة النائب حسن فضل الله)، فذلك يعود الى التركيبة التي يقوم عليها النظام، لجهة التوافق بين المكونات واسترضائها، وهو جزء من هذه المكونات وتسوياتها، منعاً لاثارة الغبار على علاقاته الحالية والمستقبلية، خلافاً لكل التقديرات التي تقول ان حديث فضل الله يجب أن يكون إخباراً للنيابة العامة (عملاً بمنطق الفصل بين السلطات وصلاحياتها)، أو أن الحزب يتجه الى حرب نفسية رادعة، يضيئ فيها على الفساد من غير التشهير بالمكونات التي تجمعه تسويات معها، لردعها من غير أن يخسر علاقاته بها.

أما السبب الثاني للعراك على ملفات اشكالية تجنبتها الحكومة والبيان الوزاري بغطاء دولي من واشنطن الى اوروبا، فيعود حكماً الى أسباب شعبوية، في ظل العجز عن جمع الناس في أسباب معيشتهم، أو محاصرة لقمة العيش. ومنها، لا مناص من العبور الى الماضي الذي لا يمكن لأحد أن يغيّر في وقائعه. فالشيخ بشير الجميل هو الرئيس السابع للبنان منذ الاستقلال، ولا يمكن لأحد أن يغير في هذه الحقيقة. كما أن "حزب الله" سلطة قائمة تمتلك النفوذ على الحكومات والممارسة السياسية ككل، ولا يمكن لأحد أن يغير في تلك الوقائع. وبالتالي، فإن اثارتها يهدف الى اشعال القواعد الشعبية التي تجلت في سجالاتها في شتائم واستعادات، أشعلت السوشال ميديا، ليل الاربعاء، واستحضرت صور الماضي، من قبل الطرفين، للتصويب على التاريخ.

غير أن هذا السجال العقيم، الذي يتجدد كلما دعت حاجة الاطراف للتشويق، يمثل المنفذ للخروج من الملل، بالنظر الى ان الإحتفال بنائب جريء قادر على الاعلان عن المشاكل لم يعد مغرياً لاثارة الغرائز الطائفية. علماً أن الجلسات، بشكلها المكرر، هي واحدة من شكليات جلسات الثقة بالحكومة، اعتاد اللبنانيون على سماعها منذ بدء النقل المباشر لها في التسعينيات. تغيرت الوجوه فقط، من نجاح واكيم وزاهر الخطيب وغيرهما في التسعينيات، الى بولا يعقوبيان وجميل السيد وسامي الجميل...

ما ظهر في مناقشات السوشال ميديا، يثبت بما لا يحمل الشك أن التاريخ، هو مادة الانقسام الناجحة. لا التدهور المالي قادر على استدعاء الهمم لمكافحته، ولا لفض الشراكات السياسية. وحده بشير الجميل، بتاريخه وخياراته المرّة، ولعنة لبنان الجغرافية، قادر على اشعال الناس وليس الرغيف وتدهور الاقتصادي، وهي ممارسة مستمرة، لن تخفت، طالما أن لا ثقة لبنانية بمكافحة الفساد التي يجب أن تشعل ثورة، ولا يأخذها اللبنانيون على محمل الجد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها