الإثنين 2019/12/30

آخر تحديث: 21:15 (بيروت)

فرنسا:مصلحة الضرائب تتلصص على صور السوشيال ميديا!

الإثنين 2019/12/30
فرنسا:مصلحة الضرائب تتلصص على صور السوشيال ميديا!
المعترضون: تقويض للحريات ونوع من الديكتاتورية الرقمية
increase حجم الخط decrease



الضرائب في فرنسا تُعدّ مصدراً رئيسياً من مصادر الإيرادات العامة، وعليه تسعى وزارة المالية لزيادة ما تُحَصِله بشتى الطرق، آخرها ما ورد في موازنة العام 2020 حيث أقرت السلطة التشريعية مادة، حملت الرقم 57، تجيز لمصلحة الضرائب مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي كما مواقع التسوق الالكتروني لكشف المتهربين خاصة حينما يتعلق الأمر بضريبة الدخل.

الغاية من عملية التعقب هذه، هو رصد نمط حياة الأفراد للتأكد من أن مستوى معيشتهم يتناسب مع الدخل المصرح به والذي على أساسه تتم محاسبتهم ضريبياً. فالتبضع الكترونياً بمبالغ مرتفعة أو نشر صور لمقتنيات باهظة الثمن (سيارات ...) أو القيام برحلات سياحية والافصاح عنها الكترونياً (الإقامة في فنادق فخمة، السفر على الدرجة الأولى...) جميعها أنشطة قد تعرّض صاحبها للملاحقة القانونية إذا ما تبين أن دخله السنوي لا يتناسب مع هذا النمط الاستهلاكي. 

من خلال برنامج معلوماتي ستُجمّع البيانات ثم تُحلّل وتُفرز لتبيان الافراد المشكوك بأمرهم وذلك طوال ثلاث سنوات على أن يتم في نهايتها تقييم النتائج وحصر الأضرار لتصحيح أي خلل ينتج عن البرنامج أو ربما وقف العمل به إذا اقتضى الأمر. 

بطبيعة الحال تعددت الانتقادات حيال منح مصلحة الضرائب هذه الصلاحية، أبرز الأصوات المعارضة أتت من اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات.

أول ما توقفت عنده اللجنة هو المبدأ بحد ذاته: بدلاً من استخدام تلك الأداة لمراقبة حالة ضريبية بعينها مشكوك بأمرها، سيتم جمع البيانات بصورة عامة واستباقية، ما يحيلنا إلى الإشكالية الثانية ألا وهي آلية عمل البرنامج المذكور. فجمع البيانات بصورة عامة واستباقية سيؤدي حكما إلى تخزين معلومات حيال أفراد من غير المتهربين، من هنا طرحت اللجنة تساؤلا عما سيحل بتلك البيانات؟

بيد ان أمراً آخر أكثر خطورة عبّرت عنه اللجنة ألا وهي الخشية من أن يؤدي العمل بالمادة 57 إلى تقويض الحريات الفردية من خلال دفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى ممارسة رقابة ذاتية على منشوراتهم، وهو ما يعد انتهاكاً لخصوصياتهم خاصة وأن صفحات التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى مساحات خاصة يديرها كل فرد على النحو الذي يلائمه. 

ويكمن الذعر الحقيقي في إمكانية لجوء مصلحة الضرائب إلى مراقبة الرسائل الخاصة لرواد المواقع وعدم الاكتفاء بمنشوراتهم العامة، بذريعة أن المحادثات قد تكشف أدلة يحاول أصحابها التستر عنها، أدلة تتعلق بنمط حياتهم.       

وتوسعت مروحة المعارضين لتشمل الأحزاب وكتلها النيابية. فحزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي كما أقصى اليسار طالبوا بحذف المادة 57 من مشروع الموازنة، كما أبدت "الحركة الديمقراطية"، حليفة إيمانويل ماكرون، تحفظاتها على ما تم طرحه.

حتى كتلة "الجمهورية إلى الأمام" التي تشكل الغالبية النيابية لم ترض بالصيغة الأولية لهذه المادة، فتقدم نوابها بتعديلات إلى لجنة المال مطالبين أولا بضرورة حذف بيانات غير المتهربين في غضون خمسة أيام بدلا من ثلاثين، ومنع مصلحة الضرائب من الاستعانة بأي مساعدة خارجية. فعملية جمع  البيانات وتحليلها يجب أن تُناط بمصلحة الضرائب حصرا. وطالب نواب آخرون باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي من المادة 57 والإبقاء على مواقع التسوق الالكترونية.

وأخذت اللجنة بالتعديلين الأولين، فيما رفضت المقترح الثالث بحجة أنه يفرغ القانون من محتواه. ودافع وزير الدولة لشؤون الموازنة جيرارد دارمانان عما تم التقدم به في الموازنة قائلا إن موظفي مصلحة الضرائب يلجؤون بالفعل إلى مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مكننة العملية باتت أكثر إلحاحاً اليوم، مُشبهاً الأمر بالشرطي المفترض به التفوق دوماً على اللصوص.

ويمكن القول إن الجدل حيال المادة المذكورة أُقفل على الصعيد المؤسساتي بعد إعلان المجلس الدستوري عن تثبته من دستورية مشروع الموازنة ومادته الـ 57 معتبراً أن السلطتين التنفيذية والتشريعية قدمتا ما يكفي من الضمانات للمواءمة بين احترام الخصوصية الفردية ومكافحة التهرب الضريبي. 

إلا أن إعلان المجلس الدستوري أجّج الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي. معظم التغريدات عكست سخطاً لدى أصحابها خصوصاً تلك التي اعتبرت أن ما تم اعتماده في موازنة العام المقبل يستهدف محدودي الدخل فيما الميسورين سيظلون بمنأى عن تلك الملاحقات، حتى أن بعض المغردين طالبوا بمراقبة الحسابات المصرفية للعثور على المتهربين الفعليين.

آخرون رأوا فيها تقويضاً للحريات معتبرين أن الأمر نوع من الديكتاتورية الرقمية. واختارت فئة أخرى التعبير عن سخطها بأسلوب تهكمي، فطلب هذا المغرد مساعدة للعثور على قطع غيار لسيارته الفيراري.

وفيما رحبت أقلية بهذه الخطوة  تساءلت فئة أخرى عما ستفعله الحكومة حيال ملفات أخرى مشابهة كالاحتيال للحصول على مساعدات اجتماعية من دون وجه حق.

ظاهريا تبدو المادة 57 من مشروع موازنة العام 2020 نوعاً من مضاعفة الحكومة الفرنسية لجهودها بغية زيادة الإيرادات العامة وذلك من خلال التصدي للتهرب الضريبي، لكن في العمق نلاحظ أنها تعكس تلاشي الحدود بين العالم الواقعي والحياة الافتراضية.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها