الأربعاء 2018/09/26

آخر تحديث: 21:52 (بيروت)

"بكل طائفية".. تكريس لما ينبذه

الأربعاء 2018/09/26
"بكل طائفية".. تكريس لما ينبذه
يمثل ضرباً لمسعى لبناني لا ينفك يقدم نفسه على أنه نموذج للتعددية
increase حجم الخط decrease
الصورة التي كرسها برنامج "بكل طائفية" مساء الثلاثاء على شاشة "ال بي سي"، لا تعبر عن الواقع اللبناني، ويحتمل ترويجها الكثير من النقد، بالنظر الى انها تعمم حال الطوائف، والمغردين في مواقع التواصل الاجتماعي، وتسقطها على مجتمع بأكمله. 
الصورة مستفزة بحدها الادنى. مرعبة اذا كانت على هذا القدر من الحقيقة، ولا تبشر خيراً بمستقبل لبنان، إلا اذا أريد من الحلقة الاولى اعلان صدمة، تدفع لمتابعتها، وهي حرفة ترويجية يتقن صناع الاعمال التلفزيونية تثبيتها، ويدركون مفاعليها، كما يدركها بالعادة الناشطون المؤثرون في مواقع التواصل، الذين اجتمعوا في العمل. 

في الواقع، هذه الصورة الزاخرة بقدر مرتفع جداً من الطائفية، وتنميط الطوائف والمتمذهبين، مفتعلة، لا تتضمن الا جزءاً من الحقيقة. صحيح أنها موجودة، بمستويات أقل بكثير مما عرض، لكنها ليست صورة عامة. لا يمكن تكريسها كحقيقة ثابتة بأن أفراد المجتمع اللبناني يتوجسون من الآخر، منقسمون حول هويتهم، ويلوذون بطائفتهم عند كل منعطف. 

يخلط "بكل طائفية" بين الانقسام المذهبي، والانقسام السياسي. تلك نقطة هامة في العرض، عنوانها طائفي، لكن تفاصيلها سياسية بالتأكيد. فالمضمون يظهر الانقسام السياسي، واللوذ بطائفة تبعاً للانتماء السياسي. وهو ما يتمثل بفرز القواتية راشيل جعجع عن العوني جاد غانم.

ويظهر التباين أيضاً في أكثر من منعطف، مثل رؤية غانم للعلاقة مع "حركة أمل" عما هي عليه عن العلاقة مع "حزب الله" أو "القوات اللبنانية"، أو قناعات الشيعي الشيوعي سرحان سرحان مقارنة بالشيعي عباس زهري. كما يفصل بين رؤية تيار المستقبل التي تمثله راما الجراح، عن الصورة التي يقدمها بلال مواس، المتشدد دينياً والذي يعرف عن نفسه على أنه سلفي، عن الطائفة السنية. 

البرنامج يجمع ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي في اطار محطة تلفزيونية "اون لاين" تحت اسم "قطعة سما"، يرأس تحريرها ادمون حداد، ويعتبر حداد أن هذا الخليط هو آخر خرطوشة انقاذ للبلد حين يكشف الامور على حقيقتها. قد تكون محاولة، ورؤية تلفزيونية لمهمة اجتماعية – وطنية، لكنها في الواقع متخصصة بفئة من الاشخاص الذين يعبرون عن أنفسهم بأحسن الاحوال، أو عن نماذج ملتصقة بهم، ولا تعبر بتاتاً عن القسم الاغلب من كل طائفة. 

فالأزمة اللبنانية الحادة الممتدة من العام 2011، وإن أفرزت طائفيين، فإن هؤلاء مثلوا استثناءات، كانت تكبر دائرتهم بحسب الازمة، أو تضيق لدى انحسارها. ويفتقد البرنامج حكماً لدراسة جغرافية تقسم سكان المدن عن القرى (في حالة السنة كمثال)، أو نمط العيش ومستواه الاقتصادي (في حالة الشيعة كمثال أيضاً)، وزمن الاصطفاف السياسي (في حالة الموارنة كمثال). فالمشاعر الطائفية تتنامى عند الازمات، وتنحسر عند منعطفات غيرها، وليس هناك من حكم مبرم، يقدمه البرنامج، أو يحاول تقديمه. 

وفيما يتريت كثيرون قبل اعلان موقف محدد من البرنامج، فإن الحلقة الاولى أظهرت شيئاً غير دقيق. فالسلفيّ، بعمر الاربعين، كما بلال مواس، لا يحمل المشاعر الانتحارية التي يحملها من هم دون الـ25 عاماً. ويمنعه العمل حكماً من اللجوء الى تفجير نفسه، كما أثبتت دراسات امنية غربية حول السلفيين الذين وصلوا للقتال في صفوف التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق مثلاً. ولم يثبت في العمليات الانتحارية أو في التورط بأعمال ارهابية في الداخل اللبناني. 

ومن الضفة الشيعية، ليس صحيحاً ان مناصري "حزب الله" مثلاً لا يؤمنون بالدولة أمنياً، وهي نظرية سقطت خلال الترتيبات الامنية والاجراءات التي اتخذت في عاشوراء في الضاحية الجنوبية، علماً أن الثنائي الشيعي يكافح لازالة هذه التهمة عنه، ويصر في كل منعطف على التأكيد على حضور الدولة، وهو ما أعلنه الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في أكثر من خطاب. 

رغم ذلك، يقدم البرنامج نفسه على أنه ممثل لمشاعر الطائفة والمنتمين لها. وهم ادعاء خاطئ بالتأكيد، ولو أنه يعبر عن جو مقيت تشعله تغريدات السوشيال ميديا، وتخمده انطفاء شاشة الموبايل. وإذا كان البرنامج حقيقياً الى هذا الحد، بافتراض غير مثبت، فإنه ينقل صورة بشعة عن لبنان.

هذا البلد التعددي الذي يقدم نفسه كأنموذج في وجه الفئوية والعنصرية وتنامي النزعة الطائفية في المنطقة، والتي تمثلها اسرائيل. وقد أكدها وزير الخارجية جبران باسيل في واشنطن خلال مشاركته في مؤتمر يناقش تعزيز الحرية الدينية، ومسعى اللبنانيين لتكريس البلد كحاضن للثقافات والتعددية والتنوع، وهو مثال يعزز السلام ويثبت القدرة على التعايش في مقابل أحادية اسرائيل التي تشرع التطرف والارهاب. لذلك، فإن تكريس الصورة النقيض، يمثل ضرباً لمسعى لبناني لا ينفك يقدم نفسه على أنه نموذج للتعددية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها