الأربعاء 2018/08/29

آخر تحديث: 19:41 (بيروت)

محاذير سقوط الكيان

الأربعاء 2018/08/29
محاذير سقوط الكيان
increase حجم الخط decrease
الصدمة بأخبار لبنانية وقعت خلال اليومين الماضيين، هي مفتعلة بالحد الادنى، وساقطة من أدبيات المعرفة اللبنانية بأحوال الكوكب الداخلي، الذي بات بأحسن الاحوال ميؤوساً منه، وكل ما يرد فيه، متوقع ومعلوم، بدءاً من تنامي الفكر الاصولي الالغائي، وهو حدث غير جديد على الساحة اللبنانية، وصولاً لتوقيف ضابط أمني للتحقيق معه في شبهة غضّ النظر عن تجاوزات قانونية. 
ومن البلاهة الاعتقاد بأن أي لبناني، لا يتوقع هذا النزق في الأدبيات اللبنانية، الرسمية منها، وغير الرسمية، طالما ان الحديث عن الفساد احتل المنابر، واقيمت لها وزارة لتطويقه، لم تنجز ما كان متوقعاً منها. وطالما أن تنامي الفكر الاصولي، وانتشار الخطاب الفئوي، وتعزّز الشعور العشائري، بات سلماً لتحقيق الذات أو لخطاب جمهور نسي أصول هذا الكيان القائم على التنوع والعيش المشترك، وبات وجوده ضرورة في ظل اتجاه اسرائيل نحو دولة عنصرية قانوناً، لا شك أنها ستعزز التطرف والعنصرية في المنطقة. 

فالكيان اللبناني، خلال السنوات العشر الأخيرة، لم يعد ذلك الكيان الذي عرفه اللبنانيون والعالم في الخمسينيات والستينيات، وبعدها في التسعينيات ومطلع الألفية. الشكل الثابت للدولة اليوم، هو سقوطها غير المعلن. وحين تسقط الدولة، تسقط معها كل الاعتبارات الأخرى لرعاياها، الاعتبارات الاخلاقية والانسانية، وهو الخطاب الرائج اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي التي ترجع الخلل الى تزعزع هيبة الدولة، وانتشار الفساد. 

قد يكون توقيف الضابط لغرض التحقيق في شبهة فساد تتمثل في تلقيه رشاوى مالية من إدارة فندق وأحد المنتجعات السياحية، مقابل غضّ النظر عن بعض التجاوزات، شكلاً من اشكال محاربة الفساد، ستنسحب على آخرين.. وهو اجراء محل تقدير لقوى الأمن الداخلي. لكن قتل شخص تفوّه بكلمة باتت شائعة في ادبيات التخاطب اللبناني، بشبهة التجرؤ على الله، لا يستوي بتاتاً مع كل الترويج لمنطق الدولة، واستعادة هيبتها، وعملها على تقريب اللبنانيين من بعضهم، وهو ما يضعها في تحد آخر، لزيادة مستوى الوعي والتخلي عن ادبيات الاقتصاص المنفرد. 

والحال ان الحادثة، تشبه الى حد بعيد حوادث أخرى مرتبطة بتنامي النزعة الدينية، لكنها لم تصل في السابق الى مستوى القتل، كما في حالة محمد دهيبي. اللبناني اليوم يلجأ الى الدين، تعويضاً عن غياب دولة تحتضنه، أو تشعره بأمان على مستقبله. فالالتصاق بالدين، هو نتيجة حتمية للشعور بالضعف، أو الشعور بالحاجة لحماية، تتنامى وصولاً الى الاقتناع بأن الدين نفسه يحتاج الى حماية من المتجرئين عليه. وهنا مقتل الطرفين: الدين ومريدوه، والدولة وأشياعها. 

لم يجد اللبنانيون تفسيراً لهول ما يحدث، سوى التعبير عن الدهشة في مواقع التواصل الاجتماعي. ما زال بعضهم مقتنعاً بأن لبنان أرفع من أن يُمسّ بسلطة الدين، أو بالفساد. لكنهم في الواقع، يبالغون في الدهشة الى حدود الإنكار. وهم على قناعة بأن السياق العام لوجهة لبنان الحديثة، يتجه الى ما هو أسوأ، حين يدعي المتدينون التعايش مع منتقد للإله، أو حين يزعم العاجزون محاربة الفساد، أو حين يتجرأ المتورطون على إدانة البسطاء. 

كل شيء متوقع في لبنان. لا داعي لادعاء الدهشة. أمامنا مسيرة طويلة للاصلاح، إذا توافرت النيّات. بالاصلاح وحده نواجه التطرف والعنصرية والفساد. ولا خلاص من تعزيز دور القضاء ومنحه سلطة ردعية أكبر. من غير قوة تحمي القانون، لا دولة ستُقام، وستنمو المزرعة على أجساد ضحايا الفساد والتطرف. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها