الأحد 2018/08/12

آخر تحديث: 16:51 (بيروت)

حلا شيحة.. هزيمة التيار السلفي

الأحد 2018/08/12
حلا شيحة.. هزيمة التيار السلفي
الهجوم المجتمعي العام، خارج العالم السلفي، منبعه ليس بعيدا عن المخاوف السلفية
increase حجم الخط decrease
بضغطة زر الآن، يمكن أن ينقلب المجال العام المصري كله. كل شيء مرهون بالجديد المثير الذي يكسر رتابة الأيام المتشابهة، بعد ملل السياسة وركود الإعلام. هكذا كان الحال مع حكاية الممثلة حلا شيحة. 

قررت حلا شيحة أن تخلع الحجاب، من دون أي مقدمات سابقة كما اعتدنا. حيث أن هنالك نمطين معلومين لخلع الحجاب وارتدائه: يبدأ ارتداء الحجاب عادة بتغير شكل الملابس، ثم الأدوار المصاحبة له، ثم يُستكمل الدور بالتصريحات الأخلاقية المحافظة قبل أن يتم التحول الكامل بارتداء الحجاب واعتزال الفن، أو الاكتفاء بالأدوار "النظيفة" والتي تحوم حول الدراما التاريخية، أو "دراما الأخلاق الحميدة" لمحمد جلال عبد القوي وما يشابهها.
 
وكذلك خلع الحجاب، يأتي بالتدرج، بداية من ظهور النجمة المحجبة في حفلات أهل الفن والفعاليات العامة، وتبدأ الملابس تتغير، تضيق وتقصر، وتظهر خصلات الشعر من تحت غطاء الرأس حتى يتم التحول الكامل.

هكذا كانت الحال طوال الأعوام الأربعين الماضية. لا بد من تمهيد للمرحلة التالية. لا مفاجآت تذكر. لكن حلا شيحة، فاجأت الجميع في ارتداء الحجاب ومن ثم النقاب، ثم في خلعه. في الحالتين تفاجأ الناس بحجابها. فهي ابنة فنان تشكيلي يتمتع بحيثية، هو أحمد شيحة، تربت في أسرة متحررة، فكان حجابها يبدو وكأنه فعل غريب، لكنه في حقيقة الأمر كان مناسبا للأفكار المهيمنة على بدايات الألفية، مع صعود الإسلام "الكول" النيوليبرالي على أيدي عمرو خالد وجماعته، وتوجيههم خطابهم الجديد الى الطبقات العليا الأكثر تحرراً.

وكان أن تحجبت، ثم انتقبت حلا شيحة. وبعدها، انقطعت كلياً عن الوسط الفني وأخباره وعالمه لأكثر من عقد من الزمان. قليلة هي الأخبار التي تذكرها، وتزوجت من كندي وسافرت معه كما تقول الصحف والمواقع الإخبارية.

وقبل أيام فاجأت الجميع ثانية بخلعها الحجاب. هذه المرة كانت المفاجأة أكبر من سابقتها، ربما لأن حلا لم تدخل في أطوار الظهور المعلومة، وكانت بعيدة عن رادار التقاط الأخبار الجديدة، كما اختفت فجأة، ظهرت فجأة، دون حجابها.

المفاجأة هزت الأوساط السلفية في مصر أكثر من غيرها. فخلع شيحة للحجاب هو هزيمة معنوية ثقيلة للتيار الذي بنى كثيرا من سمعته وقوته الاجتماعية على اختراقاته للوسط الفني المصري منذ التسعينيات. ذروة النجاعة كانت مع حلا شيحة بالذات، التي اعتزلت وهي في قمة نجوميتها وشبابها. لم تكن في طريقها للأفول مثل حال معظم النجمات اللاتي اعتزلن، كما أنها لم تثر غباراً إعلامياً كثيفاً كما يفعلن عادة، بل وتزوجت واحداً من حديثي الإسلام، لتكتمل ملحمة العودة إلى "أحضان الحق"، كما يطيب للسلفيين دائما أن يتخيلوا. القصة التي تشابه الملاحم التي يحكونها في شرائطهم وبرامجهم، هي نموذج حي وحيوي وفعال لما يبتغونه من فكرة "التوبة" كما هي في المخيال السلفي تماماً.

تأتي حلا وبمنتهى الهدوء لتهدم الملحمة. كأن الأسطورة لم تكن. أظهرت بكائياتهم الواحدة تلو الأخرى، كان أبرزها وأقواها دلالة فيديو حازم شومان، الذي بكى في فيديو استجداء العودة. المفارقة الدرامية التي تكمل نهاية الملحمة أن شومان هو نفسه صاحب العبارة التي صارت من أمثولات الثورة الساخرة: "يعني إيه علمانية يا برادعي؟ يعني أمك تقلع الحجاب؟"

ذلك الفزع السلفي لا ينحصر فقط في كون حلا هي ذروة نجاحهم واختراقهم للوسط الفني، لكن هذه الهزيمة الاجتماعية الرمزية تأتي لاحقة بانكشاف ضآلتهم على الصعيد السياسي، وهم من كانوا ومنذ اللحظة الأولى للثورة الجناح الأكثر انحطاطاً لجهة استخدامهم الدين من ناحية، ولعبهم مع كل ألوان الطيف السياسية وتحالفات الخفاء مع الجميع، حتى خسروا ثقلهم الاجتماعي. اليوم تأتي حلا وتؤكد على هذه الهزيمة المدوية.

الهجوم المجتمعي العام، خارج العالم السلفي، منبعه ليس بعيدا عن المخاوف السلفية، فما فعلته حلا يؤكد على الفكرة التي يفزع منهما المجتمع، وهو التغيير الواسع في القواعد الأخلاقية والمسافة التي تتسع مع الدين كمرجع أساسي للأخلاق، وهو الفزع الذي تحول في حوادث سابقة إلى عنف خالص موجه ناحية علم قوس قزح مرفوع في حفلة، أو كلمات عابرة في مسلسل نهاري، أو حتى فيديو ساخر على السوشيال ميديا. يزيد عليه أن حلا تؤكد على الفكرة التي تحاول النساء التأكيد عليها في كل مناسبة وهي حقها في التحكم بجسدها، دون أن تكون هناك عواقب مجتمعية عنيفة.

الصورة العامة الآن تقول إن معركة الحجاب تنتمي إلى زمن قديم، هيمنت فيه الخطابات التي تجعل من جسد المرأة وملابسها ذريعة للصلب، وهو معبر هوياتي واضح تماماً لتلك الانحيازات الخطابية، لكن يبدو أن ظلال هذه المعركة مازالت تلقي أثرها على زمننا الحالي، وربما الركود يجعل من القديم مادة مناسبة للسجال الآمن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها