الإثنين 2018/07/23

آخر تحديث: 18:59 (بيروت)

مصر: قانون التكبيل الأبدي

الإثنين 2018/07/23
مصر: قانون التكبيل الأبدي
المالية بصدد تقديم دراسة شاملة لفرض ضرائب على إعلانات "غوغل" و"فايسبوك"، و"إنستغرام"
increase حجم الخط decrease
 
أقل ردة فعل على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي أقره مجلس الشعب هو وصفه بالـ"كارثة". ولعل ذلك التوصيف تخفيف لوطأة ما يعنيه ذلك القانون. لأنه ببساطة يضع على كل منفذ عام ورقي أو إلكتروني حزمة من الإجراءات الرقابية والعقابية من شأنها أن تقضي على البقية الباقية من متنفس للعاملين بالمجال والمهتمين به.

ذلك المتنفس يتمثل في بعض الكلمات الغاضبة التي تكتب من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإلكترونية المستقلة، وحتى هذه الكلمات صارت تكتب بشيء من الحذر في السنوات الأخيرة خوفا من الحجب أو الإجراءات الأمنية التعسفية. مع ذلك القانون الجديد، فإن الغطاء القانوني الآن موجود لمحاسبة حتى هذه الكلمات ووضعها في مساحة التجريم واستحقاق العقوبة.

ولأن حجم الكارثة أكبر من كل محاولات خلق البكائيات، وأكبر أيضاً من نقده في مقال واحد، فسوف نركز على جزئية واحدة تتعلق بما يخص مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن القانون بمواده التي تجاوزت السبعين مادة تستحق نقداً وسجالاً منفصلاً.

قرر القانون الجديد لتنظيم الإعلام مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا الحسابات التي تجاوز متابعوها 5 آلاف مستخدم. سوف تخضع هذه الحسابات إلى مراقبة المجلس الأعلى للإعلام، وسوف يجري عليه ما ينطبق على الكيانات الصحافية من مراقبة "قانونية" ومحاسبة على نشر أخبار كاذبة وحجب الحساب أو المدونة.

صار إذاً للمجلس الأعلى للإعلام سلطته الضبطية القضائية بشكل كامل، بعد أن كان دوره تنسيقياً، ويصدر تقارير وتوصيات، يؤخذ منها ويرد، وتثير بلابل بين المعنيين في المجال. أما اليوم فصار بإمكانه أن يحصل على دوره الرقابي كاملاً، ولعله تكون له "شرطته الخاصة" مع مرور الوقت، وتصير في مصر شرطة "المجلس الأعلى للإعلام" للقيام باللازم.

منذ اللحظة الأولى لتقديم مشروع القانون من قبل لجنة الإعلام والثقافة في مجلس النواب، والنيات عازمة على إنفاذه دون أية عوائق تذكر ولو شكلانية، فالمشروع الذي شهد من مجلس الدولة عددا من الملاحظات على عدم دستوريتها، لم يأخذ بها في المجلس. عدد من النواب الذين شكلوا تكتل 25-30 في المجلس، تحدثوا عن شبهة عدم دستورية بعض القوانين ومنها قانون الصحافة، وذلك استناداً الى ملاحظات مجلس الدولة المعني بالتخصص بدستورية القوانين، ورغم ذلك فإن إجراءاً عقابياً ينتظر هؤلاء النواب، بسبب "ملاحظاتهم" ومعارضتهم الأليفة، وهو مناقشة إسقاط عضويتهم من الأساس!

إذاً لن يتوقف الحجب على المواقع الإلكترونية، بل سيطال حسابات شخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى مطاطية للغاية هي نشر أخبار كاذبة، يمكن أن يكون ضحيتها أي مستخدم بأي تدوينة أو تغريدة شاردة حتى لو كانت مجرد نكتة تزعج الحكومة.

طوال الأعوام الماضية، والدولة تفكر في محاصرة الفضاء العام الافتراضي، وها هي تقترب خطوة جديدة من حصاره التام والإطباق عليه، بدأتها بإلقاء القبض وإخفاء أصحاب هذه الحسابات، ثم لما أثبتت هذه الخطوات عدم نجاعتها الكاملة، استبدلتها بالحصار الإلكتروني بالحجب، وأخيرا تشريع قوانين لأجل المراقبة والعقاب، ثم أضافت إليها فكرة جديدة نشرتها "اليوم السابع" أمس.

فقد قدم وزير المالية إفادة، ملخصها أن الوزارة بصدد تقديم دراسة شاملة وآليات تطبيق خاصة بفرض ضرائب على إعلانات "غوغل" و"فايسبوك"، و"إنستغرام" والمنصات الإلكترونية المختلفة المتحصلة من السوق المصرية، وما يتطلبه ذلك من تعديلات تشريعية وتنفيذية أو إصدار تشريع جديد، مؤكداً أنها سوف تستغرق نحو شهرين وتعرض أمام الدورة البرلمانية القادمة لمجلس النواب فى أكتوبر المقبل.

كلمة "كارثة" إذن لا تحيط بحجم الكارثة بالفعل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها