الخميس 2018/07/12

آخر تحديث: 19:31 (بيروت)

شربل خليل ونكتة "القائم": الغضب ظل إلكترونياً.. بقرار؟

الخميس 2018/07/12
شربل خليل ونكتة "القائم": الغضب ظل إلكترونياً.. بقرار؟
لا يأبه شربل خليل تجاه الشدّ العصبي الذي يُلازم الكثير من اللبنانيين (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
ليس من المستغرب على شربل خليل استجرار أفعال غاضبة وإثارة الجدل على مدى أعوام من تقديم فقرات برامجه ذات الطابع الكوميدي النقدي، التي، وإن تغيّرت أسماؤها، إلا أنّ محتواها كان على الدوام ممهوراً بأسلوبه الذي لطالما اعتبره كثيرون خارج السيطرة، أو انه على الأقل يعتصر آخر ذرّة في القدرة على الاحتمال.


لذا، فإن الاستهجان كان حاضراً على الدوام من إصرار خليل، صاحب الشخصية الإشكالية، التزام نقد اعتاد تخطّى السقوف العالية، في برامجه واسكتشاته وحتى تغريداته، إذ لطالما قدّم الرجل نفسه على أنه غير معني بمراعاة الحالة الطائفية، ولا يأبه تجاه الشدّ العصبي الذي يُلازم الكثير من اللبنانيين لحظة المسّ برموزهم السياسة والدينية، ما جعله يبدو وكأنه مفتعل للأزمات ومستجلباً لها، كونه أشعل أكثر من فتيلٍ وافتعل أكثر من هزّة، مبدياً لامبالاة بالتداعيات التي نجمت عنها، ما يجعل من تعليقاته وسخريته تنتمي لثقافة لا يسع لبنان التعاطي معها على أنها عمل كوميدي هزلي صرف.

النكتة الجديدة التي أطلقها خليل، من خلال برنامج "قدح وجم" عبر شاشة "الجديد"، حول الحادث الذي حصل في الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث اجتاحت سيارة مسرعة تقودها سيدة صيدلية "القائم"، حمّلها خليل إيحاءات جنسية من العيار الثقيل، من خلال لعبه على اسم الصيدلية، وجعله المسبب لجنوح السيارة باتجاهها عمداً، الأمر الذي كان من المؤكّد أنه سيمرّ بسلاسة بلا أي ضجّة أو سؤال في حال ألقيت النكتة في برنامج يُخاطب شريحة اجتماعية مختلفة، أميركية أو أوروبية أو أي مجتمع آخر يملك نظرة وخلفية ثقافية مغايرة لتلك السائدة في لبنان ومحيطه في المنطقة العربية.


أما وأنّ خليل، الذي خَبِر جيّداً تركيبة المجتمع اللبناني والمدى الذي قد يذهب إليه البعض من افتعال للشغب أو ابداء ردود أفعال في غاية التطرف، كان من المتوجب عليه أن يتصرّف بمسؤولية أكبر، من خلال حرصه على كيفية صياغة نكاته وحساب العواقب التي ثبُت في أكثر من مرة إمكانية تحوّلها إلى كرة نار تُسبب الحرائق هنا وهناك، وبشكلٍ يصعب إخماده أو السيطرة عليه، خصوصاً أن النكتة تناولت السخرية على اسم الصيدلية "القائم"، والذي يُعتبر واحداً من ألقاب الإمام المهدي، أحد الأئمة الكبار عند الطائفة الشيعية.

نكتة خليل استفزّت شريحة واسعة من الجمهور الشيعي في مواقع التواصل، ما دعا بمراسل قناة "الميادين"، علي مرتضي، إلى إطلاق حملة تحقيرية رداً على خليل تحت اسم "#الصرماية_شربل_خليل"، أرفقها بمقطع فيديو يحفل بمختلف عبارات الشتم والاهانة، مبرراً أسلوبه بأن فعل التطاول على قداسة رمز ديني يستوجب هذا المستوى من الرد، الأمر الذي وافق عليه كثيرون من المتفاعلين مع الحملة، التي لم توفّر خليل من النعوت التي وصفته بـ"المعتوه" و"الطائفي" وبأنه "الشخص الذي تنطبق عليه كل الصفات القذرة". فيما برزت مطالبات لـ"المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى" برفع دعوى قضائية ضدّ تلفزيون "الجديد" وشربل خليل على خلفية "التطاول على الامام المهدي"، إلى جانب دعوات إلى مقاطعة "الجديد" واصفين إياها بـ"قناة العهر".

شراسة الهجوم دعت بخليل إلى التراجع من خلال تقديم اعتذاره، بحجة عدم علمه بأن لقب "القائم" يعود إلى الإمام المهدي، محاولاً التبرير لجهله على لسان شخصية "جيم" في برنامج الحالي، من خلال سؤاله هل كل الشيعة يعلمون أن حرفي "ألف" و"ياء" هو اسم السيد المسيح في الرؤيا.

 

إلا أن حُجة خليل بدت واهية ولم تقنع الكثيرين، إذ أنّ تاريخه لا يشفع له ولتبريراته، بعدما اشتهر بـ"التطاول" على الزعامات والرموز بغية رفع منسوب شعبيته، وهو ما يضع فعلته الجديدة ضمن مسار عاداته وتعبيراته الناتجة عن مبادىء وقناعات يبدو أنه متمسك بها ومن غير الوارد الاستغناء عنها بسهولة، وأنه صاحب نمط يدفع على الدوام لتخطي الخطوط الحمر أو الرقص على حدودها، وهو ما صرّح به حين حلّ ضيفاً في برنامج "بلا تشفير"، حين قال "لن أغيّر أسلوب في النقد على الرغم من تعرّضي الدائم للتهديد، كوني مقتنع بالعمل الذي أؤدّيه"، نافياً أن يكون عنده هوس بالشهرة، إلا أنه يعتبر نفسه شخصية مثيرة للجدل، بسبب مواضيعه التي لا يجرؤ أحد غيره على طرحها. 


بات شربل خليل مسكوناً بفكرة الفرادة وتفضيل الخروج عن السرب، من خلال ما يعتبره طرحاً للمضمون الجريء، حتى لو كان على حساب القيم الأخلاقية والانسانية، وهو ما يبدو واضحاً من تعليقاته وأسلوب ردوده في مواقع التواصل، ومن خلال طريقة ردّه على منتقديه، ما يضعه في غالب الاحيان في خانة نمطية التعاطي الشوفيني المنحلّ، الأمر الذي يترجمه في برامجه وفي مقاربة تعاطيه العنصري تجاه كثير من حاملي الجنسيات المختلفة، خصوصاً الخليجيين والفلسطينيين، وصولاً إلى التركيز على السوريين والامعان في إهانتهم والاساءة إليهم ضمن حوارات واسكتشات وأغنيات ذات مستوى منحطّ لا تمتّ للإبداع بصلة، بل إنها لا تعدو عن كونها تهريجاً قبيحاً. وتجلّى ذلك أيضاً في تغريدته الشهيرة المسيئة للنساء السعوديات والعواقب الدراماتيكية التي نتجت عنها.

المدافعة عن الحق بالنقد والحرية في التعبير عن الرأي عند خليل تبدو احتكاراً ذاتياً وشخصياً، ينطبق عليه دون غيره من الذين ينتقدوه أو يستنكروا برامجه وأفعاله وأقواله، فيما يبدو أنّ الرجل خارج التأثّر أو الارتداع، فهو مُكمل على هذا النهج دون ظهور أي رادع نفسي أو ذاتي، إذ إن نكتته الأخيرة ما كانت لتقف الردود عندها أو تقتصر على وسائل التواصل لولا اللحظة السياسية الدقيقة والحرجة التي يمرّ بها لبنان، والتي تمنع التصعيد الذي حصل سابقاً في الشارع الشيعي، الذي ردّ بعنفٍ بالغ على شربل خليل حين قلّد السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري، والتي استتبعت نتائج كادت تكون وخيمة وأوشكت التسبب باندلاع حربٍ أهلية، مع كل ما رافقها من تظاهرات جابت المناطق المسيحية شرق بيروت ورافقها إغلاق طرقات وإشعال إطارات ودسائس، حاول إطلاقها من لهم مصلحة في الفتنة والتصعيد.

اقتصار الرد على السوشال ميديا كشف في الوقت ذاته حجم النفاق الذي تمارسه بعض الأحزاب تجاه المسّ بالمقدسات واستنسابية التغاضي او الاندفاع بالدفاع عن قداسة الرموز الدينية، إذ أنّ المسّ بالرموز السياسية بدا أكثر هولاً وأدعى للتهويل وإظهار الغضب والويل والثبور والتهديد بعظائم الأمور. فلم يمضِ الكثير من الوقت على اهتزاز الشارع عقب فيديو وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي تعرّض فيه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما يطرح علامة استفهام كبرى حول الجهات التي تحرك الشارع ومدى توقيت مصلحتها في ذلك، وهو الأمر المرفوض في كافة الاعتبارات، إذ لا يجوز استعمال الشارع لأي سبب كان خارج إطار القانون والمطالب المحقّة التي تسمح بها أصول التعبير.

لكن بازارات النفاق عند الأحزاب والسياسيين تجعل من الخطير التحسّب لانفعالاتهم وكيفية توجيه وتحريك شارعهم، وهو الأمر الذي يلقي بمسؤولية موازية على مفتعلي الحرائق والفتن والازمات بنفس القدر الذي يتحمّله الغوغائييون الذين ينقلون الفوضى والاعتراض إلى الشارع، الامر الذي يجعل من شربل خليل قنبلة موقوتة يجب الحرص الشديد على عدم تفكيك صاعقها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها