الخميس 2018/06/07

آخر تحديث: 08:15 (بيروت)

"متطرفو" رمضان!

الخميس 2018/06/07
"متطرفو" رمضان!
السلطة الفلسطينية مضطرة لمهادنة المتشددين؟
increase حجم الخط decrease
الصدمة التي تترتب على مشاهد اعتقال رواد مقهى في رام الله، خلال فترة الصوم في رمضان، تنطلق من كون السلطة الفلسطينية، لم تتبنَّ يوماً المقاربة الدينية المتشددة، وقدمت نفسها منذ الستينيات على انها منظمة مدنية علمانية مناضلة، يفترض أن تتبنى الحرية الشخصية وتدافع عنها، بمعزل عن الضغط الجمعيّ لادانة فرد وخياراته غير الدينية. فالاعتقال هنا، يدين السلطة نفسها، وتجربتها العلمانية، وتصورها أكثر من أي وقت مضى كراضخ لصعود ديني تتنامى حيثيته في الاوساط الشعبية.  

وتحمل الصور أكثر من مؤشر خطير على انزلاق السلطة الى مستوى مراعاة الشعور الجمعي الديني، ومهادنته. عند كل منعطف سياسي، تفشل فيه القوى المدنية والتحررية في محاكاة البيئة الحاضنة والتعبير عنها، يتصاعد الشعور الديني بوصفه "خلاصاً" من الهزيمة، فتضطر السلطات القائمة للاحجام عن مواجهته. من هذه المقاربة، يُفسّر الانصياع لرغبة جمعية بتقويض حرية الفرد، الذي يجاهر بإفطاره في رمضان، متوهماً حماية مفترضة من قانون داخلي وسلوك قائم منذ سنوات طويلة. 

ولا يقتصر هذا التفسير على السلطة الفلسطينية، إذ ينسحب على واحدة من أعرق التجارب السياسية المدنية في المنطقة العربية، تونس، التي يكافح سكانها من مفطري نهارات رمضان، لاثبات حقهم في الاختلاف، كامتداد لتجربة مدنية تغنوا بها، وقادتهم في العام 2011 لتغيير سياسي سلمي. اللافت أن التجربتين المدنيتين، لم تعد الاجراءات قادرة على حمايتهما، بدءاً من افطار رمضان الذي يُعدّ واحداً من أكثر المؤشرات انكشافاً على تغيير في مضمون الحكم، وصولاً لمراعاة المتدينين والمقاربات الدينية المتشددة المتنامية على مساحة المنطقة. 

ويأتي المنع في أبشع صوره . رجال أمن يقتادون مفطرين في رام الله، كما لو كانوا مجرمين. ويتحدى التونسيون، للعام الثاني على التوالي، حظر الاشهار بالإفطار، عبر اعتصامات في الشارع بدعوى تثبيت الحق في الاختلاف، والحق بحماية الحرية الفردية، ويشاركون فيها جمهورهم عبر منصات التواصل الإجتماعي.  لكن في المقابل، تظهر صور اشهار الافطار في تونس، انتصاراً لتلك الحرية الفردية، فيما احتوت السلطة الفلسطينية الواقعة بالافراج عن الموقوفين الـ31 الذين اقتيدوا للتحقيق، وهو ما يثبت أن فعل الاعتقال في الاساس، هو اجراء يساير المتدينين، كادت السلطة أن تدفع ثمنه بتهمة "التطرف". 

فقد وردت في نقاشات فلسطينية أحاطت بالواقعة، عبارات تتحدث عن "التطرف". وقال الناشط وخبير مواقع التواصل الاجتماعي سائد كرزون في صفحته الشخصية في "فايسبوك": "شيء واحد فقط ممكن يكون الدافع لي أسافر خارج فلسطين. ليس الاحتلال، ليس الوضع العام بتفاصيله، بل أن تتحول فلسطين لدولة داعشية". 

يُحمل التوصيف على محمل المبالغة بتصوير الواقع، لكنه لا ينفي صعود التشدد، وقدرة تأثيره على السلطات في زمن انعدام الخيارات السياسية والتخبط في منازلة الضغوط والمشاريع الدولية. ومن الصعب تقصي مهادنة التشدد في زمن غير رمضانيّ، كونه المناسبة الأكثر اشهاراً، والاكثر انكشافاً لضغوط المتطرفين على ما تبقى من مدنية التجربة وعلمانية الدولة.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها