السبت 2018/05/05

آخر تحديث: 13:58 (بيروت)

"منعيد ومنعيد": ميشيل ونويل كسرواني تصفعان الناخبين

السبت 2018/05/05
"منعيد ومنعيد": ميشيل ونويل كسرواني تصفعان الناخبين
الكليب الجديد أظهر النضوج الذي راكمته الأختان منذ "جغل الـUSEK"
increase حجم الخط decrease
محكومون بالقدر ذاته. عالقون في الدوائر التي رسموها لنا. لذا سنعيد السردية نفسها، مرة تلو الأخرى. سنستمر في إيصال الطبقة السياسية نفسها إلى الحكم، وبعد نهاية اليوم الانتخابي لن نفعل شيئاً سوى لعب دور الضحية مجدداً. نرفع أصواتنا المطالبة بالتغيير والتجديد، رغم أننا نحن الذين نجني على أنفسنا من خلال انتخابنا الأشخاص أنفسهم، ولو أتوا بأقنعة جديدة، وهكذا دواليك، نعيد جَلد أنفسنا ونعيد صلب وطننا وذواتنا و"منعيد منعيد".


صرخة ميشيل ونويل كسرواني، في أغنيتهما الجديدة، يمكن اعتبارها صفعة للوعي الجماعي الذي ينام ويصحو مراوحاً بين شيزوفرينيا الابقاء على دوام الحال، وهبّات الانتفاض من أجل التغيير. وفي حين أن إطلاق الأغنية تزامن مع إتمام الاستعدادت الأخيرة للانتخابات، غداً الأحد، تأتي مضامين الأغنية ورسائلها ومعانيها العميقة وتعابيرها الساخرة لتتخطى في جزء كبير منها ظرفية اللحظة وطبيعة الحدث، كونها تحمل دعوة للتفكير ملياً والتمهّل والتعقّل قبل التصويت لهذا المرشح أو ذاك، مستندة إلى محاكاة للوضع العام، لتشمل اعتلالات واهتراءات منظومته السياسية والاجتماعية والفكرية الجماعية، كونها تعتبر أن فرصنا في الوقوف على الحياد بالنسبة لتقرير مستقبل الوطن ورسم سياساته، تتضاءل بشكل مضطرد، إذ أنك لو تغاضيت و"ما اتعاطيت سياسة، السياسة بتتعاطى فيك".


الأغنية القائمة على النقد المباشر لواقع المواطن وأسلوب تفكيره ورضوخه لسطوة أفكار الخوف من التغيير، والمتماهية مع النفَس الساخر الذي هيمن على مصطلحاتها وأدائها، تتمحور بشكل أساسي حول ثيمة المحاسبة والمساءلة، مُركزة في هذا الجانب على ممثلي الأمة، كون الزعيم لا يتم انتخابه من الشعب، بل يتم التصويت له من خلال النواب المحسوبين عليه. لذا فإن جوهر الدعوة للتغيير يبدأ بتغيير الجالسين على كراسي المجلس، هناك حيث تحاك المؤامرات على الشعب. والأغنية التي لا تستهدف المحازبين المخلصين بالضرورة، بدا واضحاً أنها تخاطب المحايدين ومتقلبي الرأي واللامبالين، كون الأمل في التغيير عبر المحازبين والعقائديين، معدوم. كما أنها، ومع مخاطبتها هذه القواعد، تستهدف الأحزاب والطبقة الحاكمة، حيث لا ترى للتغيير سبيلاً إلا من خلال إيصال شخصيات من المجتمع المدني ظهرت بعض وجوههم في الكليب الخاص بالأغنية.

"منعيد ومنعيد" عكست أيضاً نضوج تجربة الأختين كسرواني، وهي تجربة بدأتها ميشيل بأغنية منفردة حملة اسم "جغل الـUSEK "، التي لاقت رواجاً ونسبة مشاهدة عالية في "يوتيوب" ناهزت المليون، ما شجّع ميشيل على ضمّ أختها إليها واستكمال هذا الخط الفني الساخر بمساعدة بعض الاصدقاء. ثم أطلق الثنائي أغنية بعنوان "عالجمل وسط بيروت"، ثم أغنية "بانيك بالبرلمان" و"زفتلي الطريق" التي تزامن إطلاقها مع أزمة النفايات ما جعلها تحظى بنجاح كاسح. لكن النضوج الذي عكسته الأغنية الجديدة لناحية الكلمة والموسيقى والأداء انسحب كذلك على الجودة البصرية والشكل العام للكليب، خصوصاً أنّ العمل الأخير جاء كنتاجٍ للتعاون مع فريق احترافي متكامل ترك بصمته في الإخراج والتصوير والتحلين والتمثيل والكتابة والانتاج.


أغنية "منعيد ومنعيد" التي توّجت تجربة الأختين كسرواني، اللتين تلاقيان نجاحاً تلو الآخر، أتت كاستكمال لتاريخ طويل محسوب على الأغنية السياسة والاجتماعية الشعبية الساخرة في لبنان، والذي أسس لانطلاقتها عمر الزعنّي، واستكملها شوشو الذي صرخ "آخ يا بلدنا" قبل حرب الـ1975، ليعاد تظهيرها وتطويرها مع زياد الرحباني وجوزيف صقر ومارسيل خليفة وفيلمون وهبي وسامي حواط وغسان الرحباني والفرسان الأربعة وخالد الهبر وغيرهم. 

لم تحد أغنيات ميشيل ونويل كسرواني كثيراً عن هذا الخط، لكن أكثر ما ميّزهما هو الطابع المختلف الذي يُحاكي العصر ولغة الإعلام الجديد، ويعكس ذهنية الجيل الذي أدمن مواقع التواصل، خصوصاً لناحية بُعدها من الوعظ والتوجيه ومخطابة الوعي من خلال أسلوب يشبه "الراب" المتداخل مع السرد العامي حيناً، والكلمة ذات خصائص السهل الممتنع حيناً آخر. تخاطب الشباب بلا تكلّف أو حواجز، وبلُغتهم.

لكن التغيير يبقى رهاناً يُتناقل من جيل إلى جيل، ما قد يرسي تراكماً في الوعي يؤدي إلى التملّص من عقد الخوف والدخول بثباتٍ نحو التغيير البطيء والممنهج، كون أسلوب التغيير المفاجىء والمتسارع والذي تجلّى في تجربة الربيع العربي ترك انطباعاً بأنه خطوة تدميرية تقود نحو المجهول، الأمر الذي لم يغب عن بال الأختين كسرواني اللتين عبرتا عنه من خلال أغنيتهما الأخيرة حيث صوبتا على هذا الواقع من خلال انتقاد علو صوت الايديولوجيا وانتقاد من رأى في أنّ التصدّي له يكون من خلال المزيد من التقوقع على الذات وسدّ أبواب الأمل في وجوهنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها