الأربعاء 2018/05/23

آخر تحديث: 16:41 (بيروت)

نواف الموسوي.. النائب المهكّر

الأربعاء 2018/05/23
نواف الموسوي.. النائب المهكّر
لو أن الحساب مقرصن فعلاً، لما أصدر "حزب الله" بياناً توضيحياً (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
التجربة الأولى التي باشر من خلالها النائب نواف الموسوي التغريد في "تويتر"، يصحّ فيها المثل القائل "أوّل دخوله.. شمعة ع طوله"، إذ انه استطاع عقب بضعة تغريدات إشعال الجدل واستجلاب الاستنكار، تبعه توضيح ثم إنكار. كلّ هذا خلال الأسبوع الأول الذي أعلن الموسوي فيه إطلاق حسابه التجريبي، موضحاً أنه سيراجع لاحقاً الجدوى من استمراره في التغريد أو أخذ القرار بالانكفاء، مدرجاً في الخانة الخاصة في التعريف عن شخصه بأنه نائب لبناني، وبأن حسابه تجريبي، واضعاً رقم هاتفه، ليعود ويزيله ويزيل الإشارة التي تدل على أن حسابه قيد التجربة.

ولوج نائب "حزب الله"، عالم مواقع التواصل، بدا امتداداً للمسار الذي بدأه حزبه في مرحلة الانتخابات النيابية، والذي هدف إلى التقرّب من الناس والتواصل معهم، لكن الأيام القليلة التي مرت عقب التجربة الأولى للموسوي، أظهرت فشله بالتغريد والزقزقة وإتقانه الصراخ والحرتقة.

المراقب لحساب الموسوي في فترته التجريبية، يلاحظ اتسامها بالمراهقة في العمل الميديوي. إذ أنّ النائب حديث العهد بالتغريد، انبرى للتعاطي مع هذا المنبر بنبرة فوقية ذات أسلوب فظ، فبدا وكأنه ينقل صراخه ومصطلحاته التي عهدناها على الشاشة، إلى "تويتر"، حيث استرسل في الحديث عن "العهر الإعلامي" وعن "الكذبة الكبرى في لبنان المسمّاة حرية التعبير"، وعن كيفية رؤيته لإحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية، التي تراها عيناه على أنها "جارية في الحرملك الاعلامي السعودي في لبنان"، رافعاً نفسه إلى مرتبة أعلى منها، معتبراً أنها أحقر من أن يرد على انتقاداتها الموجهة إليه، ليعلن في سياق آخر بأن "زمن فرض المعايير علينا قد ولّى"، متوعداً اللبنانيين بأنّ حزبه هو من يضع المعايير، ليعود ويكتسح بسيل هجوماته فرحة اللبنانيين وفخرهم بفوز نادين لبكي بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" عن إخراجها لفيلم "كفرناحوم"، بالسخرية من إنجازها قائلاً: "بلا لبكي بلا وجع راس. وقت الجد ما في غير سلاحك بيحميك".

كلّ من يعرف البيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، وكل مراقب لخطاباته عن كثب، سيدرك في الحال أن كلام الموسوي وأسلوب تعبيره يندرج تماماً ضمن إطار الخطاب الداخلي للحزب والدائرين في فلكه، وإن الأسلوب والمصطلحات والأفكار التي عبّر بها الموسوي ليست إلا تعبيراً وتواؤماً تاماً يتماهى مع الذهنية التي ينظر من خلالها الحزب إلى قضايا وموضوعات مشابهة والكيفية التي يتعاطى معها.

وعليه، فإنّ المقاربات التي يقوم بها الحزب ومسؤوليه والمواقف من الأحداث والمستجدات، لطالما كانت عادية وتلقى التأييد والدعم والتبني والتشجيع، هذا في ما لو كانت في محيطه وبيئته. أما حين يخرج الأمر إلى الاعلام وتتشابك المعتقدات والآراء مع شرائح المجتمع اللبناني المختلفة، فسريعاً ما يبرز التعارض والتضارب، ما أظهر "حزب الله" في أكثر من مكان كما لو أنه في وادٍ واللبنانيين الآخرين جميعهم في وادٍ آخر. وهذا ما حصل تماماً مع تغريدات الموسوي التي كان لها وقع صادم لدى اللبنانيين، فلم يغفروا له استهزاءه بما حققته نادين لبكي، ما شكّل موجة ارتدادية ضده، انتبه لها "حزب الله" الذي أطلق بياناً واضح اللهجة جاء فيه أن قضية التغريدات التي أحدثت جدلاً في مواقع التواصل لا تلزم الحزب ولا تعبّر عن رأيه، بل هي فقط تعبّر عن رأي أصحابها، الأمر الذي أظهر مدى الإحراج الذي سببه الموسوي للحزب، والذي بدا أنه أخرجه عن عادته بتبنّي كلام نوابه ومسؤوليه الذين طالما جاهر بالقول بأنّ كل فرد منهم يتكّلم باسمهم جميعاً، ليعود الحزب ويستدرك ما بدا وأنه انتقاداً للموسوي والقاءً للوم عليه، بالسعي من خلال صفحات تابعة له لتبرئة الموسوي من فعلته وتخليصه من ورطته وسحب مسؤوليته عن الحساب الذي ادّعوا بأنه "مقرصن"، ما يجعل من المعادلة أن تبدو تبرؤ من حساب الموسوي وليس من شخصه.

لكن المفارقة التي تثبت عدم صحة هذا الزعم، أتت من مؤشرين هامين أولهما، لو أن الحساب كان مقرصناً لما كان هناك من داعٍ لصدور بيان توضيحي بالاصل تجاه هذا الموضوع، بل كان يكفي الحزب أو النائب نفسه بالإعلان أن الحساب مقرصن. أما المؤشر الثاني، فهو أن العبارة نفسها التي استخدمها الموسوي ضدّ لبكي في تغريدته، أعاد تردداها اليوم في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب، حين توجّه بكلامه إلى النائب بولا يعقوبيان بعد وضعها اسم نادين لبكي في الصندوق، بقوله مجدداً بـ" بلا لبكي، بلا لبكي".

مرة تلو الأخرى، وسقطة تلو السقطة، لا تنفك تظهر مؤشرات عن مدى الشرخ الثقافي الذي أوجده الحزب في بيئته بينه وبين اللبنانيين، إذ أنها ليست المرة الأولى التي تسخر شخصيات بارزة مقربة من "حزب الله" من إنجازات شركاء في الوطن. وليست المرة الأولى التي يتم فيها تعظيم الشخصيات التي تنضوي في محورهم وتحقير شخصيات تعارضهم في الرأي. لكن الأخطر في الموضوع هو التقية التي يمارسها الحزب تجاه الثقافة اللبنانية المتعارضة مع عقيدته، إذ إن بيانات النفي والاستنكار المنمقة كانت لتأخذ مكانها وقيمتها لو أنّ الحزب يعمل بالفعل لا بالقول على تكريس الاندماج الداخلي والحفاظ على التلاحم، لكن طالما أن هناك من يزال يسبغ توصيفات "أشرف الناس وأطهرهم" على مؤيديه، فمن المؤكد أن النظرة إلى معارضيه ومخالفيه ستكون على شاكلة ما أتى على لسان النائب "المُهكّر".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها