الإثنين 2018/05/21

آخر تحديث: 18:56 (بيروت)

"أبو عمر المصري": الدولة الأمنية وموت المؤلف!

الإثنين 2018/05/21
"أبو عمر المصري": الدولة الأمنية وموت المؤلف!
المسلسل مقتبس من روايتي "مقتل فخر الدين" و"أبو عمر المصري" بلا أي إشارة إلى مؤلفهما عزالدين فشير
increase حجم الخط decrease
لا غرابة في "الإقصاء" الذي يواجهه عز الدين شكري فشير، في نسبة مسلسل "أبو عمر المصري" إليه، بعدما خلت أفيشات وبوسترات العمل وشاراته، من أي إشارة لاقتباس الكاتبة مريم نعوم، النص من روايتيه "مقتل فخر الدين" و"أبو عمر المصري". فهذا الحذف ليس تقويضاً لسلطة الكاتب، بحسب الفرنسي رولان بارت صاحب المقال الشهير "موت المؤلف"، بل هو فعل من أفعال السلطة التي تستمر حثيثة في جهدها بطمس كل من يختلف معها وعنها.


واعتبر فشير ذلك، عبر حسابه الشخصي في "فايسبوك"، "مخالفة صريحة للقواعد المعمول بها ونقضاً لنصوص العقد المبرم بيني وبين الشركة المنتجة والذي تم بمقتضاه تحويل روايتي مقتل فخرالدين وأبوعمر المصري الى هذا المسلسل. ومع تقديري لأسرة المسلسل وتمنياتي لهم بالنجاح، فقد شرعت في اتخاذ الإجراءات القانونية لإلزام الشركة المنتجة باحترام حقوق التأليف الخاصة بالروايتين".

وفشير، إلى جانب أعماله الروائية، هو أستاذ علوم سياسية، وواحد من حماة "المسار الديموقراطي" بعد 30 يونيو 2013. فهو أحد المتأخرين في الاعتراف بوحشية النظام، وأحد العائشين في غيبوبة الأمل لسنين طويلة، على أمل أن يكون واحداً من أبطال "الجناح الديموقراطي للسلطة"، وهو ما تحول خلال فترة وجيزة إلى وبال شديد عليه، فخسر الدولة التي لم يكسبها من الأساس، وخسر قطاعاً كبيراً ممن تجذرت مواقفهم من اللحظة الأولى تجاه السيسي وقوى 30 يونيو، أو على الأقل لم تتأخر قراءتهم للمشهد وإعلان انحيازاتهم.

غضب الدولة على فشير عميق، لأنه في ذروة أمله، دعا إلى المصالحة بين الفصائل السياسية ومن ضمنها "الإخوان المسلمين"، ثم هاجم قانون التظاهر واعتبره "خيانة للمسار الديموقراطي"، برقّة المثقف وتفاؤله اللامحدود، وبرؤية طوباوية لا تنتمي إلى اللحظة التي أعلن فيها ما أعلن. وبالتالي يبدو أن الدولة لم تنس هذه المواقف التي تعتبرها من دون أدنى شك، ضرباً من ضروب "الخيانة" للمبادئ العامة التي يقوم عليها ولاء من يواليها، وهي العداوة المطلقة للإخوان المسلمين، وتغليب الأمن على السياسة. وعليه، صار فشير قصياً، وإن لم يلق ما لاقاه معارضو النظام من تنكيل.

ويمكن القول أن ذلك كله لم يجعل اسمه منزهاً عن التربص به. فلما حان الموعد، حُرم فشير من حقه الأدبي في وجود اسمه على تترات المسلسل وفي دعاياته، كما قبل صنّاع المسلسل "مكتوفي الأيدي" بإزالة اسم مؤلف الروايات، كي "يمشي الحال" من دون أن تتدخل الدولة وتمنع العمل كلية.

وهكذا، يتحرك فشير في مسارات ضيقة للغاية، ضمن أزمة المسلسل، فهو يعلم حجم الضغوط التي تواجه الشركة المنتجة لأجل إقصائه، وفي الوقت نفسه لا يقبل مثل ذلك الغبن، ومن هنا أتى تصريحه التوافقي: "للناس اللي بتقولي نقاطع المسلسل، أو أرفع دعوى مستعجلة لإيقاف عرضه: لا رغبة لي في أي من هذا. فعلاً أتمنى النجاح للمسلسل وأسرته. الإجراءات القانونية التي اتخذها هدفها حماية حقوق الروايتين ومبدأ حق المؤلف".

المثير للسخرية، أن بارت عندما كتب مقالته الشهيرة "موت المؤلف" في نهاية الستينيات، كانت ضجتها توافق ذلك الأدرينالين الثوري الذي اجتاح فرنسا ومن ثم العالم، وسط ثورات تقويض السلطات وتفتيت البنى القديمة. وكان بارت ينادي بموت المؤلف أي بموت سلطته، لأجل استقلالية النص، وعدم التعامل معه بمعطيات مرتبطة بسياق المؤلف وظروف تأليفه، ما يجعل النص مفتوحاً على تأويلات لانهائية. أما فشير، فمات على تترات المسلسل وفي دعاياته، تقويضاً لسلطته على نصه، لأجل سلطة أخرى، أكثر رعونة وانتهاكاً للضمائر. كما خسر المؤلف سلطته على نصه، لصالح تأويل واحد، يُجبَر عليه الجميع، ولا يُناقش.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها